الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم درس فيها قاضى القضاة جمال الدين المصرى، قبل كمال عمارتها.
وحضر السلطان الملك المعظّم، وتكلم فى الدرس مع الجماعة.
وكان الإجتماع بالإيوان الشمالى بالمدرسة. وجلس عن يمين السلطان إلى جانبه- الشيخ جمال الدين الحصيرى شيخ الحنفية، ويليه شيخ الشافعية:
الشيخ فخر الدين بن عساكر، ثم القاضى شمس الدين الشّيرازى، ثم القاضى محيى الدين بن الزّكى. وجلس عن يسار السلطان، الى جانبه، مدرّس المدرسة قاضى القضاة «1» ، والى جانبه سيف الدين على الآمدى، ثم القاضى شمس الدين يحيى بن سنىّ الدولة، ثم القاضى نجم الدين خليل قاضى العسكر. ودارت حلقة صغيرة، والناس وراءهم متصلون ملء الايوان. وكان فى تلك الحلقة أعيان المدرسين والفقهاء. وقبالة السلطان الشيخ تقىّ الدين بن الصّلاح وغيره. وكان مجلسا جليلا، لم يقع مثله إلا فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
ذكر توجه الملك المسعود بن الملك الكامل من اليمن إلى الحجاز، وما اعتمده
فى هذه السنة، حج الملك المسعود بن السلطان الملك الكامل بالناس من اليمن، فى عسكر عظيم.
وجاء إلى الجبل وقد لبس هو وأصحابه السلاح، ومنع علم الخليفة «1» . أن يصعد إلى الجبل. وأصعد علم أبيه: الملك الكامل، وعلمه. وقال لأصحابه: إن طلع البغاددة بعلم الخليفة فاكسروه، وانهبوهم. ووقفوا تحت الجبل من الظهر إلى غروب الشمس، يضربون الكوسات «2» ويتعرضون إلى الحاجّ العراقى، وينادون: يا ثارات ابن المقدّم «3» فأرسل «4» إليه حسام الدين بن أبى فراس- أمير الحاج العراقى- أباه، وكان شيخا كبيرا، فعرّفه ما يجب من طاعة الخليفة، وما يلزمه من ذلك من الشّناعة. فيقال إنه أذن فى صعود العلم قبيل الغروب. وقيل لم يأذن.
وبدا من الملك المسعود أقسيس «5» فى هذه الواقعة جنون عظيم، وأفعال شنيعة. قال أبو المظفّر «6» : حكى لى شيخنا جمال الدين
الحصيرى «1» ، قال: رأيت أقسيس قد صعد على قبّة زمزم، وهو يرمى حمام مكة بالبندق! قال: ورأيت غلمانه فى المسعى يضربون الناس بالسيوف فى أرجلهم، ويقولون: اسعوا قليلا قليلا، فإن السلطان نائم سكران فى دار السلطنة التى بالمسعى. والدّم يجرى من ساقات الناس!.
وفيها، فى العشرين من شعبان، ظهر كوكب كبير فى الشرق، له ذؤابة طويلة غليظة. وكان طلوعه وقت السّحر، فبقى كذلك عشرة أيام.
ثم ظهر أول الليل فى المغرب مما يلى الشمال. فبقى كذلك إلى آخر شهر رمضان.
وفى هذه السنة، توفى الملك المفضّل قطب الدين أحمد بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيوب، بالفيوم. ونقل إلى القاهرة فدفن بالقرافة الصغرى.
وإلى قطب الدين هذا، تنسب الدار القطبيّة التى بين القصرين بالقاهرة المعزّيّة، التى هى الآن البيمارستان المنصورى. وكان قد جمع أخواته بنات الملك العادل، بعد وفاة أبيه، وسكنها، وهنّ تحت كنفه، فسمّيت الدار القطبية به- رحمه الله تعالى.
وفيها توفى الأمير عماد الدين: أبو العباس أحمد، بن الأمير الكبير سيف الدين أبى الحسن على، بن أحمد، بن أبى الهيجا، بن عبد الله، بن أبى الخليل بن مورتان، الهكّارى «1» ، المعروف بابن المشطوب «2» .
والمشطوب لقب والده، لقّب به لشطبة كانت بوجهه.
وكان أميرا كبيرا، وافر الحرمة عند الملوك، يعدّونه بينهم كواحد منهم. وكان عالى الهمة غزير الجود، واسع الكرم، شجاعا أبىّ النفس.
وكان من أمراء الدولة الصّلاحيّة. فإن والده لما توفى «3» ، كانت نابلس إقطاعا له، أرصد منها السلطان الملك الناصر صلاح الدين الثّلث لمصالح بيت المقدس، وأقطع ولده عماد الدين هذا بقيّتها. ولم يزل قائم الجاه والحرمة نافذ الكلمة، الى أن صدر منه على ثغر دمياط ما قدمنا ذكره. وكان من خبره واعتقاله ما قدمناه. ثم كانت وفاته بحرّان. وبنت له ابنته قبّة على باب مدينة رأس عين، ونقلته من حرّان إليها، ودفنته بها.
وأما والده- رحمه الله تعالى- فكان من أكابر الأمراء الصّلاحيّة.
وكان الملك الناصر «4» قد رتّبه بعكا، هو وبهاء الدين قراقوش الأسدى. ولما خلص منها، وصل إلى السلطان وهو بالقدس. قال ابن شدّاد: إنه دخل عليه بغتة، وعنده الملك العادل، فنهض إليه واعتنقه، وسر به سرورا عظيما. وأخلى له المكان، وتحدث معه طويلا.