الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثالثة عند الجمهور، وهي الرابعة عند الشافعية: ثاني أيام منى:
وهي خطبة واحدة متفق عليها، يعلم الإمام فيها الناس حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم، لما روي عن رجلين من بني بكر قالا:
«رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوساط أيام التشريق، ونحن عند راحلته» (1)، ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم: كيف يتعجلون، وكيف يودعون، بخلاف اليوم الأول من أيام منى.
والخلاصة: إن الخطب أربعة عند الشافعية وهي خطبة السابع، وخطبة التاسع من ذي الحجة يوم عرفة، ويوم العيد بمنى، وفي اليوم الحادي عشر: ثاني أيام التشريق بمنى.
وهي ثلاثة عندالحنابلة: يوم عرفة، ويوم النحر، وثاني أيام منى.
وكذلك هي ثلاثة عند الحنفية والمالكية: سابع ذي الحجة في المسجد الحرام، ويوم عرفة بعد الزوال قبل الصلاة، وفي اليوم الحادي عشر.
وكلها مفردة إلا خطبة يوم عرفة فهي خطبتان، ومتفق عليها كما يلاحظ.
المبحث الثامن ـ كيفية أداء الحج والعمرة:
عرفنا أن أداء الحج والعمرة له حالات ثلاث: الإفراد، التمتع، القران (2)، وبينت الأفضل منها في المذاهب في بحث أركان الحج والعمرة.
أولاً ـ كيفية الإفراد:
الإفراد أن يحرم بالحج وحده، ثم لا يعتمر حتى يفرغ من حجه.
(1) رواه أبو داود، وروى الدارقطني مثله عن سرَّاء بنت نبهان.
(2)
راجع فتح القدير: 134/ 2 - 224، اللباب شرح الكتاب: 179/ 1 - 199، القوانين الفقهية: ص 131 - 135، المهذب: 220/ 1 - 232، غاية المنتهى: 407/ 1 - 412.
وكيفيته: أن يغتسل أو يتوضأ قبل الإحرام، والغسل أفضل منه، ويلبس ثوبين جديدين أوغسيلين إزاراً ورداء، ويتطيب، ويصلي ركعتي الإحرام، في غير وقت الكراهة، ويقول:(اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي وتقبله مني)، ثم يلبي عقب صلاته، ناوياً بتلبيته الحج، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات، وفي الصعود والنزول والركوب ولقاء الرفقة، وبالأسحار.
فإذا لبى ناوياً فقد أحرم، فيمتنع عما نهى الله عنه من الرَّفث والفسوق والجدال (1)، ولا يقتل صيداً ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس مخيطاً ولا خفاً، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا ينتف أو يقص شعراً ولا ظفراً.
ولا بأس أن يغتسل بغير صابون؛ لأنه نوع طيب، وله أن يستظل بالبيت والمظلة، وأن يشد في وسطه الهِمْيان (وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط) ومثله المنطقة.
فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام بعد تأمين أمتعته، داخلاً ـ كماذكر الحنفية ـ من باب السلام خاشعاً متواضعاً، ملاحظاً عظمة البيت وشرفه، فإذا عاين البيت كبر الله تعالى وهلل ثلاثاً ودعا بما أحب، فإنه من أرجى مواضع الإجابة.
ثم يطوف غير المكي طواف القدوم؛ لأنه تحية البيت، مبتدئاً بالحجر الأسود، مستقبلاً له، مكبراً مهللاً (2)، رافعاً يديه كرفعهما للصلاة، مستلماً له بباطن كفيه، ثم مقبِّلاً له إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً (3)، ثم يدور حول الكعبة عن
(1) الرفث: الجماع، أو الكلام الفاحش، والفسوق: المعاصي: والجدال: الخصام مع الرفقة وغيرهم.
(2)
يقول: (لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، فحينا ربنا بالسلام، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمدصلّى الله عليه وسلم).
(3)
يقول في أثناء الطواف: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
يساره، ويطوف بالبيت سبعة أشواط، من وراء الحطيم (الحِجْر)، ويستلم الحجَر والركن اليماني في كل شوط يمر بهما، ويختم الطواف بالاستلام كما ابتدأ به، ثم يصلي عند مقام إبراهيم أو حيث تيسر من المسجد، في وقت مباح غير مكروه.
وليس على أهل مكة طواف القدوم، وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها، سقط عنه طواف القدوم، ولا شيء عليه لتركه.
ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعاً، يصعد على كل منهما، ويستقبل البيت، مكبراً مهللاً، مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم، داعياً الله تعالى بحاجته، ويرمل بين الميلين الأخضرين، مبتدئاً بالصفا، مختتماً بالمروة.
ثم يقيم بمكة محرماً، يطوف بالبيت كلما بدا له، ثم يخرج في ثامن ذي الحجة إلى منى، فيبيت فيها، ويصلي فيها خمس صلوات (الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر).
وفي اليوم التاسع يتوجه إلى عرفات، فيصلي مع الإمام أو منفرداً في مسجد نمرة صلاة الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، مستمعاً للخطبة بأذان واحد وإقامتين. ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف.
ثم يتوجه إلى الموقف، فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقف إلا بطن عُرَنة، وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته، ويدعو، ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يجتهد في الدعاء. ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحج. ومن مرَّ بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه، أو لم يعلم أنها عرفة، أجزأه ذلك عند الحنفية عن الوقوف.
فإذا غربت الشمس، أفاض الإمام والناس معه على هينتهم على طريق المأزمين، حتى يأتوا المزدلفة، فينزلوا بها. والمستحب أن ينزل بقرب جبل قُزَح وهو
المشعر الحرام. ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، بأذان واحد، وإقامة واحدة عند الحنفية، ولا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد أن يصلي المغرب في الطريق إلى المزدلفة، وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر.
فإذا طلع الفجر يوم النحر، صلى الإمام بالناس الفجر بغَلَس لأجل الوقوف، ثم وقف بمزدلفة وجوباً عند الحنفية ولو لحظة، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقف الناس معه، فدعا وكبر وهلل ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويلتقط حصى الرمي سبعين من المزدلفة.
والمزدلفة كلها موقف إلا بطن مُحَسِّر (وهو وادٍ بين منى ومزدلفة).
ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى، فيرمي جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حَصَيات مثل حصى الخذف، ويكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها؛ لأنه لا رمي بعدها، ويقطع التلبية مع أول حصاة (1)،إن رمى قبل الحلق، فإن حلق قبل الرمي قطع التلبية؛ لأنها لا تثبت مع التحلل.
ثم يذبح تطوعاً إن أحب لأنه مفرد، ثم يحلق أو يقصر بمقدار الأنملة، والحلق أفضل من التقصير، فيحل له حينئذ كل شيء إلا النساء، وإلا الصيد والطيب عند المالكية.
ثم يأتي مكة يوم العيد أو بعده بيوم أو يومين، فيطوف طواف الزيارة (وهو طواف الفرض) سبعة أشواط، ثم يسعى بين الصفا والمروة، إن لم يكن سعى عقيب طواف القدوم، ويرمل الذكر في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف،
(1) هذا رأي الجمهور، وقال المالكية: تقطع التلبية بزوال الشمس من يوم عرفة.
ويضطبع (1) فيه إن سعى الآن؛ لأن الرمل والاضطباع مشروعان في كل طواف بعده سعي.
ويكره تأخير الطواف عن الأيام الثلاثة (وهي يوم العيد ويومان بعده)، فإن أخره عنها، لزمه دم عند أبي حنيفة.
ثم يعود إلى منى، فيقيم بها لأجل الرمي ووقته ما بعد الزوال من اليوم الثاني من أيام النحر، مبتدئاً برمي الجمرة التي تلي مسجد الخَيْف بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها ويدعو؛ لأن بعده رمي، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويقف عندها ويدعو، ثم يرمي جمرة العقبة، ولكنه لا يقف عندها؛ لأنه ليس بعدها رمي.
ثم يرمي في اليوم الثالث الجمار الثلاث بعد زوال الشمس، وله أن يتعجل النفر إلى مكة بعدئذ أو يقيم لرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد الزوال بعد طلوع الفجر. وينزل بالمُحَصَّب (2) عند نفره إلى مكة.
وإذا أراد الحاج مغادرة مكة، طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها طواف الوداع أو الصَّدَر، وهو واجب عند الجمهور غير المالكية إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله، لفراغه من أعمال الحج.
والمرأة والخنثى المشكل في جميع ماسبق كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها، وتكشف وجهها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمُل في الطواف،
(1) الرمل: أن يسرع الطائف مشيه مقارباً خطاه، والاضطباع: جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ويكشفه إن تيسر، ويلقي طرفيه على عاتقه الأيسر، ولا يسن ذلك في ركعتي الطواف لكراهته في الصلاة، ثم يعيده عند إرادة السعي.
(2)
يقال له: الأبطح وخيف بن كنانة.