الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلّت سنة خمس وخمسين وستمائة:
ذكر مقتل السلطان الملك المعز وشىء من أخباره، ومقتل شجر الدر الصالحية
كان مقتله- رحمه الله تعالى- فى يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة خمس وخمسين وستمائة.
وسبب ذلك أن شجر الدّرّ- سرّيّة «1» الملك الصالح زوجته- اتصل بها أنه سيّر يخطب ابنة صاحب الموصل فتنكرت لذلك. وكان هو أيضا قد تغيّر عليها، بسبب امتنانها عليه، وأنها هى التى ملّكته الديار المصرية، وسلمت إليه الخزائن. وعزم المعزّ على قتلها، فلم يخفها ذلك. فبادرت بالتدبير عليه، واتفقت هى ومحسن الجوجرى الخادم، ونصر العزيزى، على قتله.
فلما كان فى هذا التاريخ، طلع الملك المعزّ من الميدان إلى قلعة الجبل عقيب اللعب بالكرة- فأمر بإصلاح الحمّام، وعبر إليها. فدخل عليه محسن الجوجرى، وغلام له شديد القوة، فقتلوه فى الحمّام!
وشاع الخبر بقتله، فى بكرة نهار الأربعاء، فسمّر محسن الجوجرى الخادم وغلامه على باب قلعة الجبل. وأما نصر العزيزى فإنه هرب إلى الشام. وأحضرت شجر الدر إلى أم نور الدين بن الملك المعز، فما زالت تضربها- هى وجواريها وخدمها- إلى أن ماتت. وألقيت من أعلى السور الى الخندق. وبقيت أياما عريانة ملقاة فى الخندق. ثم حملت ودفنت فى تربتها المجاورة لمشهد السيدة نفيسة.
وكانت شجر الدر هذه سرّيّة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وهى والدة خليل ابنه. وكانت قد ملكت الديار المصرية، وخطب لها وخرجت تواقيعها ومناشيرها، بالأرزاق والمباشرات والإقطاعات- وقد تقدم ذكر شىء منها. ولما ملك السلطان الملك المعز وتزوجها، ما زالت تخاطب بالسلطنة، وتخرج تواقيعها بالاطلاقات وإبطال الحوادث وكف المظالم، فتنفذ كنفوذ التواقيع السلطانية.
وقد شاهدت منها توقيعا على ظهر قصة، مترجمها على بن هاشم، مضمونها:«يقبّل الأرض بالمقام العالى السلطانى الخاتونى، عصمة الدين، بسط الله ظلها فى مشارق الأرض ومغاربها- وينهى أن له خدمة على مولانا الشهيد- قدّس الله روحه- وله مليك اقتناه فى أيامه، ولم يسقّع «1» عليه قط.
وفى هذه الأيام التمسوه، وسأل إجراءه على عادته، من غير حادث.
وخرج التوقيع فى ظهرها، ومثال العلامة عليه: والدة خليل الصالحية: «المرسوم، بالأوامر العالية المولوية السلطانية- زادها الله شرفا وعلوا- أن يجرى الأمير الأجل الأخص الأمجد الأعز: نور الدين مترجمها- أدام الله توفيقه- على عادته. ولا يطلب بسبب تصقيع «1» ولا غيره، وليعف من ذلك- رعاية لحق خدمته على الدولة الشريفة، ولقدم هجرته وانقطاعه إلى الله تعالى. فليعتمد ذلك بعد الخط الشريف أعلاه وثبوته- إن شاء الله تعالى. كتب فى ثانى عشرين جمادى الآخرة، سنة ثلاث وخمسين وستمائة- برسالة الطواشى شرف الدين مختص الجمدار- أيّده الله تعالى.
وكتب عليه بالامتثال. ونفّذ حكمه وعمل بمقتضاه. وإنما شرحنا هذا التوقيع، ليعلم أن تواقيعها كانت جارية بلفظ السلطنة، فى الدولة المعزّيّة.
وكانت مدة سلطنة الملك المعز ست سنين وأحد عشر شهرا، إلا أربعة أيام. وكان ملكا حازما شجاعا، سئوسا حسن التدبير- إلا أنه كان سفّاكا للدماء. قتل جماعة من خوشداشيّته بغير ذنب، ليقيم ناموس ملكه.
ووزر له الصاحب الأسعد: شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزى.
وتمكّن منه تمكنا عظيما. وقدّمه على العساكر وصرّفه فى الأموال.