الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، والمراد بالثاني جنس القتال لا ذاك بعينه، وأما آية {وهو الذي في السماء إله} [الزخرف: 84]، فقد أجاب عنها [الطيبي] أنها من باب التكرير، لإفادة أمر زائد، بدليل تكرير ذكر الرب فيما قبله / من قوله تعالى:{سبحن رب السماوات والأرض رب العرش} [الزخرف: 82]، ووجه الإطناب في تنزيهه تعالى عن نسبة الولد إليه، وشرط القاعدة ألا يقصد التكرير، وقد ذكر الشيخ بهاء الدين في آخر كلامه: أن المراد بذكر الاسم مرتين كونه مذكوراً في كلام واحد [أو] كلامين بينهما تواصل، بأن يكون أحدهما معطوفاً على الآخر أو له به تعلق ظاهر وتناسب واضح، وأن يكونا من متكلم واحد، ودفع بذلك إيراد آية القتال، لأن الأول فيها محكي عن قول السائل، والثاني محكي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قاعدة في الإفراد والجمع:
من ذلك السماء والأرض، حيث وقع في القرآن ذكر الأرض فإنها مفردة، ولم تجمع
، بخلاف السموات، لثقل جمعها وهو أرضون، ولهذا لما أريد ذكر جمع الأرض قال:{ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12]، وأما السماء فذكرت تارة بصيغة الجمع، وتارة بصيغة الإفراد لنكت تليق بذلك المحل، لما [أوضحته في أسرار التنزيل]، والحاصل أنه حيث أريد العدد أتى
بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة، نحو قوله تعالى:{سبح لله ما في السماوات} [الصف: 1]، أي: جميع سكانها على كثرتهم، {يسبح لله ما في السماوات} [الجمعة: 1]، أي: كل واحدة على اختلاف عددها، نحو:{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: 65]، إذ المراد نفي الغيب عن كل من هو في واحدة من السموات]، وحيث أريد الجهة أتى بصيغة الإفراد، نحو قوله تعالى:{وفي السماء رزقكم} [الذاريات: 22]، {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16]، أي: من فوقكم.
ومن ذلك الريح، ذكرت مجموعة ومفردة، فحيث ذكرت في سياق الرحمة جمعت، أو في سياق العذاب أفردت.
أخرج ابن أبي حاتم وغيره، عن أبي بن كعب، قال: كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة، وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب، ولهذا ورد في الحديث:[اللهم] اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً، وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهبات والمنافع، وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها، فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات، فكانت في الرحمة رياحا، وأما من العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها، ولا دافع، وقد خرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة (يونس):{وجرين بهم بريح طيبة} [يونس: 22]، وذلك لوجهين: لفظي، وهو المقابلة في قوله تعالى:{جاءتها ريح عاصف} [يونس: 22]، ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز استقلالاً، نحو قوله تعالى:{ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54]، ومعنوي، وهو أن تمام الرحمة هناك إنما
تحصل بوحدة الريح لا باختلافها، فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد، فإذا اختلف عليها الريح كان سبب الهلاك، والمطلوب هنا ريح واحدة، ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب، وعلى ذلك أيضاً جرى قوله تعالى:{إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد} [الشورى: 33].
وقال ابن المنير: إنه على القاعدة، لأن سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن.
ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات، وإفراد سبيل الحق وجمع سبل الباطل، في قوله تعالى:{ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 53]، لأن طريق الحق واحدة، وطريق الباطل متشعبة متعددة، والظلمات بمنزلة طرق الباطل، والنور بمنزلة طريق الحق، بل هما واحد، ولهذا وحد «ولي المؤمنين» ، وجمع «أولياء الكفار» ، لتعددهم في قوله تعالى:{الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257].
ومن ذلك إفراد النار، حيث وقعت، والجنة وقعت مجموعة ومفردة، لأن الجنان مختلفة الأنواع، فحسن جمعها، والنار مادة واحدة، ولأن الجنة رحمة والنار عذاب، فناسب جمع الأولى، وإفراد الثانية، على حد الرياح والريح.
ومن ذلك إفراد السمع، وجمع البصر، لأن السمع غلب عليه المصدرية، فأفرد، بخلاف البصر، فإنه اشتهر في الجارحة، ولأن متعلق السمع: الأصوات، وهي حقيقة واحدة، ومتعلق البصر الألوان، والأكوان، وهي حقائق مختلفة، فأشار في كل منهما إلى متعلقه.
ومن ذلك إفراد الصديق، وجمع الشافعين، في قوله تعالى:{فما لنا من شفعين ولا صديق حميم} [الشعراء: 100، 101]، وحكمته كثرة الشفعاء