الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً ـ عمرة النبي صلى الله عليه وسلم:
روى الشيخان وأحمد عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر (1) في ذي القَعْدة إلا التي اعتمر مع حَجَتَّه: عُمرَته من الحُدَيْبِية، ومن العام المُقْبل، ومن الجِعْرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرته مع حَجته» فهي أربع عمر: عمرة الحديبية لزيارة البيت الحرام في السنة السادسة من الهجرة، وعمرة القضاء من السنة السابعة، وعمرة الجعرانة في السنة الثامنة في وادي حنين بين مكة والطائف، على بعد ثلاث ليال من مكة، والعمرة التي مع حجة الوداع في السنة التاسعة.
رابعاً ـ حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع:
روى مسلم وغيره (2) صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، وأحكام الفقه التي بلغت نيفاً وخمسين نوعاً، كما ذكر الإمام النووي رحمه الله عن أبي بكر بن المنذر رحمه الله.
ونص الحديث: قال جعفر بن محمد عن أبيه: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زِرِّي الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثَدْيي، وأنا يؤمئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك ياابن أخي، سل عما شئت، فسألته: وهو أعمى، وحَضَر وقت الصلاة، فقام في نَسَاجة (3) ملتحفاً بها كلما وضعها على مَنْكبه، رجع طرفاها إليه من صغَرها، ورداؤه إلى جَنْبه على المِشْجَب (4)،
(1) ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره (نيل الأوطار: 298/ 4).
(2)
رواه أيضاً أبو داود والنسائي والدارمي وابن أبي شيبة (انظر شرح مسلم: 170/ 8 - 195).
(3)
هي ثوب مُلفَّق على هيئة الطيلسان.
(4)
المشجب: اسم لأعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت.
فصلى بنا (1) فقلت: أخبرني عن حَجَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، فقال بيده، فعقد تِسْعاً فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ، فقدِم المدينةَ بشر كثير، يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله (3).
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماءُ بنت عُمَيس محمد بن أبي بكر، فأرسلتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي (4).
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد (5)، ثم ركب القَصْواء (6)، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرتُ إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثلَ ذلك، وعن يساره مثلَ ذلك، ومن خلفه مثلَ ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به. فأهَلَّ بالتوحيد (7): لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
(1) هذا المقطع ترحيب بالزائر وملاطفة له مما يليق به وتأنيسه.
(2)
المراد حجة الوداع.
(3)
هذا يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج.
(4)
الاستثفار: هو أن تشد المرأة في وسطها شيئاً وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها.
(5)
فيه استحباب ركعتي الإحرام.
(6)
قال ابن قتيبة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نوق: القصواء (التي قطع طرف أذنها) والجدعاء (التي قطع من أذنها أكثر من القصواء) والعضباء (مشقوقة الأذن)، وقال محمد بن إبراهيم التيمي التابعي وغيره: إن العضباء والقصواء والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(7)
يعني قوله: «لبيك لا شريك لك» . والتلبية معناها: إجابة إلى الدعاء، وإشعار للإقامة عليها.
والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك. وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهلُّون به، فلم يردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه، ولزم رسول لله صلى الله عليه وسلم تلبيته (1).
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة (2)، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن (3)، فَرَمل ثلاثاً، ومشى أربعاً (4)، ثم نَفَذ إلى مَقَام إبراهيم عليه السلام، فقرأ:{واتخِذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى} [البقرة:125/ 2]، فجعل المَقَام بينه وبين البيت (5).
فكان أبي يقول ـ ولا أعلم ذكَره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين: {قل: هو الله أحد} [الإخلاص:1/ 112] و {قل: يا أيها الكافرون} [الكافرون:1/ 109]. ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا (6)، فلما دنا من الصفا قرأ:{إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة:2/ 158]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرَقَى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبَّره، قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهوعلى كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده،
(1) فيه دليل على استحباب الاقتصار على تلبية رسول الله، كما قال أكثر العلماء منهم مالك والشافعي. دون زيادة، كقول ابن عمر: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل. وعن أنس: لبيك حقاً تعبداً ورقاً.
(2)
فيه دليل لمن قال بترجيح الإفراد.
(3)
أي مسح الحجر بيده، في بدء الطواف. وفيه أن يسن لمن دخل مكة قبل الوقوف بعرفات طواف القدوم.
(4)
فيه سنية الرمل في الأشواط الثلاثة الأول والمشي على العادة في الأربع الأخيرة. والرمل: أسرع المشي مع تقارب الخطا.
(5)
فيه سنية صلاة ركعتي الطواف خلف المقام، أو في الحِجْر أو في المسجد، أو في مكة وسائر الحرم.
(6)
فيه استحباب العود بعد صلاة ركعتي الطواف لاستلام الحجر، ثم يخرج من باب الصفا ليسعى.
وهزم الأحزاب وحده (1)، ثم دعا بين ذلك، قال مثلَ هذا ثلاثَ مرات.
ثم نزل إلى المَرْوة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى، حتى إذا صعدتا، مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا (2).
فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرتُ، لم أسق الهدي (3)، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْي، فلَيحِلَّ وليَجْعلْها عمرة.
فقام سراقة بن مالك بن جُعْشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج (4) ـ مرتين، لا بل لأبد أبد.
وقدم علي من اليمن ببُدْن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن حَلَّ، ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها (5). فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشاً على فاطمة، للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذَكَرت عنه، فأخبرتُه أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: صَدقَتْ صدقت، ماذا قلتَ حين فَرَضْتَ الحج (6)؟ قال: قلتُ: اللهم إني أُهِلُّ بما أَهَلَّ به رسولك (7)،قال: فإن معي الهدي، فلا تحِلَّ.
(1) معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا بسبب من جهتهم. والأحزاب: الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في شوال سنة أربع هجرية.
(2)
فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثلما يسن على الصفا.
(3)
أي لو علمت آخراً ما علمت أولاً لما سقت الهدي.
(4)
معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، فأبطل ذلك عادة العرب وزعمهم أن العمرة في أشهر الحج ممنوعة (شرح مسلم: 166/ 8 ومابعدها).
(5)
فيه جواز إنكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها، لأنه ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره.
(6)
أي أوجبته على نفسك، والمقصود: ماذا نويت؟
(7)
فيه جواز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان.
قال: فكان جماعةُ الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مئةً، قال: فحلَّ الناس كلُّهم، وقصَّروا (1)، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.
فلما كان يوم التروية (2)، توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحج (3)، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر (4)، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقُبَّة من شَعَر تضرب له بنمِرة (5).
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية (6)، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم (7) حتى أتى عرفة (8)، فوجد القبَّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها (9)، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحِلَت له (10)، فأتى بطن الوادي (11)، فخطب الناس (12) وقال:
(1) كلهم أي معظمهم؛ لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي. والتقصير مع أن الحلق أفضل لإبقاء شعر يحلق في الحج.
(2)
هو اليوم الثامن من ذي الحجة.
(3)
فيه أن الأفضل لمن كان بمكة وأراد الإحرام بالحج أن يحرم يوم التروية، وهومذهب الشافعي وموافقيه.
(4)
فيه سنية أداء الصلوات الخمس بمنى.
(5)
نمرة: موضع بجنب عرفات وليست من عرفات.
(6)
معناه أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف في المشعر الحرام: وهو جبل في المزدلفة، يقال له: قزح؛ لأن المزدلفة من الحرم.
(7)
أي جاوز المزدلفة، ولم يقف بها، وتوجه إلى عرفات.
(8)
أي قارب عرفات، بدليل إقامة القبة له في نمرة.
(9)
أي بنمرة، وفيه أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جمعاً خلاف السنة.
(10)
أي جعل عليها الرحل بعد زوال الشمس أي دخول وقت الظهر.
(11)
هو وادي عُرَنة، ليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء إلا مالكاً فقال: هي من عرفات.
(12)
فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء إلا المالكية.
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا (1)، ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضَع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسْتَرضَعاً في بني هُذَيل، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ـ ربا عبَّاس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله (2).
فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله (3)، واستحللتم فروجهن بكلمة الله (4)، ولكم عليهن ألا يُوطئن فُرُشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح (5)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (6).
وقد تركت فيكم ما لَنْ تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتابُ الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحت. فقال بإصبِعَه السبَّابة يرفعها إلى السماء، وينكُتُها إلى الناس (7): اللهم اشهد، ثلاث مرات.
ثم أذَّن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً (8).
(1) معناه متأكدة التحريم شديدته.
(2)
فيه إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض. وقوله عليه السلام: «تحت قدمي» إشارة إلى إبطاله. وكون الربا موضوع كله: معناه الزائد على رأس المال باطل يرد إلى أصحابه، فالوضع: الرد والإبطال.
(3)
فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف.
(4)
أي بإباحة الله، والكلمة: قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء:3/ 4].
(5)
المراد ألا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء أكان أجنبياً أم أحداً من محارم الزوجة أو امرأة. والضرب غير المبرح أي الذي ليس بشديد ولا شاق.
(6)
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها.
(7)
أي يقلبها ويرددها إلى الناس، مشيراً إليهم.
(8)
فيه مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بإجماع الأمة في ذلك اليوم، وهو إما بسبب النسك عند أبي حنيفة أو بسبب السفر عند الشافعي.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف (1)، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخَرَات (2)، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة (3)، فلم يَزَل واقفاً حتى غَرَبت الشمسه (4)، وذهبت الصُّفْرة قليلاً حتى غاب القُرْص، وأردف أسامة خلفه (5)، ودفَع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شَنَق للقصواء الزِّمام، حتى إن رأسها ليُصيب مَوْرِك رَحْله (6)، ويقول بيده اليمنى:
أيها الناس، السكينةَ السكينةَ، كلما أتى حَبْلاً من الحبال (7)، أرخى لها قليلاً حتى تَصْعَد.
حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبِّح بينهما شيئاً (8).
ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (9)، وصلى الفجر حتى تبيَّن له الصبح بأذان وإقامة.
(1) أي مكان الوقوف بعرفة مقابل الصخرات أمام الجبل.
(2)
يستحب أن يقف عند الصخرات المفترشات في أسفل جبل الرحمة: وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات.
(3)
فيه استحباب استقبال الكعبة في الوقوف. وحبل المشاة: أي مجتمعهم.
(4)
يندب الوقوف إلى ما بعد المغرب، وهو مذهب الجمهور، وقال مالك: لا يصح الوقوف في النهار منفرداً، بل لا بد من الليل وحده.
(5)
فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة.
(6)
شنق: ضم وضيق. ومورك الرحل: هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب. وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة.
(7)
أي ألزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة. ففيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة أسرع، كما في الحديث الآخر. والحبل: التل اللطيف من الرمل الضخم.
(8)
فيه استحباب جمع التأخير بين المغرب والعشاء، وهو عند أبي حنيفة بسبب النسك فيجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم، وعند الشافعية بسبب السفر فلا يجوز إلا لمسافر مسافة مرحلتين. ومعنى «لم يسبح» لم يصل بينهما نافلة، والنافلة تسمى سبحة لاشتمالها على التسبيح.
(9)
فيه أن المبيت بالمزدلفة نسكٌ واجب، والسنة أن يبقى بالمزدلفة حتى يصلي بها الصبح إلا الضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر.
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام (1)، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره وهلَّله ووحدَّه، فلم يزل واقفاً حتى أسفر (2) جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبَّاس، وكان رجلاً حسن الشَّعْر أبيض وسيماً (3)، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرَّت به ظُعُن (4) يجرين، فطفِق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل (5)، فحوَّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر، فحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر (6)، فحرَّك قليلاً.
ثم سلك الطريق الوسطى (7) التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة (8). فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخَذْف (9)، رمى من بطن الوادي.
ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً، فنحر ما
(1) هو جبل معروف في المزدلفة وهو قُزَح، وقال جمهور المفسرين وأهل السير والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة.
(2)
يعود الضمير إلى الفجر ومعناه إسفاراً بليغاً.
(3)
أي حسناً والمقصود أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه.
(4)
الظعن جمع ظعينة، وأصل الظعينة، البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازاً لملابستها البعير.
(5)
فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات وغضهن عن الرجال الأجانب.
(6)
سمي بذلك لأن فيه أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيا وكل.
(7)
فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة.
(8)
الجمرة الكبرى: هي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة، وفيه أن السنة البدء بهذه الجمرة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها.
(9)
هو نحو حبة الباقلاء، وينبغي ألا تكون أكبر ولا أصغر، بشرط كونها حجراً وهو رأي الجمهور، جوز أبو حنيفة الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض ولو من المعادن.