الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاء، وقوله:{حق عليهم الضلالة} [الأعراف: 30] في معناه، فجاء بغير تاء، وهذا أسلوب لطيف من أساليب العرب أن يدعو حكم اللفظ الواجب في قياس لغتهم إذا كان في مرتبة كلمة لا يجب لها ذلك الحكم.
قاعدة في التعريف والتنكير:
اعلم أن [لكل] منهما مقاماً لا يليق بالآخر
.
أما التنكير فله أسباب: أحدها إرادة الوحدة، نحو قوله تعالى:{وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى} [يس: 20]، أي: رجل واحد، و {وضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل} [الزمر: 29].
الثاني: إرادة النوع، نحو:{هذا ذكر} [ص: 49]، أي: نوع من الذكر، {وعلى أبصارهم غشاوة] [البقرة: 7]، أي: نوع غريب من الغشاوة لا يتعارفه الناس، بحيث غطى ما لا يغطيه شيء من الغشاوات، {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} [البقرة: 96]، أي: نوع منها، وهو الازدياد في المستقبل؛ لأن الحرص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر.
ويحتمل الوحدة والنوعية معاً قوله: {والله خلق كل دابة من ماء} [النور: 45]، أي: كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع الماء، وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف.
الثالث: التعظيم، بمعنى أنه أعظم من أن يعين ويعرف، نحو قوله تعالى:{فأذنوا بحرب} [البقرة: 279]، أي: بحرب من الله، {ولهم عذاب أليم} [البقرة: 10]، {وسلام عليه يوم يولد} [مريم: 15]، {سلام على إبراهيم} [الصافات: 109]، {أن لهم جنات} [البقرة: 25].
الرابع: التكثير، نحو قوله تعالى:{أئن لنا لأجرا} [الشعراء: 41]، أي: وافراً جزيلاً، ويحتمل التعظيم والتكثير معاً، نحو قوله تعالى:{وإن يكذبوك فقد كذبت رسل} [فاطر: 4]، أي: رسل عظام ذوو عدد كثير.
الخامس: التحقير، بمعنى انحطاط شأنه إلى حد لا يمكن أن يعرف، نحو قوله تعالى:{إن نظن إلا ظناً} [الجاثية: 32]، أي: ظناً حقيراً لا يعبأ به، وإلا
لا تبعوه؛ لأن ذلك ديدنهم، بدليل {إن يتبعون إلا الظن} [الأنعام: 116]، {من أي شيء خلقه} [عبس: 18]، أي: من شيء حقير مهين، ثم بينه تعالى:{من نطفة خلقه} [عبس: 19].
السادس: التقليل، نحو قوله تعالى:{ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72]، أي: رضوان قليل منه أكبر من الجنات؛ لأنه رأس كل سعادة.
قليل منك يكفيني ولكن
…
قليلك لا يقال له قليل
وجعل منه الزمخشري في قوله تعالى: {سبحن الذي أسرى بعبده ليلاً} [الإسراء: 1]، أي: ليلاً قليلاً، أي: بعض ليل، وأورد عليه أن التقليل رد الجنس إلى فرد من أفراده، لا تنقيص فرد إلى جزء من أجزائه، وأجاب بن في عروس الأفراح بأنا لا نسلم أن الليل حقيقة في جميع الليلة، بل كل جزء من أجزائها يسمى ليلاً، وعد السكاكي من الأسباب: ألا يعرف من حقيقته إلا ذلك، وجعل منه أن تقصد التجاهل، وأنك لا تعرف شخصه، كقولك: هل لك في حيوان على صورة إنسان يقول كذا! وعليه من تجاهل الكفار: {هل ندلكم على رجل ينبئكم} [سبأ: 7]، كأنهم لا يعرفونه.
وعد غيره منها: قصد العموم، بأن كانت [في] سياق النفي، نحو قوله تعالى:{لا ريب فيه} [البقرة: 2]، {لا رفث} الآية [البقرة: 197]، أو الشرط، نحو قوله تعالى:{وإن أحد المشركين استجارك} [التوبة: 6]، أو: الامتنان، نحو قوله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً} [الفرقان: 48].
وأما التعريف فله أسباب:
فبالإضمار لأن المقام مقام التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة.
و [بالعلمية] لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به، نحو قوله تعالى:{قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1]، {محمد رسول الله] [الفتح: 29].
أو لتعظيم أو إهانة حيث علمه يقتضي ذلك.
فمن التعظيم ذكر يعقوب بلقبه إسرائيل، لما فيه من المدح والتعظيم بكونه صفوة الله، أو سري الله، [على] ما [تقدم معناه] في «الألقاب» .
ومن الإهانة قوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1]، وفيه أيضاً نكتة أخرى، وهي الكناية عن كونه جهنمياً.
وبالإشارة: لتمييزه [أكمل تمييز بإحضاره في ذهن السامع حساً، نحو قوله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان: 11]، وللتعريض بغباوة السامع حتى إنه لا يتميز له] الشيء إلا بإشارة الحس، وهذه الآية تصلح لذلك.
ولبيان حاله في القرب والبعد، فيؤتي في الأول بنحو هذا، وفي الثاني بنحو: ذلك، وأولئك.
ولقصد تحقيره بالقرب، كقول الكفار:{أهذا الذي يذكر ءالهتكم} [الأنبياء: 36]، {أهذا الذي بعث الله رسولا} [الفرقان: 41]، {ماذا أراد الله بهذا مثلا} [البقرة: 26]، وكقوله تعالى:{وما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب} [العنكبوت: 64].
ولقصد تعظيمه بالبعد، نحو قوله تعالى:{ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 2]، ذهاباً إلى بعد [درجته].
وللتنبيه بعد ذكر المشار إليه بأوصاف قبله على أنه جدير بما يرد بعده من أجلها، نحو قوله تعالى:{أولائك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون} [البقرة: 5].