الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عدة حوادث وقعت فى سنة سبع وثلاثين وستمائة- خلاف ما قدّمناه
فى هذه السنة- فى شهر ربيع الأول- أخرج الملك الكامل من مدفنه بقلعة دمشق، إلى تربته شمالىّ حائط الجامع الأموى، وفتح فى الحائط ثلاث شبابيك الى الجامع: أحدها باب يتوصّل منه إلى الجامع.
وفيها فوّض السلطان الملك الصالح إسماعيل- صاحب دمشق- الخطابة بالجامع الأموى لشيخ الإسلام: عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام- وذلك فى شهر ربيع الآخر.
وفيها أمر الملك الصالح- المذكور- الخطباء بدمشق والشام، بالخطبة لصاحب الروم.
وفيها فوّض الصالح- أيضا- قضاء الشام للقاضى: رفيع الدين أبى حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد، بن إسماعيل بن عبد الهادى بن عبد الله الجيلى «1» الشافعى- وكان قبل ذلك قاضى بعلبك. وظهر منه من سوء السّيرة والعسف والظلم، ومصادرات أرباب الأموال، ما لا يصدر مثله من ظلمة الولاة. وكانت عاقبة ذلك ما نذكره- إن شاء الله تعالى- من قتله.
وفيها، فى ليلة الثلاثاء خامس عشر ذى القعدة، سقط كوكب عظيم قبل طلوع الفجر بمنزلة، وكان مستديرا على هيئة ومقدار، فأضاءت منه
الدنيا، وصارت الأرض أشدّ نورا من ليلة التّمام. وشاهده من كان ببلبيس عابرا عليها آخذا من المشرق إلى نحو القبلة، وشاهده من كان بظاهر القاهرة، عابرا من جهة باب النّصر إلى صوب قلعة الجبل. ثم قطع البحر إلى ناحية الجزيرة، وكانت له ذؤابة طويلة خضراء، مبتورة قدر رمحين. واعتقبه رعد شديد، وتقطّع منه قطع. وأقام، من حين إدراك النّظر له حين انطفائه، بقدر ما يقرأ الانسان سورة الإخلاص ثلاثين مرة- هكذا قدّره من شاهده- على ما نقل إلينا.
وفيها فى شعبان- كانت وفاة قاضى القضاء، شمس الدين أحمد، ابن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الخويّى «1» الشافعى، بالمدرسة العادلية، بدمشق، ودفن بقاسيون. ومولده فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكان- رحمه الله تعالى- حسن الأخلاق، لطيفا كثير الإنصاف، عالما فاضلا فى علوم متعددة، عفيفا متواضعا- رحمه الله تعالى.
وكان وروده إلى دمشق، فى أيام الملك المعظم شرف الدين عيسى، ابن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب. وحكى أنه لما ورد إلى دمشق، كان مع فضيلته وعلومه يلعب بالقانون، ويغنّى عليه، وقد أتقن صناعته. فأنهى إلى الملك المعظم أمره، فاستحضره إلى مجلس أنسه، ولعب بين يديه بالقانون، وغنّى عليه، ونادمه فأعجبه. وأمره بملازمته فى أوقات خلواته ومجالس شرابه. هذا سبب اجتماعه بالملك المعظم.
وأما سبب ولايته القضاء بدمشق، فإنه كان قد بلغ الملك المعظم عن القاضى جمال الدين المصرى- قاضى قضاة دمشق- أنه يتعاطى الشراب.
فأراد تحقيق ذلك عيانا، فاستدعاه، وهو فى مجلس الشراب، فحضر إليه.
فلما رآه قام إليه، وناوله هنّابا «1» مملوءا خمرا. فولى القاضى جمال الدين المصرى ورجع، فغاب هنيهة، ثم عاد وقد خلع ثياب القضاء: الطّرحة «2» والبقيار «3» والفوقانيّة «4» ، ولبس قباء «5» ، وتعمّم بتخفيفه وحمل منديلا.
ودخل على الملك المعظم فى زى النّدماء. وقبّل الأرض، وتناول الهنّاب من يده وشرب ما فيه. ونادم المعظم فأحسن منادمته فأعجبه. واعتذر من قراره أنه ما كان يمكنه تعاطى ذلك، وهو فى زىّ القضاة. فاغتبط الملك المعظم به.