الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة في الألفاظ التي يظن بها الترادف وليست منه:
من ذلك: الخوف والخشية، لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى منه، وهي أشد الخوف، فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية، أي: يابسة، وهو فوات بالكلية، والخوف من: ناقة خوفاء، أي: بها داء، وهو نقص، وليس بفوات، ولذلك خصت الخشية بالله في قوله تعالى:{ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد: 21]، وفرق بينهما أيضاً بأن الخشية تكون من عظم المختشى، وإن كان الخاشي قوياً، والخوف يكون عن ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمرا يسيراً، ويدل لذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة، نحو [شيخ] للسيد الكبير، وخيش لما غلظ من اللباس، ولذا وردت الخشية غالباً في حق الله تعالى في نحو قوله تعالى:{من خشية الله} [البقرة: 74]، {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].
وأما {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50] فيه نكتة لطيفة، فإنه [في] وصف الملائكة، ولما ذكر [قوتهم] وشدة خلقهم، عبر عنهم بالخوف، لبيان أنهم كانوا غلاظاً شدادا، فهم بين يديه تعالى ضعفاء، ثم أردفه بالفوقية الدالة على العظمة، فجمع بين الأمرين، ولما كان ضعف البشر معلوماً لم يحتج إلى التنبيه عليه.
ومن ذلك: الشح والبخل، والشح: أشد البخل، قال الراغب: الشح بخل مع حرص، وفرق العسكري بين البخل والضن: بأن الضن أصله أن يكون
بالعواري والبخل بالهبات، ولهذا يقال: هو ضنين بعلمه، ولا يقال: بخيل، لأن العلم بالعارية أشبه منه بالهبة، لأن الواهب إذا وهب شيئاً خرج عن ملكه، بخلاف العارية، ولهذا قال تعالى:{وما هو على الغيب بضنين} [التكوير: 24]، ولم يقل: ببخيل.
ومن ذلك: السبيل والطريق، والأول أغلب وقوعاً في الخير، ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقرونا بوصف أو إضافة تخلصه لذلك، كقوله تعالى:{يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم} [الأحقاف: 30]، [وقال الراغب: السبيل الطريق التي فيها سهولة، فهو أخص].
ومن ذلك: جاء وأتى، فالأول يقال في الجواهر والأعيان، والثاني في المعاني والأزمان، ولهذا ورد {جاء} في قوله تعالى:{ولمن جاء به حمل بعير} [يوسف: 72]، {وجاءوا على قميصه بدم كذب} [يوسف: 18]، {وجأئ يومئذ بجنهم} [الفجر: 23]، و {أتى} في:{أتى أمر الله} [النحل: 1]، و {أتها أمرنا} [يونس: 24].
وأما {وجاء ربك} [الفجر: 22] أي: أمره فإن المراد به أهوال القيامة المشاهدة، وكذا {فإذا جاء أجلهم} [الأعراف: 34]، لأن الأجل كالمشاهدة، ولهذا عبر عنه بالحضور في قوله تعالى:{حضر أحدهم الموت} [النساء: 18]، ولهذا فرق بينهما في قوله تعالى:{جئنك بما كانوا فيه يمترون وأتينك بالحق} [الحجر: 63، 64]، لأن [الأول] العذاب، وهو مشاهد مرئي، بخلاف الحق.
وقال الراغب: الإتيان مجيء بسهولة، فهو أخص من مطلق المجيء، قال: ومنه قيل للسائل المار على وجهه: أتى وأتاوى.
ومن ذلك مد وأمد، قال الراغب: أكثر ما جاء الإمداد في المحبوب، قوله تعالى:{وأمددنهم بفكهة} [الطور: 22]، والمد في المكروه، نحو قوله تعالى:{ونمد له من العذاب مدا} [مريم: 79].
ومن ذلك: سقى وأسقى، فالأول لما لا كلفة فيه، ولهذا ذكر في شراب الجنة، نحو قوله تعالى:{وسقهم ربهم شرابا طهورا} [الإنسان: 21]، والثاني لما فيه كلفة، ولهذا فكر في ماء الدنيا، نحو قوله تعالى:{لأسقينهم ماء غدقا} [الجن: 16]، وقال الراغب: الإسقاء أبلغ من السقي، لأن الإسقاء أن يجعل له ماء يسقى منه ويشرب، والسقي أن يعطيه ما يشرب.
ومن ذلك: عمل وفعل، فالأول لما كان من امتداد زمان، نحو قوله تعالى:{يعملون له ما يشاء} [سبأ: 13]، {مما عملت أيدينا} {يس: 71}، لأن خلق الأنعام والثمار والزروع بامتداد، والثاني بخلافه، نحو قوله تعالى:{كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل: 1]، {كيف فعل ربك بعاد} [الفجر: 6]، {كيف فعلنا بهم} [إبراهيم: 45]، لأنها إهلاكات وقعت من غير بطء، {ويفعلون ما يؤمرون} [النحل: 50]، أي: في طرفة عين، ولهذا عبر بالأول في قوله تعالى:{وعملوا الصالحات} [البقرة: 25]، حيث كان المقصود المثابرة عليها لا الإتيان بها مرة أو بسرعة، وبالثاني في قوله تعالى:{وافعلوا الخير} [الحج: 77]، حيث كان بمعنى سارعوا، كما قال تعالى:{فاستبقوا الخيرات} [البقرة: 148]، وقوله تعالى:{والذين هم للزكاة فعلون} [المؤمنون: 4]، حيث كان القصد يأتون بها على سرعة من غير توان.
ومن ذلك: القعود والجلوس، فالأول لما فيه لبث بخلاف الثاني، ولهذا يقال: قواعد البيت، ولا يقال: جوالسه، للزومها ولبثها، ويقال: جليس الملك، ولا يقال قعيده، لأن مجالس الملوك يستحب فيها التخفيف، ولهذا استعمل الأول في قوله تعالى:{مقعد صدق} [القمر: 55]، للإشارة إلى أنه لا زوال له، بخلاف:{تفسحوا في المجلس} [المجادلة: 11]، لأنه يجلس فيه زماناً يسيراً.
ومن ذلك التمام والكمال، وقد اجتمعا في قوله تعالى:{أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3]، فقيل: الإتمام لإزالة نقصان الأصل، و [الإكمال] لإزالة [نقصان العوارض] بعد تمام الأصل، ولهذا كان قوله تعالى:{تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196]، احسن من «تامة» ، فإن التمام من العدد قد علم، وإنما نفي احتمال نقص في صفاتها، وقيل: تم يشعر بحصول نقص قبله، وكمل لا يشعر بذلك، وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف، ولهذا يقال: القافية/ تمام البيت، ولا يقال كماله، ويقولون: البيت بكماله، أي: باجتماعه.
ومن ذلك: الإعطاء والإيتاء، قال [الخويي]: لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما، وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله سبحانه وتعالى، وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، لأن الإعطاء له مطاوع، تقول: أعطاني فعطوت، ولا يقال في الإيتاء: أتاني فأتيت، وإنما يقال: آتاني فأخذت، والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من [الفعل] الذي لا مطاوع له، لأنك تقول: قطعته فانطقع، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفاً على قبول في المحل، لولاءه ما ثبت المفعول، ولهذا يصح: قطعته [فما انقطع]، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك، فلا يجوز ضربته فانضرب، أو فما انضرب، ولا قتلته فانقل، ولا فيما انتقل، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها، فالإيتاء أقوى من الإعطاء، قال: وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى، قال تعالى:{تؤتى الملك من تشاء} [آل عمران: 26]،