الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلب، والمنصور صاحب حماة، وصاحب حمص، ومع كل منهم ألف دينار، ينثرها على السلطان. فرسم السلطان بتوفير ذلك لرسول الخليفة.
وسار الشيخ شهاب الدين ورفيقه إلى القاهرة، بخلعة الملك الكامل.
فتلقاهما الملك الكامل، وزينت القاهرة ومصر لدخول الرسل. ولبس الكامل الخلعة الخليفية.
ثم عاد الشيخ شهاب الدين السّهروردى ورفيقه إلى بغداد. وأصحبهما السلطان أستاذ داره شمس الدين، وصحبته التحف والألطاف. فوصل إلى بغداد فى سنة خمس وستمائة. فتلقى بالموكب. ونقم الخليفة على الشيخ شهاب الدين السهروردى كونه مد يده إلى الأموال وقبلها، وحضر دعوات الأمراء بالشام، منهم الأمير عز الدين سامه وغيره. وكان قبل ذلك قد اشتهر بالزهد. فاعتذر أنه إنما قبل الأموال ليفرقها فى الفقراء فلم يقبل عذره. ومنع من الوعظ، وأخذ منه الرّبط التى كانت بيده. وفرق الشيخ ما كان قد حصل له من الأموال- وكانت جملة طائلة- فاغتنى بها جماعة من الفقراء.
وقبل الخليفة ما كان مع شمس الدين إلّدكز من الهدايا، وشرّفه وأعاده إلى مرسله.
ذكر استيلاء الملك الأوحد بن السلطان الملك العادل على خلاط
«1»
وفى سنة أربع وستمائة، استولى الملك الأوحد: نجم الدين أيوب، بن الملك العادل على مدينة خلاط، بمكاتبة أهلها.
وكان سبب ذلك أن الهزار دينارى قتل صاحبها ابن بكتمر- وكان شابا لم يبلغ عشرين سنة- وقيل انه غرّقه فى بحر خلاط. وكانت أخته بنت بكتمر زوجة صاحب أرزن الروم «1» ، فقالت: لا أرضى إلا بقتل قاتل أخى. فسار صاحب أرزن إلى خلاط فخرج إليه الهزار دينارى وتبارزا، فقتله صاحب أرزن الروم. وعاد إلى أرزن. وبقيت خلاط بغير ملك.
وكان الملك الأوحد- صاحب ميّافارقين «2» - يكاتبه أعيان خلاط.
فجاء إليهم واستولى على المدينة. واشترط عليه مقدموها شروطا، وكانوا جبابرة، فقبل الشروط. ثم أبادهم- قتلا وتغريقا- وبدد شملهم.
ومن عجيب ما اتفق أن الملك العادل، سيف الدين، كان له عدة أولاد، ليس فيهم أقبح صورة من الملك الأوحد هذا، فإنه كان قصيرا ألثغ زرىّ المنظر.
فخرج مع والده وإخوته إلى الصيد. فأرسل والده بازيّا على طائر، فسقط البازى على رأس الأوحد، فضحك السلطان والده، وقال: قد صاد بازيّنا اليوم بومة! فانكسر خاطر الأوحد لذلك، وتألم وأسرّها فى نفسه. فلما قدر الله تعالى له بفتح خلاط، وخطب له بشاه أرمن على قاعدة ملوك خلاط، كتب إلى أبيه الملك العادل، يبشره بالفتح، ويقول له: إن البومة- التى صادها بازى مولانا السلطان فى اليوم الفلانى- قد اصطادت مدينة خلاط، وصارت شاه أرمن! وكان بين الواقعتين عشر سنين.
وفى هذه السنة، فى شهر رجب، وضعت الساعات بالمئذنة الشمالية بجامع دمشق. وفيها حصل الشروع فى عمارة البرج الذى يقابل المدرسة القيمازيّة «1» من قلعة دمشق. وفيها حدثت زلازل ورياح شديدة ببلاد خلاط.، وخسف بمكان الملك الأوحد بن الملك العادل قد نزل به ثم رحل عنه، قبل الخسف بليلة.
وفيها كانت وفاة الأمير داود، بن الخليفة العاضد لدين الله، فى محبسه بقلعة الجبل. وكان دعاة الإسماعيلية يقولون إن العاضد نصّ عليه بالإمامة، وأنه صاحب الأمر بعده. وكان عظيما عند العامّة. فلما توفى انقطعت دعوة الإسماعيلية «2» وزال أمرهم.
وأشهر العادل وفاته، فعظم موته على من هو يتوالى فيهم. فاستأذن الناس الملك الكامل فى النياحة عليه وندبه، فأذن لهم. فبرز النساء حاسرات، والرجال فى ثياب الصوف والشعر، وأخذوا فى ندبه والبكاء عليه. واشتهر من كان مستترا من الإسماعيلية. فلما اجتمعوا وكملوا، أرسل الملك الكامل جماعة من عسكره، فنهبوا ذلك الجمع، وقبض على المعروفين منهم، وملأ بهم الحبوس، واستصفى أموال ذوى اليسار منهم، وهرب جماعة آخرون. وزال أمر الإسماعيلية من الديار المصرية. ولم يتجاهر بعد ذلك أحد بمذهبهم.