الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهان:
الأول: أنه وقع في كلامهم أبلغ مما ذكرنا، من تنزيلهم لفظاً موجوداً منزلة لفظ آخر، لكونه بمعناه، وهو تنزيلهم اللفظ المعدوم الصالح للوجود [بمنزلة الموجود]، كما في قوله:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق [شيئاً] إذا كان جزائيا
[وقد مضى ذلك]
والثاني: أنه ليس بلازم أنه يعطي الشيء حكم ما هو في معناه، ألا ترى أن المصدر قد لا يعطى حكم أن أو أن وصلتهما، وبالعكس، دليل الأول: أنهم لم يعطوه حكمها في جواز حذف الجار، ولا في سدهما مسد جزأي الإسناد، ثم إنهم شركوا بين أن وأن في هذه المسألة في باب ظن، وخصوا أن الخفيفة وصلتها بسدها مسدهما في باب عسى، وخصوا الشديدة بذلك في باب لو. ودليل الثاني: أنهما لا يعطيان حكمه في النيابة عن ظرف الزمان، تقول: عجبت من قيامك، وعجبت أن تقوم، وأنك قائم، ولا يجوز: عجبت قيامك، وشذ قوله:
فإياك المراء فإنه
…
إلى الشر دعاء وللشر جالب
فأجري المصدر مجرى أن تفعل في حذف الجار، وتقول: حسب أنه قائم، أو أن قام، ولا نقول: حسبت قيامك حتى تذكر الخبر، وتقول: عسى أن تقوم، ويمتنع: عسى أنك قائم، ومثلها في ذلك لعل، وتقول: لو أنك تقوم، ولا تقول: لو أن تقوم، وتقول: جئتك صلاة العصر، ولا يجوز: جئتك أن تصلي العصر، خلافاً لابن جني والزمخشري.
والثاني: وهو ما أعطي حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه، له صور كثيرة أيضاً.
إحداها: زيادة «إن» بعد «ما» المصدرية الظرفية، وبعد «ما» التي بمعنى الذي، لأنهما بلفظ «ما» النافية، كقوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته
…
على [السن][خيراً] لا يزال يزيد
وقوله:
يرجى المرء ما إن لا يراه
…
وتعرض دون أدناه الخطوب
فهذان محمولات على نحو قوله:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
الثانية: دخول لام الابتداء على «ما» النافية، حملاً لها في اللفظ على «ما» الموصولة الواقعة مبتدأ، كقوله:
لما أغفلت شكرك فاصطنعني
…
فكيف ومن عطائك جل مالي؟
فهذا محمول في اللفظ على نحو قولك: لما تصنعه حسن.
الثالثة: توكيد المضارع بالنون بعد لا النافية حملاً لها في اللفظ على لا الناهية، نحو:{ادخلوا مسكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده} [النمل: 18]، ونحو:{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [الأنفال: 25]} ، فهذا محمول في اللفظ، على نحو {ولا تحسبن الله غفلاً} [إبراهيم: 42]، ومن أولها على النهي لم يحتج إلى هذا.
الرابعة: حذف الفاعل في نحو قوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر} [مريم: 38]،
لما كان أحسن يزيد مشبهاً في اللفظ لقولك: أمر بزيد.
الخامسة: دخول لام الابتداء بعد إن التي بمعنى نعم، لشبهها في اللفظ بأن المؤكدة، قاله بعضهم في قراءة من قرأ:{إن هاذان لسحران} [طه: 63]، وقد مضى البحث فيها.
السادسة: قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، بضم أية ورفع صفتها، كما يقال: يا أيتها العصابة، وإنما كان حقهما وجوب النصب، [كقولهم: نحن العرب أقرى الناس للضيف]، ولكنها لما كانت في اللفظ بمنزلة المستعملة في النداء أعطيت حكمها، وإن انتفى موجب البناء، وأما نحن العرب في المثال فإنه لا يكون منادى، لكونه بأل، فأعطى الحكم الذي يستحقه في نفسه، وأما نحو: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، فواجب النصب، سواء اعتبر حاله أو حال ما هو شبيه له، وهو المنادى.
السابعة: بناء باب حذام في لغة الحجاز على الكسر، تشبيهاً لها بدارك، ونزال، وذلك مشهور في المعارف، وربما جاء في غيرها، وعليه وجه قوله:
يا ليت حظي من جداك الصافي
…
والفضل أن تتركني كفاف
فالأصل كفافا، فهو حال، أو ترك كفاف، فمصدر، ومنه عند أبي حاتم قوله:
جاءت لتصرعني فقلت لها: اقصري
…
إني أمرؤ [صرعي] عليك حرام
وليس كذلك، إذ ليس لفعله فاعل أو فاعلة، فالأولى قول الفارسي: إن أصله «حرامي» كقوله:
والدهر بالإنسان دواري
ثم خففت، ولو أقوى لكان أولى، وأما قوله:
طلبوا صلحنا ولات أوان
…
فأجبنا أن ليس حين بقاء
فعله بنائه: قطعه عن الإضافة، ولكن علة كسره وكونه لم يسلك به في الضم مسلك قبل وبعد: شبهه بنزال.
الثامنة: بناء حاشا في {وقلن حشن لله} [يوسف: 31]، لشبهها في اللفظ بحاش الحرفية، والدليل على أسميتها قراءة بعضهم «حاشاً» بالتنوين على إعرابها، كما تقول: تنزيهاً لله، وإنما قلنا: إنها ليست حرفاً، لدخولها على الحرف، ولا فعلاً، إذ ليس بعدها اسم منصوب بها، وزعم بعضهم أنها فعل حذف مفعوله، أي: جانب يوسف المعصية لأجل الله، وهذا التأويل لا يتأتى في كل موضع، يقال لك: أتفعل كذا؟ أو [أفعلت] كذا؟ فتقول: حاشا لله، فإنما هذه بمعنى تبرعات لله براءة من هذا الفعل، ومن نونها أعربها على إلغاء هذا الشبه، كما أن بني تميم أعربوا باب حذام لذلك.
التاسعة: قول بعض الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - قصرنا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط وآمنه، فأوقع قط بعد «ما» المصدرية، كما تقع بعد «ما» النافية.
العاشرة: إعطاء الحرف حكم مقاربه في المخرج حتى أدغم فيه، نحو {وخلق كل شيء} [الأنعام: 101]، و {لك قصورا} [الفرقان: 10]، وحتى اجتمعا روبين كقوله:
بني إن البر شيء هين
…
المنطق الطيب والطعيم
وقول أبي جهل:
ما تنقم الحرب العوان مني
…
بازل عامين حديث سني
لمثل هذا ولدتني [أمي]
وقول أخر:
إذا ركبت فاجعلوني وسطا
…
إني كبير لا أطيق العناد
ويسمى ذلك إكفاء.
والثالث: وهو ما أعطى حكم الشيء لمشابهته له لفظاً ومعنى، نحو اسم التفضيل، وأفعل في التعجب، فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بـ «أفعل» في التعجب وزناً وأصلاً وإفادة للمبالغة، وأجازوا [تصغير] أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا، قال:
يا ما أمليح عزلانا شدن لنا
ولم يسمع ذلك إلا في أحسن وأملح، ذكره الجوهري، ولكن النحويين مع هذا قاسوه، ولم يحك ابن مالك اقتياسه إلا عن ابن كيسان، وليس كذلك، قال أبو بكر ابن الأنباري: ولا يقال إلا لمن صغر سنه.