الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطلع عليهم فى صبح اليوم الرابع، ودهمهم بغتة بهذا المكان. فلما شاهد كثرتهم، كاد يقف عن ملاقاتهم، وأنكر على الأمير عز الدين، وقال: لقد غششتنا، فإن هذه العدّة التى معنا لا تقوم بهذه الجموع الكثيرة.
فقوّى نفسه، وقال: أنا أعرف هؤلاء، وهذه بلاد ولايتى. وحمل عليهم، ورمتهم العسكر بالنّشّاب، فما كان السّهم يقع إلا فى أحدهم. فما كان بأسرع من أن انهزموا أقبح هزيمة، وأخذهم السيف. وتفرقت تلك الجموع، واختفوا، وغيّروا لباسهم. وقتل منهم فى المعركة والطّلب خلق كثير.
ولما عاين الشريف حصن الدين انهزام أصحابه، بادر بالهزيمة.
وحمل معه ألف دينار، واستصحب حظيّة له، وتوجه إلى الوجه القبلى. ثم قبض عليه بعد ذلك- على ما نذكره، إن شاء الله تعالى. وعاد الأمير فارس الدين إلى القاهرة بعسكره، ومعه جماعة من العربان، من جملتهم: ابن عم الشريف حصن الدين بن ثعلب، فشنق تحت قلعة الجبل. ثم قتل الأمير فارس الدين أقطاى، فى هذه السنة.
ذكر خبر الأمير فارس الدين أقطاى، وما كان من أمره إلى أن قتل
كان الأمير فارس الدين أقطاى، الجمدار «1» الصالحى، قد استفحل أمره فى الدولة المعزّيّة بالديار المصرية، وقويت شوكته فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.
وانضم إليه الأمراء البحريّة واعتضد بهم. وتطاول، إلى أن خطب ابنة الملك المظفّر صاحب حماه. وكان الرسول فى ذلك الصاحب فخر الدين محمد، بن الصاحب بهاء الدين على- قبل وزارة والده- فأجيب إلى ذلك.
وعقد النكاح، وحملت إليه، فوصلت إلى دمشق. وقتل، قبل وصولها إليه. ولما تزوج بها زادت نفسه قوة، وعظّمه الأمراء، وخفّضوا من جانب الملك المعز، وألان الملك المعزّ جانبه له، ولهم.
واستمر الأمر على ذلك إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة. فامتدت أطماعه إلى صلب ثغر الإسكندرية، إقطاعا، فلم يمكن الملك المعز مخالفته، لقوة شوكته. وتطاول البحريّة، واشتطوا فى طلب الإقطاعات والزيادات.
واتصل بالملك المعز أنهم يدبّرون عليه، وأنهم قد عزموا على الوثوب، فبادر عند ذلك بالتدبير والاحتياط.
ولما كان فى يوم الإثنين- حادى عشر شعبان، من هذه السنة، استدعاه السلطان على العادة، وكمن له عدّة من مماليكه، بقاعة الأعمدّة.
وقرر معهم أنه إذا عبر إليه يغتالوه. فحضر فى نفر يسير، ثقة منه واسترسالا، واطّراحا لجانب السلطان، وأنه لا يجسر أن يقدم عليه، ولم يشعر به خوشد اشيّته «1» . فلما قرب، منع مماليكه من الدخول معه، ووثب عليه المماليك المعزّية فقتلوه
وحكى عن عز الدين أيبك الفارسى- أحد مماليكه- فى خبر مقتله، قال: كان قد ركب إلى قلعة الجبل فى يوم مقتله، واجتمع بالسلطان، وطلب منه أن ينعم على بعض البحرية بمال. فاعتذر الملك المعز أن الخزائن قد خلت من الأموال، وقال له: توجّه بنا إلى الخزانة لنشاهدها، ونتحقق حالتها. فتوجها جميعا إلى الخزانة من جهة الدّور. وإنما فعل المعز ذلك، لأن الوصول إلى الخزانة من جهة الدور حرج «1» المسلك، ويمرّ المارّ على بعض قاعات الحريم، فلا يمكن استصحاب الكثير من المماليك. وكان الملك المعز قد كمن فى عطفة من عطفات الدهاليز مملوكه الأمير سيف الدين قطز- ومعه عشرة من المماليك المعزّيّة، من ذوى القوة والإقدام. فلما وصلوا إلى ذلك المكان، تأخر السلطان: واسترسل الأمير فارس الدين على ما هو عليه، وتقدم إلى المكان. فوثبوا عليه، وقتلوه. قال: وأمر الملك المعز بغلق قلعة الجبل، فغلقت.
وركب مماليكه وحاشيته- وكانوا نحو سبعمائة فارس- وجماعة من البحرية، وقصدوا قلعة الجبل، وظنوا أنه قد قبض عليه، ليطلقوه. فلما صاروا تحت القلعة، أمر السلطان بإلقاء رأسه إليهم، من أعلى السور فعلموا
فوات الأمر فيه، فتفرقوا. وكانت هذه الواقعة شبيهة بواقعة عمرو بن سعيد الأشدق مع عبد الملك بن مروان «1» . وتفرّق شمل البحريّة لمقتله، وانتشر نظامهم. وكان من خبره ما نذكره.
ولما قتل الأمير فارس الدين أقطاى، وهرب البحرية ومماليكه، ركب السلطان الملك المعزّ بشعار السّلطنة بالقاهرة. وذلك فى يوم الأحد، سابع عشرين شعبان المذكور. وجهّز الملك الأشرف، الذى كان قد شركه معه فى الملك إلى دمشق- فى هذا الشهر. واستقلّ بالسلطنة. وانفرد بالأمر، بعد مقتل الأمير فارس الدين أقطاى.
ومن المؤرخين من جعل هذا التاريخ ابتداء سلطنة الملك المعز، وجعله فيما مضى أتابكا للملك الأشرف مظفر الدين موسى. إلا أن الأمر منذ خلعت شجر الدر نفسها، كان للملك المعز، مع تمكّن الأمير فارس الدين أقطاى من الدولة وتحكّمه.
وفى هذه السنة، أقطع الأمير جمال الدين أيد غدى العزيزى دمياط- زيادة على إقطاعه- وكان متحصّلها يومئذ ثلاثين ألف دينار.