الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الملك الأمجد- صاحب بعلبك- فى الصيد، فأرسلوا إليه.
فجاء، فرآه على تلك الحال: لم يقع: ولا وقعت السّبحة من يده، وهو كأنه نائم! فقال: نبنى عليه بنيانا وهو على حاله، ليكون أعجوبة! فقال أتباع الشيخ: السّنّة أولى. وغسله داود، ودفع الثوبين للمرأتين ولما الحدوه، قال له الحفّار: يا شيخ عبد الله، اذكر ما فارقتنا، أو اذكرنا عند ربك. قال: ففتح عينيه، ونظر إلىّ شزرا «1» . ودفن رحمه الله فى يوم السبت، وقد جاوز ثمانين سنة. والأخبار عنه فى الكرامات كثيرة، قد اقتصرنا على هذه النبذة.
واستهلت سنة ثمانى عشرة وستمائة:
ذكر وصول ملوك الشرق إلى السلطان الملك الكامل وانهزام الفرنج واستعادة ثغر دمياط، وتقرير الهدنة
فى هذه السنة، توجه الملك المعظم شرف الدين عيسى، بن السلطان الملك العادل، إلى أخيه الملك الأشرف، واجتمعا على حرّان «2» .
وكان الملك المعظم من أحرص الناس على إعانة أخيه الملك الكامل، على استعادة ثغر دمياط من الفرنج. وكان الملك الأشرف قد باين الملك الكامل، وتقاعد عنه فى هذه الحادثة: فتلطف الملك المعظم بالملك
الأشرف، ولم يزل به حتى قطع الفرات بالعساكر، والمعظم يقدمه، إلى أن نزل الملك المعظم على حمص، والأشرف على سلمية «1» .
قال أبو المظفّر يوسف، فى تاريخه: وكنت قد توجهت إلى حمص لطلب الغزاة، وكان العزم قد وقع على دخول العساكر إلى طرابلس.
فاجتمعت بالملك المعظم على حمص فى شهر ربيع الآخر. فقال لى: قد سحبت الأشرف إلى ههنا بأسنانى وهو كاره، وكل يوم أعتبه فى تأخره وهو يكاشر «2» ، وأخاف من الفرنج أن يستووا على مصر. وهو صديقك، فتوجّه إليه، فإنه قد سألنى عنك مرارا.
قال: ثم كتب كتابا إلى أخيه بخطّه نحو ثمانين سطرا، فأخذته وتوجهت إليه إلى سلميّة؟ فتلقانى وأكرمنى، فقلت له: المسلمون فى ضائقة، واذا أخذ الفرنج الديار المصرية، ملكوا حضرموت وعفوا آثار مكة، وأنت تلعب؟ قم الساعة وارحل. فأمر برمى الخيام والدّهليز «3» لوقته. وقمت فركبت، وسبقته إلى حمص. فركب المعظم والتقى بى، وقال: والله ما نمت البارحة، ولا أكلت فى يومى هذا! فأخبرته أن الملك
الأشرف يصل إليه بكرة الغد. فسرّ بذلك، ودعا لى. وأقبلت الأطلاب «1» من الغد. وجاء الأشرف فما رأيت أجمل من طلبه «2» ، ولا أحسن رجالا ولا أكمل عدة.
قال: وبات الأخوان الملكان فى تلك الليلة يتشاوران. فاتفقا على الدخول فى السحر إلى طرابلس، وكانوا على أحسن حال. فأنطق الله الملك الأشرف- من غير قصد- وقال للمعظم: ياخوند «3» ، م عوض دخولنا إلى الساحل ونضعف عساكرنا وخيلنا، ونضيع الزمان، ما نتوجه إلى دمياط ونستريح! فحلّفه المعظم بقول رماة البندق «4» فحلف، وقبّل المعظم قدمه.
ونام الأشرف، فخرج المعظم من الخيمة ونادى فى الناس: الرحيل إلى دمياط، وما كان يظنّ أن الأشرف يسمح بذلك. وساق المعظم إلى دمشق، وتبعته العساكر. ونام الأشرف فى خيمته إلى وقت الظهر، وانتبه فدخل الحمّام فلم يرحول خيمته خيمة! فسأل عن العساكر، فأخبر بالخبر. فسكت وركب إلى دمشق. ونزل القصر فى رابع عشر جمادى الأولى، فأقام بها إلى سلخ الشهر.
وعرض العساكر، وتوجه إلى مصر، هو والملك المعظم- فى غرة جمادى الآخرة. ووصلوا إلى المنصورة، فى ثالث شهر رجب من السنة.
ووصل أيضا الملك المظفر بن الملك المنصور، صاحب حماه، وغيره من الملوك. هذا ما كان من خبر هؤلاء.
وأما الملك الكامل، فإنه فى هذه السنة اجتهد فى قتال الفرنج.. واستمر القتال بينهم وبينه فى البر والبحر. وطلع النيل وعم البلاد، وجرى فى بحر المحلّة، فرتّب السلطان مراكب الأسطول فى بحر المحلّة، ومنع الميرة «1» عن الفرنج. فاشتد ضررهم لذلك، وعدموا القوت. وعزموا على الرجوع إلى دمياط، فأحرقوا أثقالهم وهربوا ليلا. فأمر السلطان بقطع جسر البرمون «2» ، وغيره من الجسور، فقطعت. فأحاط بهم النيل من كل جانب. وكان فيهم مائة كند «3» ، وثمانمائة من الخيّالة المعروفين، وملك عكا، والدّوك «4» واللّو كان «5» نائب الباب «6» ، ومن الرّجّالة ما لا يحصى كثرة.
فلما عاينوا الهلاك، راسلوا السلطان، وبذلوا له أن ينزلوا على ثغر دمياط، ويؤمّنهم على أنفسهم وأموالهم. فأجابهم إلى ذلك. ووصل
الملكان: الأشرف والمعظّم فى هذه الأيام. وتقررت الهدنة ثمانى سنين، وأنه يطلق جميع الأسرى من الجهتين.
وجلس الملك الكامل مجلسا عظيما. ووقف الملك الأشرف والملك المعظم وسائر الملوك فى خدمته. ولم يجلس معه إلا الملك المعظم محمد [بن] سنجرشاه، بن أتابك، صاحب جزيرة ابن «1» عمر- وكان قد وصل إلى الملك الكامل فى أوائل هذه السنة، قبل وصول الأشرف والمعظم- وعظّمه الملك الكامل تعظيما كثيرا. وكان فى مدة مقامه عنده، إذا حضر رسل الفرنج يقول لهم الملك الكامل: إنه الآن لا حكم لى، وحديثكم مع ملك الشّرق، والأمر له. وحضر رسول الفرنج مرة، فوقف الملك الكامل بين يدى الملك المعظّم هذا، وكذلك من كان بحضرته من الملوك الأيوبية. وكان الملك المعظم محمد شكلا مهيبا، جهورىّ الصوت، هيول الخلقة ففرق رسل الفرنج منه. ولما جلس السلطان فى هذا اليوم، أراد الملك المعظم الوقوف بين يديه مع الملوك الأيوبية، فلم يمكّنه من ذلك، وأجلسه إلى جانبه.
وحضر الملك يوحنا- صاحب عكا- إلى السلطان بظاهر البرمون، بعد أن أعطاه السلطان رهاين: ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأخاه الملك المفضل قطب الدين، وجماعة من أولاد الأمراء. فحلف يوحنا