الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين بن الصّلاح الشافعى «1» . ووقف عليها الملك الأشرف أوقافا جليلة.
ذكر ركوب الملك العادل بشعار السّلطنة
وفى الساعة التاسعة من يوم الثلاثاء، ثامن عشر شهر رمضان، من هذه السنة- سلطن السلطان الملك الكامل ولده الملك العادل سيف الدين أبا بكر، وركّبه فى هذه الساعة بشعار السّلطنة. وشقّ القاهرة، وفى خدمته جميع الأمراء والقضاة وأصحاب الدواوين والأماثل وغيرهم.
وفيها- فى صفر- تسلم راجح بن قتادة مكة- شرّفها الله تعالى- وكان قد قصدها فى سنة تسع وعشرين، وصحبته عسكر صاحب اليمن: الملك المنصور عمر بن علىّ بن رسول. وكان الأمير فخر الدين بن الشيخ بمكة، ففارقها.
وفيها كانت وفاة الملك العزيز: فخر الدين عثمان بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب. وهو شقيق الملك المعظم. وكان صاحب بانياس وتبنين وهونين والحصون. وهو الذى بنى قلعة الصّبيبة وكان عاقلا قليل الكلام، مطيعا لأخيه الملك المعظم، وإنما أخرجه عن موالاة ولده- الملك الناصر داود- أنه كان قصد بعلبك فى سنة خمس وعشرين وستمائة، بمواطئة من ابن الملك الأمجد صاحبها- كما تقدم- فلما
فاته وقت الميعاد، الذى اتفقا عليه، نزل على بعلبك، وأخذ فى حصارها.
فأرسل الملك الأمجد إلى الملك الناصر يقول له: أنت تعلم ما كان بينى وبين والدك الملك المعظم من المودة، وأننى كنت صديق من صادقه وعدوّ من عاداه، فرحّل عنى الملك العزيز.
فأنفذ الملك الناصر داود الغرس خليلا إلى الملك العزيز، وأمره بالرحيل. وقال له: متى لم يرحل، ارم خيمته على رأسه! فرحل العزيز إلى بانياس وأوجبت هذه الحادثة غضبه، إلى أن التحق بالملك الكامل، وجاء معه إلى دمشق- كما تقدم.
وكانت وفاة الملك العزيز فى يوم الاثنين، عاشر شهر رمضان، سنة ثلاثين وستمائة، ببستانه فى النّاعمة، ببيت لهيا «1» من غوطة دمشق. ودفن بقاسيون فى تربة الملك المعظّم، عند والدته- رحمه الله تعالى.
وفيها، فى يوم الاثنين، سابع عشرين شهر ربيع الأول، توفى بالقاهرة الشيخ جلال الدين أبو العزائم: همّام بن راجى الله سرايا، بن أبى الفتوح ناصر. بن داود الشافعى: إمام جامع الصالح، بظاهر باب زويلة «2» رحل إلى بغداد واشتغل بها مدة، وسمع الحديث، واشتغل بالأدب بمصر على ابن برّى «3» ولقى جماعة من الأدباء، وصنّف كتبا كثيرة فى
الأصول والفروع والخلاف، مختصرة ومطولة. وله شعر. ومولده بونا من صعيد مصر، فى ذى القعدة أو ذى الحجّة سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
رحمه الله. ولما مات، ولى الإمامة بالجامع الصالحى بعده ولده:
نور الدين على.
وفيها كانت وفاة الشيخ شهاب الدين أبى حفص: عمر بن محمد بن عبد الله السّهروردى. وهو ينتسب إلى أبى بكر الصّدّيق- رضى الله عنه- فيما قيل. وذكر ابن خلّكان أن وفاته كانت فى مستهلّ ذى الحجة، سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. ومولده بسهرورد، فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وقد تقدم ذكر ترّدده فى الرّسالة، من جهة الخليفة إلى الملك العادل، وغيره.
وكان رجلا صالحا عابدا، زاهدا ورعا. وصنّف كتابا للصوفية، سماه عوارف المعارف.
حكى أنه جلس يوما ببغداد على منبر وعظه، فذكر أحوال القوم، وأنشد:
ما فى الصّحاب أخو وجد نطارحه
…
حديث نجد، ولا صبّ نجاريه
وجعل يردّد البيت ويطرب! فصاح به شاب من طرف المجلس- عليه قباء وكلّوتة «1» - وقال: يا شيخ، كم تشطح وتنتقص القوم! والله إن
فيهم من لا يرضى أن يجاريك، ولا يصل فهمك إلى ما تقول! هلا أنشدت:
ما فى الصحاب، وقد سارت حمولهم
…
إلا محب له فى الركب محبوب
كأنما يوسف فى كل راحلة
…
والحىّ فى كل بيت منه يعقوب
فصاح الشيخ، ونزل عن المنبر وقصد الشاب، ليعتذر إليه. فلم يجده. ووجد فى موضعه حفرة فيها دم، مما فحص برجله عند إنشاد الشيخ البيت!.
وفيها توفى الشيخ الفاضل: عز الدين أبو الحسن على، بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم، بن عبد الواحد الشّيبانى- المعروف بابن الأثير الجزرى «1» . وكانت وفاته فى هذه السنة من شعبان. ومولده فى رابع جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمائة، بجزيرة ابن عمر «2» .
وكان رجلا فاضلا، صنّف فى التاريخ كتاب «الكامل» من أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة. وهو من أجود التواريخ التى رأيناها. واختصر كتاب «الأنساب» لأبى سعيد عبد الكريم بن السّمعانى،
واستدرك عليه فى مواضع. ونبّه على أغاليط، وزاد أشياء. وهو كتاب مفيد فى ثلاث مجلّدات وأصله فى ثمانية، وهو عزيز الوجود. وفضائله وآدابه مشهورة- رحمه الله تعالى.
وفيها كانت وفاة شرف الدين أبى المحاسن: محمد بن نصر بن مكارم، ابن الحسن بن على بن محمد، بن غالب الأنصارى، المعروف بابن عنين- الكوفى الأصل، الدّمشقى المولد. وقيل بل هو من زرع من إقليم حوران.
نشأ فى دمشق، وسافر عنها، وطوّف البلاد شرقا وغربا. ودخل بلاد الجزيرة والروم والعراق وبغداد وخراسان وما وراء النهر، وبلاد الهند واليمن والحجاز ومصر. ومدح ملوك هذه الأماكن وأعيانها.
وكان ظريفا حسن الأخلاق جميل العشرة. غزير المادّة فى الشّعر، مولعا فى الهجاء وثلب أعراض الناس- خصوصا الأكابر. وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا كثيرا من رؤساء الشام وأهل دمشق، سماها:«مقراض الأعراض» ، يقال إنها خمسمائة بيت.
وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف قد نفاه من دمشق، بسبب وقوعه فى الناس. ولما نفى كتب من الهند إلى دمشق:
فعلام أبعدتم أخاثقة
…
لم يجترم ذنبا ولا سرقا
انفوا المؤذّن من بلادكم
…
إن كان ينفى كلّ من صدقا
ولما مات الملك الناصر صلاح الدين، وملك الملك العادل دمشق، سار متوجها إلى الشام. وكتب إلى الملك العادل قصيدته الرّائيّة، واستأذنه فى الدخول إلى دمشق. ووصفها وصف ما قاسى فى الغربة، ولما فرغ من وصف دمشق وأنهارها وبساتينها ومستنزهاتها، قال فى قصيدته:
فارقتها لا عن رضى، وهجرتها
…
لا عن قلى، ورحلت لا متخيّرا
أسعى لرزق فى البلاد مشتّت
…
ومن العجائب أن يكون مقتّرا
وأصون وجه مدائحى متقنّعا
…
وأكفّ ذيل مطامعى متستّرا
جاء منها فى شكوى الغربة، وما قاساه منها:
أشكو إليك نوى، تمادى عمرها
…
حتى حسبت اليوم منها أشهرا
لا عيشتى تصفو ولا رسم الهوى
…
يعفو، ولا جفنى يصافحه الكرى
أضحى عن الأخوى المريع محلّا «1»
…
وأبيت عن ورد النّمير «2» منفرّا
ومن العجائب أن تفيّأ ظلّكم
…
كلّ الورى، ونبذت وحدى بالعرا
فلما وقف العادل على هذه القصيدة، أذن له فى الدخول إلى دمشق، فدخلها.
وقال:
هجوت الأكابر فى جلّق «1»
…
ورعت الوضيع بسبّ الرّفيع
وأخرجت منها، ولكننى
…
رجعت على رغم أنف الجميع
وكانت وفاته فى عشية يوم الأثنين، العشرين من شهر ربيع الأول، سنة ثلاثين وستمائة. ومولده فى يوم الاثنين، تاسع شعبان، سنة تسع وأربعين وخمسمائة- حكاه ابن خلّكان وابن السّاعى.
وقال أبو المظفّر فى مرآة الزمان: إن وفاته كانت فى سنة ثلاث وثلاثين.
قال: وكان خبيث اللسان هجّاء. فاسقا متهتّكا. قال: ولما عاد إلى دمشق، استوزره الملك المعظم. وكانت مجالسه معمورة بقبائحه.
قال: وحضر مجلس الإمام فخر الدين الرّازى بن خطيب الرّىّ، وهو يعظ، فجاءت حمامة وخلفها جارح، فألقت نفسها على الإمام فخر الدين، فغطّاها بكمّه. فقال ابن عنين، بديها:
يا ابن الكرام، المطعمين إذا شتوا
…
فى كل مسغبة «2» وثلج خاسف
العاصمين إذا النفوس تطايرت
…
بين المخارم والوتين «3» الرّاعف
من أنبا الورقاء «1» أنّ بحلّكم
…
حرما، وأنّك ملجأ للخائف
وفدت عليك، وقد تدانى حتفها
…
فحبوتها ببقائها المستانف
ولو انّها تحيى بمال، لانثنت
…
من راحتيك بنائل متضاعف
جاءت سليمان الزّمان بشكرها
…
والموت يلمع من جناحى خاطف
قرم «2» لواه الفوت حتى ظلّه
…
بإزائه يجرى بقلب خائف
قال: فرمى عليه الإمام فخر الدين جميع ما كان عليه، وفعل الحاضرون كذلك. فبلغ قيمة ذلك أربعة آلاف دينار! وكتب معه كتابا إلى الملك الناصر، وكتابا إلى الملك العادل، يشفع فيه. فقبل الملك شفاعته.
ولما عاد هجا العادل، فقال:
إن سلطاننا الذى نرتجيه
…
واسع المال ضيّق الإنفاق
هو سيف كما يقال، ولكن
…
قاطع للرسوم والأرزاق
وهجا أيضا أولاد شيخ الشيوخ الأربعة، فقال:
أولاد شيخ الشيوخ قالوا
…
ألقابنا كلّها محال
لا فخر فينا ولا عماد
…
ولا معين، ولا كمال
وأهاجيه فى الأكابر والأعيان كثيرة- سامحه الله تعالى وإيانا: