الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الطبري بعد أن أورد الخلاف بين العلماء في بقاء أو نسخ سهم المؤلفة: والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جعل الصدقة في معنيين:
أحدهما ـ سد خَلَّة المسلمين، والآخر ـ معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معرفة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنياً كان أو فقيراً للغزو ـ الجهاد ـ لا لسد خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك، وإن كانوا أغنياء، بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وعز أهله، فلا حجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت (1).
2 - الأحوال التي يستعمل فيها هذا السهم، ومدى حاجة الإسلام والمسلمين إليه في هذا الزمان:
المؤلفة قلوبهم كما ذكر النووي وغيره قسمان: مسلمون وكفار (2). أما الكفار فنوعان: نوع يرجى خيره، وآخر يخاف شره. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم، وقد أوضحت أن الراجح دوام إعطائهم عند الحاجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يثبت النسخ بدليل معتبر، والحاجة تتكرر في كل زمان، وتقتضيها أحوال النفوس في القوة والضعف.
(1) تفسير الطبري: 113/ 10.
(2)
المجموع: 206/ 6 وما بعدها، كشاف القناع: 325/ 2 وما بعدها، ونقل ذلك السيد رشيد رضا في تفسير المنار: 574/ 10 وما بعدها.
وأما المسلمون فهم أربعة أنواع:
أحدها ـ قوم لهم شرف وهم السادة المطاعون في عشائرهم: فيعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم.
والثاني ـ قوم أسلموا، ونيتهم في الإسلام ضعيفة: فيعطون لتقوى نيتهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، لكل منهم مئة من الإبل، كما تقدم. ويعطون بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن المعنى الذي به أعطوا قد يوجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
والثالث ـ قوم يليهم قوم من الكفار أن أعطوا قاتلوهم.
والرابع ـ قوم يليهم قوم من أهل الصدقات أن أعطوا جبوا الصدقات.
والخلاصة: يكون مجموع الفريقين ستة أصناف.
يتبين من هذا أن أحوال استعمال سهم المؤلفة قلوبهم كثيرة، ويقدر ولي الأمر المسلم المصلحة في إعطائهم في كل زمان أخذاً برأي الحنابلة والشيعة مطلقاً، وعملاً باتفاق الفقهاء إذا كانوا مسلمين حديثي عهد بالإسلام، ليتمكن الإسلام في قلوبهم.
ويمكن إيراد أمثلة واقعية في عصرنا لأحوال المؤلفة:
أولاً ـ درء المخاطر والمفاسد عن المسلمين: إذا كان بعض غير المسلمين في موقع استراتيجي حيوي يمكن أن ينفذ منه الأعداء، ويدخلوا إلى بلاد الإسلام، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة لدفع الأخطار وحماية البلاد ورعاية المصالح الإسلامية. فقد نص الفقهاء على إعطاء المؤلفة إذا كان يرجى بعطائهم النصح في الجهاد، أو الدفع عن المسلمين، بأن كانوا في الثغور أطراف بلاد الإسلام، أو كف شرهم كالخوارج ونحوهم.
ثانياً ـ الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد: إذا احتاج المسلمون إلى الاستعانة بغيرهم في الحروب، إما لضعف في المسلمين، أو لتوافر خبرة فنية عسكرية في غيرهم، أو لأغراض حربية أخرى، فيجوز صرف جزء من الزكاة في هذا المجال، للضرورة والمصلحة.
ثالثاً ـ جباية الصدقات ونحوها: إذا تعذرت جباية الصدقات ونحوها من ضرائب الخراج والعشور (الرسوم الجمركية) وأمكن استيفاؤها من طريق بعض الكفار، فلا مانع من إعطائهم شيئاً من الزكاة، لأن بهذا العطاء يحصل المسلمون على أموال أخرى متعذرة التحصيل أو ميئوسة الدفع. والفقهاء نصوا على إعطاء المؤلفة إذا كان لهم قوة على جباية الزكاة ممن لا يعطيها إلا بالتخويف والتهديد.
رابعاً ـ نشر الدعوة الإسلامية ومقاومة وسائل التبشير: إن إرساليات التبشير بالنصرانية وحملات التنصير في بعض البلاد الإسلامية كأفريقيا وأندونيسيا وغيرها، تحتاج لمزيد من المقاومة والحد منها وإيقاف أنشطتها بمختلف الوسائل، وحينئذ يمكن صرف جزء كبير من الزكاة في هذا المجال، كما يجوز إعطاء الزكاة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية بمختلف الطرق، سواء بالمبعوثين المتخصصين، أم بطباعة الكتب الصغيرة التي تعرّف بالإسلام وترد على اتهامات ودسائس وشبهات المغرضين، لأن الهدف الأصلي من تشريع سهم المؤلفة هو الترغيب في الإسلام وتثبيت عقيدته بين الناس.
خامساً ـ الإسهام في تخفيف ويلات الكوارث من زلازل وفيضانات ومجاعات على أن تكون مقرونة بالدعوة إلى الإسلام: إذا كان المبشرون وبعض الدول النصرانية يستغلون هذه الحالات، ويبادرون إلى تقديم بعض المساعدات المادية والغذائية للمحتاجين، فأولى بنا نحن المسلمين أن نسهم بأقصى ما وسعنا من