الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل.
قاعدة:
قال في «المغني» : قد يعطي الشيء حكم ما أشبهه: في معناه: أو في لفظه، أو فيهما.
فأما الأول فله صور كثيرة:
إحداها: دخول الباء في خبر أن، في قوله تعالى:{أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقدر} [الأحقاف: 33]، لأنه في معنى:«أوليس الله بقادر» ، والذي سهل ذلك التقدير تباعد ما بينهما، ولهذا ما تدخل في {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم} [الإسراء: 99].
ومثله إدخال الباء في {كفى بالله شهيدا} [الرعد: 43]، لما دخله من معنى: اكتف بالله شهيداً، بخلاف قوله: منك يكفيني.
وفي قوله:
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
لما دخله من معنى: لا يتقربن بقراءة السور، ولهذا قال السهيلي، لا يجوز أن تقول: وصل إلى كتابك فقرأت به، على حد قوله: لا يقرأن بالسور، لأنه عار عن معنى التقرب.
والثانية: جواز حذف خبر المبتدأ في: إن زيداً قائم وعمرو، اكتفاء بخبر
إن، لما كان زيداً قائم في معنى زيد قائم، ولهذا لم يجز: ليت زيداً قائم وعمرو.
والثالثة: جواز أن زيداً غير ضارب لما كان في معنى أن زيداً لا أضرب، ولولا ذلك لم يجز، إذ لا يتقدم المضاف إليه على المضاف، فكذا لا يتقدم معموله، لا تقول: أن زيد أول ضارب، أو [مثل] ضارب.
ودليل المسألة: قوله تعالى: {وهو في الخصام غير مبين} [الزخرف: 18]، وقول الشاعر:
فتى هو حقاً غير ملغ توله
…
ولا تتخذ يوماً سواه خليلاً
وقوله:
إن امرأ خصني يوماً مودته
…
على الثنائي لعندي [غير مكفور]
ويحتمل أن يكون منه: {فذلك يومئذ يوم عسير على الكفرين غير يسير} [المدثر].
ويحتمل تعلق [«على»] بعسير، أو بمحذوف هو نعت له، أو حال من ضميره، ولو قلت: جاءني غير ضارب زيداً لم يجز التقديم، لأن النافي [هنا] لا يحل مكان «غير» .
[والرابعة]: جواز غير قائم الزيدان لما كان في معنى ما [قائم] الزيدان، ولولا ذلك لم يجز، لأن المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو ذا مرفوع يغني عن الخبر، ودليل المسألة قوله:
غير لاه عداك فاطرح اللهـ
…
ـو ولا تعتر بعارض سلم
وهو أحسن ما قيل في بيت أبي نواس:
غير مأسوف على زمن
…
ينقضي بالهم والحزن
والخامسة: إعطاؤهم ضارب زيد الآن أو غداً، حكم ضارب زيداً في التنكير، لأنه في معناه، ولهذا وصفوا به [النكرة، ونصبوه] على الحال، [وخفضوه] برب، وأدخلوا عليه «أل» .
وأجاز بعضهم تقديم حال مجروره عليه، نحو: هذا [ملتوتاً] شارب السويق، كما يتقدم عليه حال منصوبه، ولا يجوز شيء من ذلك إذا أريد المضي، لأنه حينئذ ليس في معنى الناصب.
والسادسة: وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب، في نحو:{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} [التوبة: 32]، لما كان المعنى: وإنها لا تسهل إلا على الخاشعين، ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.
السابعة: العطف بـ «ولا» بعد الإيجاب، في نحو:
أبى الله أن أسمو بأم [ولا أب
لما كان معناه: قال الله لي: لا تسم بأم ولا أب].
الثامنة: زيادة لا في قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12]، قال ابن السيد: المانع من الشيء آمر للممنوع ألا يفعل، [فكأنه قيل: ما الذي] قال لك لا تسجد؟ والأقرب عندي أن يقدر في الأول لم يرد الله
لي، وفي الثاني: ما الذي أمرك، يوضحه في هذا أن الناهية لا تصاحب الناصبة بخلاف النافية.
التاسعة: تعدي رضي [بـ «على»] في قوله:
إذا رضيت علي بنو قشير
لما كان «رضي عنه» بمعنى أقبل عليه بوجه وده، وقال الكسائي: إنما جاز هذا حملاً على نقيضه، وهو سخط.
العاشرة: رفع المستثنى على إبداله من الموجب في قراءة بعضهم: {فشربوا منه إلا قليل منهم} [البقرة: 249]، لما كان معناه: فلم يكونوا منه، بدليل:{فمن شرب منه فليس مني} [البقرة: 249].
وقيل: إلا وما بعدها صفة، فقيل: إن الضمير يوصف في هذا الباب، وقيل: مرادهم بالصفة عطف البيان، وهذا لا يخلص من الاعتراض إن كان لازماً، لأن عطف البيان كالنعت فلا يتبع الضمير، وقيل: قليل مبتدأ حذف خبره، أي: لم يشربوا.
الحادية عشرة: [تذكير] الإشارة في قوله تعالى: {فذانك برهانان} [القصص: 32]، مع أن المشار إليه اليد والعصا، وهما مؤنثان، ولكن المبتدأ عين الخبر في المعنى، والبرهان مذكر، ومثله:{ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} [الأنعام: 23] فيمن نصب الفتنة، وأنت الفعل.
الثانية عشرة: قولهم: علمت زيد من هو برفع «زيد» جوازا، لأنه نفس «من» في المعنى.
الثالثة عشرة: قولهم: إن أحداً لا يقول ذلك، فأوقع أحداً في الإثبات، لأنه نفس الضمير المستتر في «يقول» ، والضمير في سياق النفي، فكأن «أحداً» كذلك، وقال:
في ليلة لا نرى بها أحداً
…
يحكي علينا إلا كواكبها
فرفع كواكبها بدلاً من ضمير يحكي، لأنه راجع إلى «أحداً» ، وهو واقع في سياق غير الإيجاب، فكان الضمير كذلك.
وهذا الباب واسع، ولقد حكى أبو عمرو بن العلاء أنه سمع شخصاً من أهل اليمن يقول: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، فقال له: كيف قلت: أتته كتابي؟ فقال: أليس الكتاب في معنى الصحيفة؟
وقال أبو عبيدة لرؤبة بن العجاج لما أنشد:
فيها خطوط من سواد وبلق
…
كأنه في الجلد توليع البهق
إن أردت الخطوط فقل: كأنها، أو السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت «ذلك» ويلك.
وقالوا: مررت برجل أبي عشرة نفسه، وبقوم عرب كلهم، وبقاع عرفج كله، برفع التوكيد فيهن، فرفعوا الفاعل بالأسماء الجامدة، وأكدوه لما لحظوا فيها المعنى، إذ كان العرب بمعنى الفصحاء، والعرفج بمعنى الخشن، والأب بمعنى الوالد.