الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإسناده حسن من أجل سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فإنه حسن الحديث، وأبو سليمان العصريّ وثقه ابن معين كما حكى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 380) وسمّاه الدّولابيّ في الكنى (1/ 195) كعب بن شبيب، وأخرج الحديث من طريق آخر عن سعيد بن زيد بإسناده مثله.
50 - باب جامع في ذكر عدد من مشاهد يوم القيامة
• عن أبي سعيد الخدري، أن ناسا في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول اللَّه! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال: "هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ " قالوا: لا يا رسول اللَّه، قال: "ما تضارون في رؤية اللَّه تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللَّه سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللَّه من بر وفاجر، وغُبِّر أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرًا ابن اللَّه، فيقال: كذبتم ما اتخذ اللَّه من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن اللَّه، فيقال لهم، كذبتم ما اتخذ اللَّه من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، قال: فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللَّه تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللَّه منك، لا نشرك باللَّه شيئًا مرتين أو ثلاثا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد للَّه من تلقاء نفسه إلا أذن اللَّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل اللَّه ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في
صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا.
ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشّفاعة، ويقولون: اللهم سلم، سلم" قيل: يا رسول اللَّه، وما الجسر؟ قال: "دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسَك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم.
حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدة للَّه في استقصاء الحق من المؤمنين للَّه يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدًا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا".
وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].
"فيقول اللَّه عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ " فقالوا: يا رسول اللَّه، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: "فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء اللَّه الذين أدخلهم اللَّه الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدَّموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي
شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا".
وفي رواية بعد قوله: "بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه": "لكم ما رأيتم ومثله معه".
وقال أبو سعيد: "بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحدّ من السيف".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (7439)، ومسلم في الإيمان (183) كلاهما من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، فذكره. واللفظ لمسلم. وليس عند البخاري في هذه الرواية:"فيقولون ربنا أعطيتنا. . . الخ". وقول أبي سعيد الأخير ذكره مسلم.
• عن عطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة أخبره، أنّ ناسًا قالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ ". قالوا: لا يا رسول اللَّه. قال: "هل تضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ ". قالوا: لا يا رسول اللَّه. قال: "فإنّكم ترونه كذلك. يجمعُ اللَّهُ النَّاسَ يوم القيامة، فيقول: مَنْ كان يعبد شيئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فيَتَّبِعُ مَنْ كان يعبد الشّمسَ الشَّمسَ، ويَتَّبِعُ مَنْ كان يعبد القمرَ القمرَ، ويَتَّبِعُ مَنْ كان يعبد الطَّواغيتَ الطَّواغيتَ، وتبقى هذه الأمّةُ فيها منافقوها، فيأتيهم اللَّهُ تبارك وتعالى في صورةٍ غيرِ صورته التي يعرفونَ. فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذ باللَّه منك! هذا مكانُنا حتّى يأتينا ربُّنا، فإذا جاء ربُّنا عرفناه، فيأتيهم اللَّه تعالى في صورته التي يعرفون فيقول. أنا ربُّكم. فيقولون: أنت ربُّنا، فيَتَّبِعُونه.
ويُضْرَبُ الصِّراطُ بين ظَهْرَي جَهَنَّمَ. فأكونُ أنا وأمَّتي أوَّلَ مَنْ يُجيزُ، ولا يتكلَّمُ يومئذ إلا الرُّسُل، ودَعْوَى الرُّسُلِ يومئذٍ: اللَّهمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ. وفي جهنَّمَ كلاليبُ مثلُ شَوك السَّعْدان، هل رأيتم السَّعْدان؟ ". قالوا: نعم، يا رسول اللَّه. قال: "فإنّها مثلُ شَوْك السَّعدان، غير أنّه لا يعلمُ ما قَدْرُ عِظَمِها إلّا اللَّه، تَخْطَفُ الناس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهمُ المجازَى حتَّى يُنَجَّى.
حتى إذا فَرَغَ اللَّهُ من القضاء بين العبادِ، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك باللَّه شيئًا ممن أراد اللَّه تعالى أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا اللَّه، فيعرفونَهم في النّار، يعرفونهم بأثر السُّجود، تأكل النّارُ من ابنِ آدم إلّا أثر السُّجود، حرَّم اللَّهُ على النّار أن تأكل أثر السُّجود، فيُخْرجُون من النّار وقد امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياةِ فَيَنْبُتُون منه كما تَنْبُتُ الحبَّةُ في حَمِيل السَّيْل.
ثم يفرُغُ اللَّهُ تعالى من القضاء بين العبادِ، ويبقى رَجُلٌ مقبل بوجهه على النّار -وهو آخر أهل الجنة دخولًا الجنة- فيقول: أي ربِّ اصْرِفْ وجهي عن النّار، فإنه قد قَشَبَنِي ريحُها وأحرقني ذَكاؤُها. فيدْعُو اللَّهَ ما شاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثم يقول اللَّه تبارك وتعالى: هل عسيتَ إنْ فعلتُ ذلك بك أَنْ تَسْألَ غَيْرَه؟ فيقول: لا أسألك غيره، ويُعطي ربَّه من عهودٍ ومَواثيقَ ما شاء اللَّه، فيصرفُ اللَّهُ وَجْهَه عن النّار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكتَ ما شاء اللَّه أَنْ يَسْكُتَ. ثمّ يقول: أيْ ربِّ قَدِّمْني إلى باب الجنة. فيقول اللَّه له: أليسَ قد أعطيتَ عهودَك ومواثيقَك لا تسألني غير الذي أعطيتُك، ويَلْك يا ابنَ آدم ما أغْدَرَكَ! فيقول: أيْ ربِّ ويدعو اللَّه حتّى يقول له: فَهلْ عسيتَ إنْ أعطيتُك ذلك أن تسأل غيْرَه؟ فيقول: لا وعِزَّتِك فيعطي ربَّه ما شاء اللَّه من عهودٍ ومواثيقَ فيقدِّمُه إلى باب الجنة، فإذا قام علي باب الجنة انْفَهَقَتْ له الجنَّةُ، فرأى ما فيها من الخير والسُّرور، فيسكتُ ما شاء اللَّهُ أن يسكتَ، ثم يقول: أَيْ ربِّ أَدْخِلني الجنَّةَ. فيقول اللَّه تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيتَ عهودَك ومواثيقَك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ! ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول: أيْ ربِّ لا أكون أشقى خَلْقِك، فلا يزال يدعو اللَّه حتّى يضْحَكَ اللَّهُ تبارك وتعالى منه فإذا ضَحِكَ اللَّه منه. قال: ادْخُل الجنَّة، فإذا دخلها قال اللَّه له: تَمَنَّهْ فيسأل ربَّه ويتمَنّى، حتّى إنّ اللَّه ليُذَكِّرُه مِنْ كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأمانيُّ. قال اللَّه تعالى: ذلك لك ومثلُه معه".
قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يردّ عليه من حديثه شيئًا حتى إذا حدّث أبو هريرة: "إنّ اللَّه قال لذلك الرجل: ومثلُه معه". قال أبو سعيد: "وعشرة أمثاله معه" يا أبا هريرة. قال أبو هريرة: ما حفظت إلّا قوله ذلك: "ذلك لك ومثله معه". قال أبو سعيد: أشهدُ أنّي حفظتُ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قوله ذلك: "ذلك لك وعشرة أمثاله". قال أبو هريرة: "وذلك الرَّجلُ آخر أهل الجنة دخولًا الجنة".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (7437)، ومسلم في الإيمان (182) كلاهما من حديث إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد اللّيثيّ، فذكره.
• عن أبي هريرة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع اللَّه الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يطّلع عليهم ربُّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلُّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيُمثّل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطَّلعُ عليهم ربُّ العالمين فيقول: ألا
تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ باللَّه منك، نعوذ باللَّه منك، اللَّه ربُّنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربَّنا وهو يأمرهم ويثبّتُهم، ثم يتوارى ثم يطَّلعُ فيقول: ألا تتّبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ باللَّه منك، نعوذ باللَّه منك، اللَّهُ ربُّنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربَّنا وهو يأمرهم ويثبّتُهم". قالوا: وهل نراه يا رسول اللَّه؟ قال: "وهل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول اللَّه. قال: "فإنّكم لا تُضَارُّون في رؤيته تلك السّاعة. ثم يتوارى، ثم يطّلعُ فيُعرِّفُهم نَفْسَه، ثم يقول: أنا ربُّكم فاتبعوني فيقوم المسلمون، ويوضع الصّراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب وقولهم عليه: سلِّم سلِّم، ويبقى أهلُ النار فيطرح منهم فيها فوجٌ فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد، ثم يطرح فيها فوجٌ، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد، حتى إذا أُوعِبُوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها، وأُزْوِيَ بعضُها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قط قط، فإذا أدخل اللَّه أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال: أُتِي بالموت مُلَبّبًا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة فيطّلِعون خائفين، ثم يقال: يا أهل النار فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الذي وُكِّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السُّور الذي بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت".
حسن: رواه الترمذيّ (2557)، وابن خزيمة في التوحيد (150) كلاهما من طريق عبد العزيز بن محمد الدّراوردي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عبد العزيز بن محمد الدراوردي فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف الثقات.
وقال الترمذيّ: "حسن صحيح".
• عن عبد اللَّه بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع اللَّه الأوّلين والآخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل اللَّه عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسيّ، ثم ينادي منادٍ: أيّها الناس ألم ترضوا من ربّكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا أن يولي كلَّ ناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدين؟ أليس ذلك عدلا من ربّكم؟ قالوا: بلى. قال: فلينطلق كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا. قال:
فينطلقون، ويمثل لهم أشياء ما كانوا يعبدون؛ فمنهم من ينطلق إلى الشّمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، وإلى الأوثان من الحجارة، وأشباه ما كانوا يعبدون. قال: ويُمثَّل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويُمثّل لمن كان يعبد عزيرًا شيطان عزير، ويبقى محمّد صلى الله عليه وسلم وأمّتُه. قال: فيتمثل الرّب عز وجل فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ قال: فيقولون: إن لنا لإلهًا ما رأيناه بعدُ. فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: إنّ بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها؟ قال: فيقول: ما هي؟ فيقولون: يكشف عن ساقه. قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، فيخرُّ كلُّ من كان بظهره طَبَق، ويبقى قوم ظهورهم كصياصيِّ البقر يريدون السُّجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يُدعَون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فيعطيهم نورَهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطى نورًا مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى نورًا أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة، فإذا أضاء قدّم قدمه فمشى، وإذا طفئ قام. قال: والربُّ عز وجل أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف دحض مَزلّة. قال: ويقول: مُرُّوا، فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرف العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمرُّ كالرّيح، ومنهم من يمرُّ كشدّ الفرس، ومنهم من يمرّ كشدّ الرجل، حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه، تخرّ يد وتعلق يد، تخرّ رجل وتعلق رجل، ويصيب جوانبه النّار، فلا يزال كذلك حتى يخلص، فإذا خلص وقف عليها، ثم قال: الحمد للَّه لقد أعطاني اللَّه ما لم يعط أحدًا أن نجاني منها بعد إذ رأيتها. قال: فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة، فيغتسل، فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة من خلال الباب، فيقول: ربِّ أدخلني الجنة. فيقول اللَّه له: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النّار؟ فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها. قال: فيدخل الجنة. قال: فيرى أو يرفع له منزلًا أمام ذلك كأنما هو فيه إليه حلم. فيقول: ربّ أعطني ذلك المنزل. فيقول له: فلعلّك إن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزّتِك لا أسألك غيره، وأيُّ منزل يكون أحسن منه؟ فيعطيه فينزله، ويرى أمام ذلك منزلًا كأنما هو فيه إليه حلم، قال: رب
أعطني ذلك المنزل، فيقول اللَّه عز وجل له: فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، وأي منزل يكون أحسن منه، قال: فيعطى منزله، قال: ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما هو إليه حلم، فيقول: أعطني ذلك المنزل. فيقول اللَّه جل جلاله: فلعلّك إنْ أعطيتُكَهُ تسأل غيره؟ ! قال: لا وعزّتِك لا أسألُك غيره، وأيُّ منزلٍ يكون أحسن منه؟ ! قال: فيُعطاه فينزله، ثم يسكت، فيقول اللَّه عز وجل: ما لك لا تسأل؟ فيقول: رب لقد سألتُك حتى استحييتك، وأقسمت لك حتى استحييتك. فيقول اللَّه تعالى: ألم ترضَ أن أعطيك مثل الدّنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتستهزئ بي وأنت ربُّ العِزّة، فيضحكُ الرّبُّ عز وجل من قوله.
قال: فرأيت عبد اللَّه بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدّث هذا الحديث مرارًا، كلما بلغت هذا المكان ضحكتَ؟ - فقال: إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحدِّثُ هذا الحديث مرارًا، كلّما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضَحِك حتى تبدو أضراسه.
قال: فيقول الرّبُّ عز وجل: لا، ولكني على ذلك قادر سَلْ، فيقول: ألحقني بالناس، فيقول: الحق الناس. قال: فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من النّاس، رفع له قصر من درّة فيخر ساجدًا. فيقال له: ارفع رأسك، مالك؟ فيقول: رأيت ربّي أو تراءى لي ربّي! فيقال له: إنّما هو منزل من منازلك. قال: ثم يلقى رجلًا فيتهيأ للسجود له، فيقال له: مَهْ مالك؟ فيقول: رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن من خزّانك، عبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه. قال: فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر. قال: وهو في درّة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة، جوهرة خضراء مبطنة بحمراء، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كلّ جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة، يُرى مخُّ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادتْ في عينه سبعين ضعفًا عمّا كانت قبل ذلك، وإذا أعرضتْ عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفًا عمّا كان قبل ذلك. فيقول لها: واللَّه لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا! وتقول له: وأنت واللَّه لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا! فيقال له: أَشْرِفْ. قال: فيُشْرِفُ، فيقال له: ملكك مسيرة مائة
عام ينفذه بصره".
قال: فقال عمر: ألا تسمع ما يحدّثنا ابنُ أمِّ عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلًا، فكيف أعلاهم؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إنّ اللَّه عز وجل جعل دارًا، فجعل فيها ما شاء من الأزواج والثّمرات والأشربة، ثم أطبقها، ثم لم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]
قال: وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء، وأراهما من شاء من خلقه. ثم قال: مَنْ كان كتابه في عليين نزل تلك الدّار التي لم يرها أحدٌ، حتى إنّ الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه، فما تبقى خيمة من خيم الجنّة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون بريحه، فيقولون: واهًا لهذا الريح! هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكة فقال: ويحك يا كعب! إنّ هذه القلوب قد استرسلتْ واقبضها. فقال كعب: والذي نفسي بيده إنّ لجهنّم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر لركبتيه حتى إنّ إبراهيم خليل اللَّه ليقول: رب نفسي نفسي، حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننتَ أنّك لا تنجو.
حسن: رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (278)، وعبد اللَّه بن أحمد في السنة (1203)، والطبرانيّ في الكبير (9/ 416 - 421)، والدارقطني في الرؤية (161)، وابن مندة في التوحيد (531)، وصحّحه الحاكم (4/ 589 - 592) من طريقين عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد اللَّه بن مسعود، فذكره.
وإسناده حسن من أجل المنهال بن عمرو؛ فإنه حسن الحديث.
وقال الحاكم بعد ما رواه من طريق أبي خالد الدالاني عن المنهال، به:"رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات غير أنهما لم يخرّجا أبا خالد الدّالانيّ في الصحيحين؛ لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصّحابة. فأمّا الأئمّة المتقدّمون فكلّهم شهدوا لأبي خالد بالصّدق والإتقان، والحديث صحيح، ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالانيّ ممن يُجمع حديثُه في أئمّة أهل الكوفة".
وتعقّبه الذّهبيُّ بقوله: "ما أنكرَه حديثًا! على جودة إسناده، وأبو خالد شيعيٌّ منحرف". وأما في "العلو"(200) فحسّن إسناده مطلقًا.
قلت: وأبو خالد الدّالانيّ اسمه يزيد بن عبد الرحمن الأسديّ الكوفي، قال فيه ابن معين والنسائيّ: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وتكلّم فيه ابن حبان، ولكن شيخه ابن خزيمة أخرج عنه وأقرّ به. وقد تابعه زيد بن أبي أنيسة عند عبد اللَّه بن أحمد والطبراني وغيرهما، وهو ثقة.