الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة ثلاثين وستمائة:
ذكر استيلاء السلطان الملك الكامل على آمد وحصن كيفا
«1»
كان الاستيلاء على ذلك فى سنة ثلاثين وستمائة. وكان السلطان قد توجّه فى سنة تسع وعشرين وستمائة، واستقّل ركابه من مقرّ ملكه، بقلعة الجبل المحروسة بظاهر القاهرة المعزّيّة، فى ثامن جمادى الآخرة، واستصحب عساكر الديار المصرية. ووصل إلى دمشق واستصحب أخاه الملك الأشرف، وولده الملك الصالح نجم الدين أيوب.
وكان سبب قصده هذه الجهة أن أخاه الملك الأشرف، بما حضر إلى الديار المصرية، عرّف السلطان أن الملك المسعود مودود بن الملك الصالح بن أرتق، صاحب آمد وبلادها وحصن كيفا- قد اشتغل عن مملكته باللهو والشرب والطرب، وأنها خالية من العساكر. فتجهّز إليها.
ولما بلغ الملك المسعود أن السلطان قصد بلاده، بادر بإرسال وزيره شرف العلا إلى السلطان يستعطفه، ويسأل مراحمه فى إبقاء ما بيده والكفّ عن طلبه. فوصل إلى السلطان، وكان إلبا «2» على صاحبه، وعرّف السلطان إقباله على اللهو والطرب، وأن مملكته خالية من العساكر، فأطمعه فى أخذ البلاد.
فسار إليها، ونازلها فى يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذى الحجة ونصب عليها المجانيق. وأنذر صاحبها الملك المسعود ووعده بالإقطاعات الكبيرة، فلم يصغ إلى ذلك. ثم شاهد الغلبة، فخرج إلى السلطان وفى عنقه منديل. فوكّل به، وتسلّم آمد فى مستهل المحرم، سنة ثلاثين وستمائة.
واستولى على أمواله وذخائره، وطلب منه تسليم القلاع فسلّمها بجملتها.
ودخل الملك الكامل إلى آمد. فترجّل فى خدمته جميع الملوك الأيوبية، وسائر ملوك الشرق- إلا صاحب الروم السلطان: علاء الدين كيقباذ السّلجقى، وصاحب الجزيرة «1» الملك المعظّم: محمد بن سنجر شاه، فإنهما أرادا أن يترجّلا فلم يمكّنهما الملك الكامل من ذلك، ودخلا راكبين لركوب السلطان، ونزلوا جميعا فى القلعة.
وبقى حصن كيفا بيد نائبه، لم يسلّمه. فكتب الملك المسعود إلى نائبه أن يسلمه، فامتنع من ذلك. فبعث السلطان الملك الكامل أخاه الملك الأشرف إلى الحصن، ومعه الملك المسعود، فتوجه به وعاقبه تحت الحصن، وكان يبغضه، فأصر النائب على الامتناع من تسليمه. وكان بينهما إشارة، فلما آلمته العقوبة جاء إلى تحت الحصن، وقبض على شعر نفسه وقطعه بمقصّ، فعند ذلك سلّم النائب الحصن- وكانت هذه إشارة بينهما. وكان تسليم الحصن فى صفر من السنة.
وكان الملك المسعود، لما حاصر السلطان آمد، قد كتب إلى نائبه بحصن كيفا يقول له: من مرّ عليك من أهل الجزيرة فاعتقله، لأن صاحب الجزيرة كان قد توجه إلى خدمة السلطان الملك الكامل. وكان المتولى يرصد القفول إذا مرّت بالحصن، فمن كان منهم من أهل الجزيرة قبض عليه واعتقله. واجتمع فى حبسه خلق كثير منهم. فلما فتح الحصن أفرج السلطان عنهم.
وأنعم الملك الكامل على ولده، الملك الصالح نجم الدين أيوب، بحصن كيفا وأعماله- وكان، منذ أخرجه من الديار المصرية، بغير ولاية.
وجعل شهاب الدين غازى- بن شمس الملوك- نائب السلطنة بآمد. ومعين الدين بن الشيخ الوزير، والطّواشى شمس الدين صواب العادلى متولى تدبير تلك الممالك. قال أبو المظفر: قال لى الملك الأشرف: وجدنا فى قصر الملك المسعود خمسمائة حرّة من بنات الناس للفراش.
وعاد السلطان إلى الديار المصرية فى سنة ثلاثين وستمائة، واستصحب أكابر أهل آمد وأعيانها، صحبته، إلى الديار المصرية- وكان منهم بدر الدين، وموفق الدين، وابن أخيهما شمس الدين، وجماعة كبيرة. فأما هؤلاء الثلاثة فإنهم باشروا وترقوا فى المناصب بالديار المصرية، والشام. ومن عداهم من أهل آمد نالتهم فاقة شديدة وضرورة، حتى استعطوا بالأوراق.
وأما الملك المسعود فإن السلطان أنعم عليه بالإقطاعات بالديار المصرية.