الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشوكاني (1): وأحق ما قيل في الجمع بين الأحاديث: أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب، فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال، وقوة مقارعة الأبطال، قيل له: أفضل الأعمال: الجهاد، وإذا كان كثير المال، قيل له: أفضل الأعمال: الصدقة، ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين.
وقال المالكية (2): الحج ولو تطوّعاً أفضل من الجهاد، إلا في حالة الخوف من العدو، فيفضل الجهاد على حج التطوع.
حكمة المشروعية:
يتحقق بالحج والعمرة فرض الكفاية وهو إحياء الكعبة كل سنة بالعبادة، وتمتاز العمرة عن الحج بإمكانها في كل أيام العام أو العمر، فهي أيسر من الحج الذي يتقيد بأيام معلومات.
وللحج فوائد شخصية وجماعية، أما أهم
فوائده الشخصية
فهي ما يأتي: يكفِّر الحج الذنوب الصغائر ويطهر النفس من شوائب المعاصي، وقال بعض العلماء كبعض الحنفية: والكبائر أيضاً، بدليل الحديث السابق:«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخل الجنة، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً:«من حج، فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمُّه» (3) أي بغير ذنب.
(1) نيل الأوطار: 282/ 4 ومابعدها.
(2)
الشرح الكبير: 10/ 2.
(3)
رواه عن أبي هريرة البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، والترمذي إلا أنه قال:«غفر له ماتقدم من ذنبه» والرفث: الفحش من القول، وقيل: هو الجماع. والفسق: المعصية.
وقال عليه السلام: «الحجاج والعُمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» (1) وقال أيضاً: «يُغْفَر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» (2).
قال القاضي عياض: أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، ولا قائل بسقوط الدين، ولو حقاً لله تعالى، كدين الصلاة والزكاة.
فالحج يغفر الذنوب، ويزيل الخطايا إلا حقوق الآدميين، فإنها تتعلق بالذمة، حتى يجمع الله أصحاب الحقوق، ليأخذ كل حقه، ومن الجائز أن الله تعالى يتكرم، فيرضي صاحب الحق بما أعد له من النعيم وحسن الجزاء، فيسامح المدين تفضلاً وتكرماً، فلا بد من أداء حقوق الآدميين، أما حقوق الله فمبنية على تسامح الكريم الغفور الرحيم.
والحج يطهر النفس، ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظن بالله تعالى.
ويقوي الحج الإيمان، ويعين على تجديد العهد مع الله، ويساعد على التوبة الخالصة الصدوق، ويهذب النفس، ويرقق المشاعر ويهيج العواطف نحو بيت الله العتيق.
ويذكر الحج المؤمن بماضي الإسلام التليد، وبجهاد النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الذين أناروا الدنيا بالعمل الصالح.
والحج كغيره من الأسفار يعوِّد الإنسان على الصبر وتحمل المتاعب، ويعلم
(1) رواه عن أبي هريرة النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهما:«وفد الله ثلاثة: الحاج، والمعتمر، والغازي» .
(2)
رواه البزار والطبراني في الصغير، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، ولفظهما:«اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» .