الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فجلست فى جامع دمشق، وقرأت كتابه عليهم، فأجابوا بالسمع والطاعة فلما حلّ ركابه بالساحل وقع التقاعد من الأماثل، فأوجب ذلك أخذ الثّمن والخمس من أموالهم، مؤاخذة لهم. قال: وخرجت أنا إليه بالساحل وهو نازل على قيساريّة «1» ، فأقام بها حتى فتحها عنوة، وفتح غيرها. وعاد إلى دمشق.
ذكر وفاة ست الشام ابنة أيوب وايقافها أملاكها، وتفرقة أموالها، وما فعله الملك المعظم مع قاضى الشام، بسبب ذلك
وفى هذه السنة فى ذى القعدة، كانت وفاة ست الشام بنت أيوب:
أخت السلطان الملك الناصر صلاح الدين، والملك العادل. وهى شقيقة الملك المعظم: شمس الدولة تورانشاه، وسيف الاسلام «2» : ابنى أيوب.
وكانت سيدة الخواتين. وهى التى ينسب إليها المدرستان، بدمشق وظاهرها، أحداهما قبلىّ البيمارستان النّورى، والأخرى ظاهر دمشق بالعوينة. وتعرف أيضا بالحسامية، نسبة إلى ابنها حسام الدين بن
لاجين «1» - وكانت دفنته بها. ودفنت هى معه فى قبره. وهو القبر الذى يلى الباب القبو من القبور الثلاثة. والقبلىّ قبر تورانشاه بن أيوب، والأوسط قبر ابن عمها: ناصر الدين محمد بن شيركوه بن شادى- وكان قد تزوجها بعد لاجين.
وكانت- رحمها الله- كثيرة الصدقة والبر. وكانت تصنع الأشربة والأدوية والمعاجين والعقاقير، فى كل سنة بألوف دنانير، وتفرقها على الناس. وكانت ست الشام، وأختها ربيعة خاتون، محرما على نيف وثلاثين ملكا وسلطانا.
وكان الملك المعظم يتهمها أن عندها من الجواهر ما لا يحصى قيمته.
وأن ذلك اتصل إليها مما كان بالقصور بالقاهرة. وكان كثير الإحسان إليها والبر بها، ويمنعها من الخروج من دمشق. ويظهر أن ذلك برأيها. ويرجو وفاتها عنده، ليستولى على أموالها وأملاكها، فاتفقت وفاتها وهو بالصيد.
ولما مرضت، جاء وكيلها ابن الشيرجى إلى قاضى القضاة: زكى الدين، وطلبه إليها بدارها. فأخذ معه أربعين عدلا من أعيان دمشق، فشهدوا عليها أنها أوقفت أملاكها على مدرستها، ووجوه البر وأنواع القربات، وجعلت دارها مدرسة ووقفت عليها وقوفا، وأبرأت جواريها وخدمها ووكلاءها. وماتت بعد ذلك. وأسندت وصيتها إلى القاضى. فعاد
السلطان من الصيد، فوجد الأمر قد مضى على ذلك. فتألم لوقوعه، وأنكر على القاضى، وقال: يحضر إلى دار عمتى من غير إذنى، ويسمع كلامها، هو والشهود!.
ثم اتفق بعد ذلك أن القاضى طلب جابى أوقاف المدرسة العزيزيّة «1» - وهو سالم بن عبد الرازق، خطيب عقربا «2» - أخو المؤيد العقربانى- وطلب منه حسابها، فأغلظ له فى القول. فأمر القاضى بضربه، فضرب بين يديه، كما تفعل الولاة.
فوجد الملك المعظم سبيلا إلى إظهار ما عنده، فأرسل إلى القاضى بقجة، وهو فى مجلس حكمه، وفى مجلسه الجمال المصرى وكيل بيت المال، وجماعة كثيرة من العدول والمتحاكمين، فجاءه الرسول، وقال للقاضى: السلطان يسلم عليك ويقول لك: الخليفة- سلم الله عليه- إذا أراد أن يشرف أحدا من أصحابه خلع عليه من ملابيسه، ونحن نسلك طريقه! وقد أرسل إليك من ملابيسه، وأمرأن تلبسها فى مجلسك هذا،
وأنت تحكم بين الناس. وكان الملك المعظم أكثر ما يلبس قباء «1» أبيض، وكلّوتة صفراء «2» . وفتح الرسول البقجة. فلما نظر القاضى إلى ما فيها وجم!.
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: فأخبرنى الرسول الذى أحضر هذه الخلعة والرسالة بذلك، قال: وكان السلطان قد أمرنى أن ألبسه إياها بيدى، إن امتنع أو توقف. فأشرت عليه بلبسها، وأعدت عليه الرسالة.
فأخذ القباء ووضعه على كتفه، ووضع عمامته بالأرض ولبس الكلّوتة الصفراء على رأسه، ثم قام ودخل بيته إثر هذه الحادثة، ورمى كبده ومات. ويقال أن ذلك كان فى يوم الأربعاء، سابع عشرين شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة وستمائة.
وفوّض السلطان قضاء الشام بعده للجمال المصرى «3» وكيل بيت المال، وذلك فى شهر رجب سنة ثمان عشرة وستمائة.
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزى: وكانت حركة قبيحة وواقعة شنيعة، لم يجر فى الإسلام أقبح منها. وكانت من غلطات الملك المعظم. قال ولقد قلت له: ما فعلت إلا بصاحب الشرع، ولقد وجبت عليك دية القاضى.
فقال: هو أحوجنى إلى هذا. ولقد ندمت.
واتفق أن الملك المعظم بعث إلى شرف الدين بن عنين الشاعر «1» - حين تزهّد- خمرا ونردا، وقال: سبّح بهذا- إشارة إلى أن زهده ليس حقيقة! فكتب إليه ابن عنين:
يا أيها الملك المعظم، سنّة
…
أحدثتها، تبقى على الآباد
تجرى الملوك على طريقك بعدها
…
: خلع القضاة وتحفة الزّهّاد
وفى هذه السنة، توفى الشيخ جلال الدين أبو محمد: عبد الله بن نجم ابن شاس بن نزار، بن عشائر بن عبد الله بن محمد بن شاس، الجذامى السّعدى: الفقيه المالكى. وكان عالم مذهب مالك فى زمانه. وصنّف فى مذهب مالك كتابا نفيسا، سماه:«الجواهر الثمينة فى علم صاحب المدينة» . فانتفع به المالكية انتفاعا كثيرا. وكان مدرّسا بمدرسة المالكية بمصر، المجاورة للجامع. ثم توجه إلى ثغر دمياط بنيّة الجهاد، فتوفى هناك فى جمادى الآخرة، أو رجب، سنة ست عشرة وستمائة- رحمه الله تعالى.
وفيها، توفى بالقاهرة القاضى: جمال الدين أبو الحسن على، ابن القاضى شرف الدين أبو المعالى شكر، بن القاضى كمال الدين أبو السّعادات: أحمد بن شكر، الشافعى- رحمه الله تعالى.