الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يتقبل منهم، {وأولئك يسارعون في الخيرات} [المؤمنون: 61]».
252 -
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم {وهم فيها كالحون} [المؤمنون: 104]، قال: تشويه النار، فتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته.
سورة النور
253 -
أخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رجل يقال له: مرثد، وكان رجل يحمل الأسراء من مكة، حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة، يقال لها: عناق، وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى حائط من حوائط مكة، في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إلي عرفتني، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، [هلم] فبت عندنا [الليلة]، قال: قلت: يا عناق، حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل
يحمل أسراءكم، قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى غار، أو كهف، فدخلت فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، فظل بولهم على رأسي، وعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا، ورجعت إلى صاحبي، فحملته، وكان رجلاً ثقيلاً حتى انتهيت إلى الإذخر، ففكت عنه أكبله، فجعلت أحمله، ويعينني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟ فأمسك رسول الله فلم يرد [علي] شيئاً، حتى نزلت:{والزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{والزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} ، فلا تنكحها». هذه رواية الترمذي.
وأخرجه النسائي بنحوه، ورواية الترمذي أتم.
واختصره أبو داود قال: إن مرد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق، وكانت صديقته، قال: فجئت [إلى] النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟ قال: فسكت، فنزلت:{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3]، قال: فدعاني فقرأها، وقال لي:«لا تنكحها» .
254 -
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهم أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«البينة أو حد في ظهرك» ، قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً، ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«البينة، وإلا حد في ظهرك» ، فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل عليه السلام، وأنزل عليه:{الذين يرمون أزواجهم} ، حتى بلغ:{وإن كان من الصادقين} [النور: 6 - 9]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول:«إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل من تائب؟ » ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء» ، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل،
لكان لي ولها شأن».
255 أ- وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن الزهري عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى له من بعض، وأثبتهم له، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، قالوا: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، قالت: فأقرع بيننا في غزاة غزاها [فخرج فيها سهمي]، فخرجت معه- بعد ما أنزل الحجاب- وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك
وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار- وفي رواية: ظفار قد انقطع- فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذين كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن- ومنهم من قال: لم يهبلن- ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، - ومنهم من قال: خفة الهودج- فحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد- ومنهم من قال: فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب- فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، [اقد] ...............
عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عندي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني- وكان يراني قبل الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش، بعد ما نزلوا معرسين- وفي رواية: موغرين في نحر الظهيرة- قال أحد رواته: الوغرة: شدة الحر- قالت: فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر، وهو يريبني في وجعي: أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني منه، ولا
أشعر بالشر حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع، وهي متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فأقبلت أنا وأم مسطح- وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وابنها: مسطح بن أثاثة ابن عباد بن عبد المطلب- حين فرغنا من شأننا نمشي، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك،
فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، وقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله، فأتيت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بنية، هوني على نفسك الشأن، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، حين البث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك الخبر، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريره، هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمراً أغمض عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من
عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ - ومن الرواة من قال: في أهل بيتي - فو الله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة- وهو سيد الخزرج- وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه، وكان رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية- ومن الرواة من قال: اجتهلته الحمية- فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمرو الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد، يعني ابن معاذ - فقال
لسعد بن عبادة: كذبت، لعمرو الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتناور الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر- فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم، حتى سكتوا وسكت، وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، - ومن الرواة من قال: وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي- قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك، إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي- من يوم قيل لي ما قيل- قبلها، وقد مكث شهراً ما يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال:«أما بعد، يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب الله عليه» ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لي مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي:[أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله]. قالت: - وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن- فقلت: إني والله، لقد علمت أنكم سمعتم
ما تحدث به الناس، حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: - إني بريئة- والله يعلم إني لبريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم إني بريئة لتصدقني، فو الله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذا قال:{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى- ومن الرواة من قال: ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري، ولكن كنت أرجو أن يري رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فو الله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل الله على نبيه، [فأخذه لما كان يأخذه] من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: يا عائشة، احمدي الله- ومن الرواة من قال: أبشري يا عائشة. أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبه منكم
…
} [النور: 11 - 20] العشر الآيات، فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة؛ لقرابته منه وفقره: - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، بعدما قال لعائشة، فأنزل الله: {ولا يأتل أولوا
الفضل منكم والسعة}، إلى قوله:{غفور رحيم} [النور: 22]، فقال أبو بكر: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال:«يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت» ؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، قالت: فطفقت أختها حمنه تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط.
ومن الرواة من زاد: قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله! فو الذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى، قال: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله ..
وفي رواية أخرى عن عروة [عن عائشة]، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكروا، وما علمت به، قام رسول الله [في] خطيباً، فتشهد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:«أما بعد، فأشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط، وأبنوهم بمن، والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي» ، فقام سعد بن معاذ، فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم، وقام رجل من بني الخزرج- وكانت أم حسان من رهط ذلك
الرجل- فقال: كذبت والله [أن] لو كان من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتى كاد يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، وما علمت، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم، أتسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم، أتسبين ابنك؟ [فسكتت]، ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطح، فانتهرتها، فقالت: والله ما أشبه إلا فيك، فقلت: في أي شأني؟ فذكرت. وفي رواية: فبقرت - لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووعكت، وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أمي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في أسفل [البيت]، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، فقالت: يا بنية، خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها، وقيل فيها، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، ورسول الله. فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذكر في شأنها، ففاضت عيناه، وقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فسأل عني خادمي؟ فقالت: لا والله، ما علمت عليها عيباً، إلا أنها كانت ترقد، حتى تدخل الشاة فتأكل خبزها أو عجينها. وفي رواية: عجينها أو خميرها، شك هشام-، فانتهرها بعض أصحابه، وقال: اصدقي رسول الله،
حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلا كما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، وبلغ ذلك الأمر ذلك الرجل الذي قيل فيه، فقال: سبحان الله! والله ما كشفت كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقيل شهيداً في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا، حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلي العصر، ثم دخل، وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«أما بعد: يا عائشة، إن كنت قارفت سوءاً أو ظلمت، فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده» ، قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار، فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟ قالت: فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتف إلى أبي، فقلت: أجبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي، فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدت، فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فو الله، لئن قلت لكم: إني لم أفعل، والله يعلم إني لصادقة، ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأشربته قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت، والله يعلم أني لم أفعل، لتقولن: قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً، والتمست اسم يعقوب، فلم أقدر عليه، إلا أبا يوسف، حين قال:{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه ويقول:«أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك» ، قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ولقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنه فهلكت فيمن هلك فكان الذي يتكلم فيه: مسطح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد الله بن
أبي ابن سلول، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة، قالت: فحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً، فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة
…
} [النور: 22] إلى آخر الآية، يعني: أبا بكر {وأن يؤتوا أولي القربى والمساكين} ، يعني: مسطحة، إلى قوله:{ألا تحبون أن يغفر الله لك والله غفور رحيم} [النور: 22]، فقال أبو بكر: بلى، والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع.
وفي رواية: أن عائشة لما أخبرت بالأمر، قالت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأرسل معها الغلام، وقال رجل من الأنصار:{ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} ، لم يزد على هذا.
هذه روايات البخاري ومسلم.
وعند البخاري: قال: قال الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع، ذكره البخاري في غزوة بني المصطلق من خزاعة، قال: وهي غزوة المريسيع، قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، إلى هنا ما حكاه البخاري.
وأخرج البخاري من حديث الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك:
أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك- أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت لهما: كان علياً مسلماُ في شأني.
وأخرج البخاري أيضاً من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة:{والذي تولى كبره منهم} [النور: 11]: عبد الله بن أبي.
زاد في رواية: قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع، ويتحدث به عنده، فيقره ويشيعه ويستوشيه، قال عروة: لم يسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة، كما قال الله تعالى، قال عروة: وكانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان، وتقول: الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
وفي رواية لهما: قال مسروق بن الأجدع: دخلت على عائشة، وعندها حسان ينشدها شعراً، يشبب من أبيات، يقول:
حصان رزان ما تزن بريبة
…
فتصبح غرثا من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك، قال مسروق: فقلت لها: أتأذني له أن يدخل عليك، وقد قال الله تعالى:{والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} ؟ قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: إنه كان ينافح- أو يهاجي- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الترمذي الرواية الثانية من الروايتين الطويلتين عن عروة عن عائشة بطولها، وقال: وقد رواه يونس بن يزيد، ومعمر، وغير واحد، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله، عن عائشة أطول من حديث هشام بن عروة وأتم، يعني بذلك: الرواية الأولى بطولها.
وأخرج النسائي من الرواية الأولى إلى قوله: فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، ثم قال: وذكر الحديث، ولم يذكر لفظه.
وأخرج أبو داود منه طرفين يسيرين.
أحدهما: عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة، وكل حدثني طائفة من الحديث، قالت: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم في بأمر يتلى.
والطرف الآخر: أخرجه في باب الأدب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشري يا عائشة، فإن الله عز وجل قد أنزل عذرك» ، وقرأ عليها القرآن»، فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أحمد الله، لا إياكما.
وحيث اقتصر على هذين الطرفين اليسيرين، لم أثبت علامته مع الجماعة،
ونبهت بذكرهما ههنا، لئلا يخل بهما].
255 -
ب- وأخرج البخاري عن أم رومان وهي أم عائشة هنا قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة، إذ ولجت امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني فيمن حدث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا كذا، قالت عائشة: وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فطرحت عليها ثيابها، فغطيتها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ما شأن هذه؟ » قلت: يا رسول الله، أخذتها الحمى بنافض، قال:«فلعل في حديث تحدث به» ؟ قالت: نعم، فقعدت عائشة، فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه {والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، قالت: فانصرف، ولم يقل لي شيئاً، فأنزل الله عذرها، قالت: بحمد الله، لا بحمد أحد، ولا بحمدك.
قال الحميدي في كتاب «الجمع بين الصحيحين» : كان بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول: إن الإرسال في هذا الحديث أبين، واستدل على ذلك بأن أم رومان توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسروق بن الأجدع- راوي هذا الحديث عن أم رومان- لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف.
255 -
جـ- وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنهم قالت: لما أنزل عذري، قام رسول الله على المنبر، وذكر ذلك، وتلا القرآن، قالت: وأمر رجلين وامرأة فجلدوا الحد.
256 -
أ- وأخرج البخاري وأبو داود [عن عائشة رضي الله عنهم]، قالت: يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل: {وليضرين بخمرهن على جيوبهن
…
} الآية [النور: 31]، شققن مروطهن، فاختمرن بها.
وفي أخرى قالت: أخذن أزرهن، فشققنها من قبل الحواشي، واختمرن بها.
وفي رواية أبي داود، قال: شققن أكنف مروطهن، فاختمرن بها.
256 -
ب- وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهم[قال]: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصرهن
…
} الآية، فنسخ، واستثنى من ذلك: {والقواعد من النساء التي لا يجرجون نكاحاً
…
} الآية [النور: 60].
257 -
وأخرج مسلم] وأبو داود] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال: كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لجارية له: اذهبي [فابغينا] شيئاً، قال: فأنزل الله لك: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا} الآية [النور: 33].
وفي رواية أخرى: أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها: مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، كان يريدهما على الزنا، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا} إلى قوله: {غفور رحيم} [النور: 33].
وفي رواية أبي داود قال: جاءت مسيكة لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي يكرهني على البغاء، فنزلت في ذلك:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} .
قال أبو داود: وروى معتمر عن أبيه: {ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} ، قال: قال سعيد بن أبي الحسن: [غفور رحيم] لهن: المكرهات.
258 -
وأخرج أبو داود عن ابن عباس أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا الله بها ولا يعمل بها أحد؟ قول الله لك: {يأيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
…
} الآية [النور: 58]، فقال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين، يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد، أو يتيمة الرجل، والرجل على أهله، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك [بعد].
وفي رواية عن ابن عباس: أنه سمع يقول: لم يؤمر بها أكثر الناس: آية الإذن، وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي.