الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد أطلق الليلة، وأراد اليوم مجازاً مرسلاً، باستعمال الليلة في مطلق الزمن وهو اليوم، فكان اليوم مقصوداً.
ولو نذر الاعتكاف ليلاً ونهاراً، وإن لم يكن الليل محلاً للصوم، لأنه يدخل الليل تبعاً.
وقال المالكية (1): الاعتكاف قربة ونافلة من نوافل الخير ومندوب إليه بالشرع أو مرغب فيه شرعاً للرجال والنساء، لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر.
وقال الشافعية والحنابلة (2): الاعتكاف سنة أو مستحب كل وقت، إلا أن يكون نذراً، فيلزم الوفاء به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه، تقرباً إلى الله تعالى، واعتكف أزواجه بعده معه. فإن نذره وجب الوفاء به على الصفة التي نذرها من تتابع وغيره، لحديث:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» (3) وعن عمر أنه قال: «يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك» (4).
المطلب الثاني ـ ما يوجبه النذر على المعتكف:
إذا نذر المسلم نذر يوم أو أيام، فهل يدخل معه الليل، وهل يجب التتابع بين الأيام أو لا، ومتى يدخل المعتكف هل قبل الغروب أو قبل طلوع الفجر؟.
(1) الشرح الصغير: 725/ 1، القوانين الفقهية: ص125، بداية المجتهد: 302/ 1.
(2)
مغني المحتاج: 449/ 1، المهذب: 190/ 1، المغني: 184/ 3، كشاف القناع: 405/ 2.
(3)
رواه البخاري.
(4)
رواه البخاري ومسلم.
الجمهور يرون دخول الليل مع اليوم، ويجب التتابع بين الأيام المنذورة كأسبوع وشهر، ويدخل المعتكف قبل غروب شمس ذلك اليوم، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم. والشافعية لا يرون دخول الليلة مع اليوم إلا في العشر الأخير من رمضان، ولا يلزمه التتابع فيه على الأظهر إلا بشرط، ويدخل المعتكف قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس (1).
وعبارة الحنفية: من أوجب على نفسه اعتكاف يومين فأكثر، لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن الليالي تدخل تبعاً؛ لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها لياليها، ويلزمه تتابعها وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع، بخلاف الصوم فإن مبناه على التفرق؛ لأن الليالي غير قابلة للصوم، فيجب على التفرق، أما الاعتكاف فالأوقات كلها قابلة له.
وتدخل الليلة الأولى، ويدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة، ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه.
ومن نذر اعتكاف الليالي لزمته الأيام، وتلزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام متتابعة، ويلاحظ أن الليالي تابعة للأيام التالية إلا ليلة عرفة وليالي النحر فتبع للنُهُر الماضية رفقاً بالناس.
وعبارة المالكية: ولزم المعتكف يوم بليلته المنذورة، وإن نذر ليلة فقط، فمن نذر ليلة الخميس، لزمه ليلته وصبيحتها، ولا يتحقق الصوم الذي هو من شروط الاعتكاف غير المنذور، فيلزم مانواه قل أو كثر بدخوله معتكفه.
(1) فتح القدير: 114/ 2 ومابعدها، الدر المختار: 186/ 2 ومابعدها، نور الإيضاح: ص120، اللباب: 176/ 1، الشرح الصغير: 729/ 1 ومابعدها، المجموع: 519/ 6 - 526، مغني المحتاج: 455/ 1 ومابعدها، المهذب: 191/ 1، كشاف القناع: 412/ 2 - 413، المغني: 210/ 3 - 215.
ولزم دخول المعتكف قبل الغروب أو معه، ليتحقق له كمال الليلة. ولزم خروجه من معتكفه بعد الغروب ليتحقق له كمال النهار.
وعبارة الحنابلة: من نذر اعتكاف شهر، لزمه التتابع، ودخلت فيه الليالي، ودخل معتكفه قبل غروب شمس ليلته الأولى، ولا يخرج إلا بعد غروب شمس آخر أيامه.
وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه، ولم تدخل ليلته، ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن الليلة ليست من اليوم، وهي من الشهر، وإطلاق اليوم يفهم منه التتابع فيلزمه، كما لو قال متتابعاً، وكذا إطلاق الشهر يقتضي التتابع، كما لو حلف:«لا يكلم زيداً شهراً» وكمدة الإيلاء والعُنَّة والعدة، بخلاف الصيام. فإن أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك، وإن كان الشهر ناقصاً، وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين جاز؛ وتدخل فيه الليالي؛ لأن الشهر عبارة عنهما، ولا يجزئه أقل من ذلك.
وعبارة الشافعية: إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة، بلا خلاف، فالليلة ليست من اليوم، بل يلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن حقيقة اليوم: ما بين الفجر وغروب الشمس.
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه، لزمه اعتكافه ليلاً ونهاراً أي دخلت لياليه، سواء أكان الشهر تاماً أم ناقصاً؛ لأن الشهر عبارة عما بين الهلالين أي جميع الشهر، تم أو نقص إلا أن يستثنيها لفظاَ. وإن نذر اعتكاف نهار الشهر، لزمه النهار دون الليل؛ لأنه خص النهار، فلا يلزمه الليل. وهذا موافق للحنابلة.
والراجح عند الأكثرين من الشافعية أنه إن نوى التتابع أو صرح به، لزمته الليلة، وإلا فلا.