الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها، فى ثامن جمادى الآخرة، توفى بمصر الفقيه الإمام: شرف الدين أبو عبد الله محمد، بن الشيخ أبى حفص عمر، بن الشيخ أبى عبد الله محمد بن عمرو بن جعفر، الأزدى الغسّانى، المالكى- المعروف بابن الّلهيب. ومولده فى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وتولى التدريس بالمدرسة الصّاحبيّة «1» بالقاهرة، إلى حين وفاته. وهو من بيت الخير والصلاح والفقه.
واستهلت سنة ثمان وعشرين وستمائة:
فى يوم الاثنين، عاشر جمادى الآخرة، قدم الملك الأشرف إلى القاهرة، لخدمة السلطان الملك الكامل- ومعه صاحب الجزيرة.
وفيها، فى منتصف شعبان، إبتدأ السلطان الملك الكامل بحفر البحر، من دار الوكالة إلى صناعة التّمر الفاضلية. واستعمل فيه الملوك والأمراء، وعمل بنفسه.
وكان هذا البحر فى أوان احتراق النيل يكون طريقا سالكا إلى المقياس. وتمر المراكب ما بين الروضة والجيزة. ثم صار على العكس من ذلك فى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة «2» ، فصار فى احتراق النيل ليس بين الروضة وبين بر الجيزة غير ماء قليل يخاض، فلا يغطّى أكثر من خلخال. ثم أخذ فى الزيادة بعد ذلك. إلى أن صار، فى سنة عشرين وسبعمائة «3»
وما بعدها تسافر فيه المراكب صيفا وشتاء. والبحران الآن على ذلك. ولكن البحر فيما بين الروضة ومصر أكثر، وهو البحر الذى تسافر فيه السفن فى الاحتراق.
نعود إلى سياقة أخبار سنة ثمان وعشرين وستمائة. وفيها بنى أسد الدين شيركوه- صاحب حمص والرّحبة- قلعة بالقرب من سلميّة «1» وسماها شميمس، وهى على تلّ عال.
وفيها كان مقتل الملك الأمجد: بهرام شاه، بن فرّخشاه، بن شاهنشاه ابن أيوب- صاحب بعلبكّ. كان وكانت بعلبك بيده، منذ أعطاه إياها السلطان الملك الناصر صلاح الدين عند وفاة أبيه، فى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. فلم تزل بيده، إلى أن انتزعها الملك الأشرف منه- كما تقدم- فى السنة التى قبلها. وأعانه على ذلك صاحب حمص: أسد الدين شيركوه.
وكان سبب مقتله أن بعض مماليكه سرق له حياصة «2» ودواة- قيمة ذلك مائتا دينار- وخبّأ هما عند مملوك آخر، فلما ظهر له ذلك حبس السارق فى خزانة داره- والخزانة خلف المكان الذى يجلس فيه الملك الأمجد- وتوعّد ذلك المملوك- بقطع اليد. فلما كانت ليلة الأربعاء، ثانى عشر شوال، جلس على عادته أمام الخزانة- وعنده عباس بن أخى الشريف البهاء وهما يلعبان بالنّرد، وعنده فهيد المنجّم وبيده الاسطرلاب ليأخذ له طالع الوقت.
فقال له فهيد: يا مولانا انظر إلىّ، فهذه ساعة سعيدة، لو أردت أخذ دمشق لأخذتها. فقال له: لا تكلّمنى، فقد تعيّن لى الغلب! وكان مع المملوك الذى فى الخزانة سكّين، فعالج رزّة الخزانة برفق فقلعها، وفتح الباب. فهجم على الملك الأمجد وأخذ سيفه فجذبه وضربه به. فصاح، فحلّت الضّربة كتفه، ونزل السيف إلى ثديه. ثم ضربه أخرى، فقطع يده وقطعته فى خاصرته. وهرب يصعد إلى السطح، فتبعوه. فألقى نفسه إلى الدار. فماتا جميعا. وجهّز الملك الأمجد ودفن فى تربة أبيه، التى على الميدان على الشّرف الشّمالى.
وكان فاضلا شاعرا، وله ديوان شعر بأيدى الناس- رحمه الله تعالى.
قال أبو المظفر: ورآه بعض أصحابه فى المنام بعد موته، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال:
كنت من ذنبى على وجل
…
زال عنى ذلك الوجل
أمنت نفسى بوائقها «1»
…
عشت لما متّ يا رجل
قال أبو المظفر: وكان الأمجد قد قتل ابنا له جميلا، كان واطأ عليه الملك العزيز عثمان «2» ، وكتب إليه يقول: قد يسّرت باب السّرّ «3» فسر إلينا
وقت السّحر. وكان الملك العزيز بالصّبيبة «1» ، فسار منها فى أول الليل- والمسافة بعيدة- فوصل إلى بعلبك وقد طلعت الشمس ففاته الغرض. واطلع الأمجد على ما فعله ابنه فقتله. وقيل بنى عليه بيتا، فمات.
وفيها توفى المهذّب الدّخوار، الطبيب «2» : رئيس الأطباء بدمشق.
وكان طبيبا حاذقا، وما كان يرى أن فى الدنيا مثله. وكان يقرأ عليه الطّب.
وكانت له دار بدمشق وبستان، فوقف الدار مدرسة يقرأ فيها الطب، ووقف بستانه عليها. والمدرسة باقية بدمشق، تعرف بالدّخوارية، رأيتها فى سنة ثلاث وسبعمائة.
وفيها، فى ثامن عشر شعبان، توفى الأمير شجاع الدين أبو المنصور:
جلدك بن عبد الله المظّفرى التّقوى «3» ، بالقاهرة. سمع من الحافظ السّلفى. وكان مكرّما لأهل العلم والفضلاء، مساعدا لهم بماله وجاهه.
وحضر مواقف كثيرة فى قتال العدو بالساحل. وتولى ثغر دمياط والإسكندرية، وقوص، وشدّ الدواوين «4» ، وغير ذلك. وكان يكتب فى