الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة براءة
171 -
وأخرج الترمذي وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى (الأنفال)، وهي من المثاني؟ وإلى (براءة) وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} ، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان، وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلت عليه الآية، فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت (الأنفال) من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت (براءة) من آخر القرآن نزولاً، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، فلا أكتب سطر:{بسم الله الرحمن الرحيم} ، ووضعتها في السبع الطوال.
172 -
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن جبير رحمه الله قال: قلت لابن عباس: سورة (التوبة)؟ فقال: بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل:«ومنهم» ، و «منهم» حتى ظنوا أن لا يبقى أحد إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة (الأنفال)؟ قال: نزلت في بدر، قال: قلت: سورة (الحشر)؟ قال: نزلت في بني النضير. وفي رواية: قلت لابن عباس: سورة (الحشر)؟ قال: قل: سورة النضير.
173 -
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، في رهط
يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وفي رواية: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بـ (علي بن أبي طالب)، فأمره أن يؤذن بـ (براءة)، فقال أبو هريرة: فأذن معنا في أهل منى [ببراءة] أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وفي رواية: يوم الحج الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحج، وإنما قيل: الحج الأكبر، من أجل قول الناس: العمرة: الحج الأصغر، قال: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك.
وأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بمد عامهم هذا وإن خفتم عيلة سوف يغنيكم الله من فضله
…
} الآية [التوبة: 28]، وكان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون، فلما حرم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عليهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، فقال الله تعالى:{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} [التوبة: 28]، ثم أحل في الآية التي تتبعها الجزية، ولم تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضاً مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم، فقال عز وجل: {قاتلوا الزين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر
…
} الآية [التوبة: 29]، فلما أحل الله عز وجل ذلك للمسلمين: عرفوا أنهم قد عاضهم أفضل مما خافوا ووجدوا عليه، مما كان المشركون يوافون به من التجار. هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية أبي داود، قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، [ويوم الحج الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحج.
وفي رواية النسائي مثل رواية أبي داود، إلى قوله: عريان].
وله في رواية أخرى، قال أبو هريرة: جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة بـ (براءة)، قيل: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا
ننادي: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوفن بالبيت عريان، وما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله - أو أمره - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج بعد العام مشرك، فكنت أنادي حتى صحل صوتي.
174 -
وأخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر؟ فقال: «يوم النحر» ، وروي موقوفاً عليه.
175 -
وأخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: بأي شيء بعثت في الحجة؟ قال: بعثت بأربع: لا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمؤمنون بعد عامهم هذا.
176 -
وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال:«أي يوم هذا» ؟ فقالوا: يوم النحر، فقال:«هذا يوم الحج الأكبر» .
177 -
[وأخرج أبو داود] عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه كان يقول: يوم النحر: يوم الحج الأكبر، يهرق فيه الدم، ويوضع فيه الشعر، ويقضي فيه التفث، وتحل فيه الحرم، أخرجه كذا.
178 -
وأخرج النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة - بعث أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه، حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح، ثم استوى ليكبر، فسمع الرغوة خلف ظهره،
فوقف عن التكبير، فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم[الجدعاء، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فلعله يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم] فنصلي معه، فإذا علي عليها، فقال أبو بكر: أمير أم رسول؟ فقال: لا، بل رسول، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (براءة)، أقراؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر، فخطب الناس، فحدثهم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليَّ رضي الله عنه فقرأ على الناس (براءة) حتى ختمها، ثم كان يوم النحر فأفضنا، فلما رجع أبو بكر خطب الناس، فحدثهم عن إفاضتهم، وعن نحرهم، وعن مناسكهم، فلما فرغ قام عليَّ، فقرأ على الناس (براءة) حتى ختمها، فلما كان يوم النفر الأول، قام أبو بكر، فخطب الناس، فحدثهم كيف ينفرون، وكيف يرمون، يعلمهم مناسكهم، فلما فرغ، قام علي، فقرأ على الناس (براءة) حتى ختمها.
179 -
وأخرج البخاري عن زيد بن وهب رحمه الله قال: كنا عند حذيفة، فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية - يعني: {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم} [التوبة: 12]- إلا ثلاثة، ولا بقي من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد، تخبروننا أخباراً، لا ندري ما هي؟ تزعمون أن لا منافق إلا أربعة، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة: أحدهم: شيخ
كبير - لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
180 -
وأخرج مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة. ولكن إذا صليت الجمعة دخل فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: {أجعلتم سقاية الحاح وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله
…
} [التوبة: 19]، إلى آخرها.
181 -
وأخرج الترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال:«يا عدي، اطرح عنك هذا الوثن» ، وسمعته يقرأ:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} [التوبة: 31]، قال:«إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه» .
182 -
وأخرج البخاري عن زيد بن وهب رحمه الله قال: مررت بالربذة فإذا بأبي ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا
ومعاوية في هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34]، فقال (معاوية): نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلى عثمان: أن أقدم المدينة، فقدمتها فكثر على الناس، حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريباً، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا علي حبشياً لسمعت وأطعت.
183 -
وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: لما نزلت هذه الآية: {الذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبي الله، إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال:«إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث، وذكر كلمة لتكون لمن بعدكم» ، فكبر عمر، ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته.
184 -
وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهم قال له أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة: 34]. قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها ويل له، هذا كان قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهراً للأموال.
وفي رواية الموطأ: قال عبد الله بن دينار: سمعت عبد الله بن عمر - وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ - فقال: هو المال الذي لا تؤدي منه الزكاة.
185 -
وأخرج الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير اتخذناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أفضله: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه» .
186 -
وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله} الآية [التوبة: 44]، نسختها التي في (النور):{إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله} ، إلى قوله:{غفور رحيم} [النور: 62].
187 -
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الصدقة، كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل
فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم
…
} الآية [التوبة: 79].
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق، فيحامل، فيصيب المد، وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف، زاد في رواية: كأنه يعرض بنفسه.
وفي أخرى: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت.
وزاد النسائي بعد قوله: «لمائة ألف» : وما كان له [يومئذ] درهم.
188 -
وأخرج البخاري ومسلم والبخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما توفي عبد الله - يعني: ابن أبي [ابن] سلول - جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيرني الله عز وجل فقال: {استغفر لهم أو لا
تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} [التوبة: 80]، وسأزيد على السبعين»، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأنزل الله عز وجل: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره هم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84].
زاد في رواية: فترك الصلاة عليهم.
189 -
وأخرج البخاري والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما مات عبد الله بن أبي [ابن] سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«أخر عني يا عمر» ، فلما أكثرت عليه، قال:«أما إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» ، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من (براءة):{ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا وهم فاسقون} [التوبة: 84].
قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ.
وزاد الترمذي: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله.
190 -
وأخرج الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نزلت هذه
الآية في أهل قباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} [التوبة: 108]، قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت الآية فيهم.
191 -
وأخرج الترمذي والنسائي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي الله عنه - قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك للنبي، فنزلت:{ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113].
192 -
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن ابن شهاب الزهري رحمه الله قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب، كان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في [في غزوة] تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحداً تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين
تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، وكان من خبري حين تخلفت عنه في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، وأستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد بذلك الديوان - قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر، فجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً، والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس - بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يخونني أني لا أرى لي أسوة، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوكاً، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حسبه براده والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله
يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً يزول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كن أبا خيثمة» ، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون، قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بم أخرج من سخطه غداً؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدأ، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر بداً بالمسجد، فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المنافقون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت، فلما سلمت تبسم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي:«ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ » قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت، لئن حدثتك اليوم حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عقبي الله عز وجل وفي رواية: عفو الله -، (والله) ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» ، فقمت، وثار رجال من بني سلمة، فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان يكفيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي، قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي، قال: ونهى رسول الله المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبتا الناس - أو قال: تغيروا لنا - حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة، وأطوف في الأسواق، فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه - وهو في مجلسه - بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام، أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي، وأحب الناس إليَّ - فسلمت عليه، فوالله ما رد على السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمن أني أحب رسول الله؟ قال: فسكت، فعدت فناشدته، فسكت،
فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إليَّ، جاءني، فدفع إليَّ كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، فقرأته، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، قال حين قرأتها: وهده أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور، فسجرتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي، فإذا [رسول] رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقال: قلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: «لا، بل اعتزلها فلا تقربها» ، قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، قال: قلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله فى هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال:«لا، ولكن لا يقربنك» ، فقالت: والله ما به حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي، منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، زأنا رجل شاب؟ قال: فلبثت بذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا، قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا: قد ضاقت علي نفسي، وضاقت عليَّ
الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخررت ساجداً، وعلمت أن قد جاء فرج، قال: وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبه الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرساً، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى على الجبل، زكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجاً فوجاً، يهنئوني بالتوبة، ويقولون: ليهينك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال: كان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السرور-: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» ، قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله؟ فقال: «بل من عند الله» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه، حتى كأن وجهه قطعة قمر، قال: وكنا نعرف ذلك، قال: فلما جلست بين يديه، قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمسك بعض مالك، فهو خير لك» ، قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، قال: وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، قال: فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما
أبلاني الله، ووالله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، قال: فأنزل الله عز وجل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} ، حتى إذا بلغ:{إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} ، حتى بلغ:{اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117 - 119]. قال كعب: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط- بعد إذ هداني للإسلام- أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة: 96، 95]. قال كعب: كنا خلفنا - أيهما الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا، حتى قضى الله تعالى فيه بذلك، قال الله عز وجل:{وعلى الثلاثة الذين خلفوا} ، وليس الذي ذكر مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
وفي رواية: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا، فلبثت كذلك، حتى طال عليَّ الأمر، وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي عليّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد منهم، ولا يسلم عليّ، ولا يصلي عليّ، قال: فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معنية بأمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أم سلمة، تيب على كعب» ، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: [إذا] يحطمكم الناس، فيمنعونكم النوم سائر الليل، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا.