الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنبدأ بذكر أخبارهم، وسبب الاستيلاء عليهم.
ذكر أخبار الأتراك وابتداء أمرهم وكيف كان سبب الاستيلاء عليهم، واتصالهم بملوك الإسلام. ومن استكثر منهم، وتغالى فى اتباعهم وقدّمهم على العساكر
قد ذكرنا فى أخبار الدولة العبّاسيّة من اتصل منهم بالخلفاء، وتقدم على العساكر، وعلا قدره وطار اسمه. وذكرنا أيضا فى أخبار الدولة العبيديّة- فى أيام المستنصر بالله- ما كان من أمرهم، وقيامهم، ومحاربتهم ناصر الدولة بن حمدان- تارة، ومعه أخرى.
ثم ذكرنا أن الملك الناصر- صلاح الدين يوسف بن أيوب- كان ممن اهتمّ بتحصيلهم، وأخوه الملك العادل، ثم ابنه الملك الكامل. وكانوا إذ ذاك لا يجلبهم التّجّار إلا خفية، ولا يقدرون على تحصيلهم إلا سرقة، لأن حماهم كان مصونا من التّجاهر ببيعهم، أو التطرق إليهم.
وأما السبب الموجب للاستيلاء عليهم، وبيعهم فى الأمصار- فهو أنه لما ظهر جنكزخان التمرجى، ملك التتار، واستولى على البلاد الشرقية
والشمالية، وبثّ عساكره فى البلاد، فانتهوا إلى بلاد القفجاق واللّان «1» ، وأوقعوا بهم- على ما قدّمنا ذكره، فى أخبار الدولة الجنكزخانيّة- فبيعت ذرارى التّرك والقفجاق، وجلبها التجار إلى الأمصار.
ثم رجعت عنهم هذه الطائفة الذين ندبهم جنكزخان إليهم، فى سنة ست عشرة وستمائة- وهم التتار المغرّبة «2» - وعادوا إلى ملكهم جنكزخان.
واستقرت طوائف الأتراك بأماكنهم من البلاد الشمالية. وهم أصحاب عمود «3» ، لا يسكنون دارا، ولا يستوطنون جدارا، بل يصيّفون فى أرض ويشتّون بأخرى. وهم قبائل كثيرة فمن قبائلهم ما أورده الأمير ركن الدين بيبرس، الدّوادارى المنصورى، نائب السلطنة الشريفة كان- أحسن الله عقباه، وقد فعل، وعامله بألطافه فيما بقى من الأجل- فى تاريخه «4» :
قبيلة طقصبا. وتيبا. وبرج أغلى. والبرلى، وقنغر أغلى. وأنجغلى.
ودروت. وقلابا أغلى. وجرثان. وقرا تركلّى. وكتن.
قال: ولم يزالوا مستقرين فى مواطنهم، قاطنين بأماكنهم، إلى سنة ست وعشرين وستمائة. فاتفق أن شخصا من قبيلة دروت يسمى منغوش بن
كتن خرج متصيّدا، فصادفه شخص من قبيلة طقصبا اسمه آق كبك- وكان بينهما منافسة قديمة- فأخذه أسيرا، ثم قتله. وأبطأ خبر منغوش عن أبيه وأهله، فأرسلوا شخصا اسمه جلنغر لكشف خبره، فعاد إليهم وأخبرهم بقتله. فجمع أبوه أهله وقبيلته وساق إلى آق كبك. فلما بلغه مسيرهم نحوه، جمع أهل قبيلته وتأهب لقتالهم. فالتقوا واقتتلوا، وكان الظفر لقبيلة دروت، وجرح آق كبك وتفرق جمعه.
فعند ذلك أرسل أخاه أنص إلى دوشى خان بن جنكزخان- وكان أوكدى «1» ، وهو الملك يومئذ بكرسى جنكزخان «2» ، قد ندبه إلى البلاد الشمالية- مستصرخا به، وشكا إليه ما حلّ بقومه من قبيلة دروت القبجاقيّة، وأعلمه أنه إن قصدهم لم يجد دونهم من يمانع. فسار إليهم فى عساكر، وأوقع بهم، وأتى على أكثرهم قتلا وأسرا وسبيا. فاشتراهم عند ذلك التجار، ونقلوهم إلى البلاد والأمصار.
وأما أول من استكثر منهم وتغالى فيهم، وقدّمهم على العساكر، فهو الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل.
وقد ذكرنا فى أخبار الدولة الكاملية- فى سنة سبع وعشرين وستمائة- أن الملك الكامل اتصل به أن ابنه الملك الصالح ابتاع ألف مملوك، وأنه توثّب على الملك، فنقم عليه وأخرجه من الديار المصرية.