الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مال، وادعى هلاكه، لم يقبل إلا ببينة، ولو ادعى عيالاً فلا بد من البينة في الأصح.
والجلي: نوعان: أحدهما ـ يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل، وذلك في الغازي وابن السبيل، فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين. ثم إن لم يحققا ما ادعيا، ولم يخرجا، استرد منهما ما أخذا، ويترصد للخروج بحسب المعتاد على وجه التقريب.
والثاني ـ يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال، وهذا النوع يشترك فيه بقية الأصناف، فالعامل إذا ادعى العمل طولب بالبينة، وكذلك المكاتب والغارم. وأما المؤلف قلبه: فإن قال: نيتي ضعيفة في الإسلام، قبل قوله؛ لأن كلامه يصدقه، وإن قال: أنا شريف مطاع في قومي، طولب بالبينة. قال الرافعي من الشافعية: واشتهار الحال بين الناس قائم مقام البينة في كل من يطالب بها من الأصناف، لحصول العلم أو الظن بالاستفاضة.
سابعاً ـ شروط المستحقين أو أوصافهم:
اشترط الفقهاء في مستحق الزكاة شروطاً خمسة هي ما يأتي (1):
1 - أن يكون فقيرا ً
إلا العامل فإنه يعطى ولو كان غنياً لأنه يستحقه أجرة ولأنه فرغ نفسه لهذا العمل، فيحتاج إلى الكفاية، وإلا ابن السبيل إذا كان له في
(1) البدائع: 43/ 2 - 48، فتح القدير: 21/ 2 - 29، الفتاوى الهندية: 176/ 1، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 81/ 2 - 90، 94، الشرح الكبير: 494/ 1 ومابعدها، بداية المجتهد: 267/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير: 659/ 1 - 668، مغني المحتاج: 112/ 3، بجيرمي الخطيب: 319/ 2، المهذب: 174/ 1 - 175، المجموع: 244/ 6 - 248، حاشية الباجوري: 295/ 1، كشاف القناع: 317/ 2 - 344، المغني: 646/ 2 - 650، 661، أحكام القرآن لابن العربي: 945/ 2 - 963.
وطنه مال، فهو بمنزلة الفقير؛ لأن الحاجة هي المعتبرة، وهو الآن فقير يداً، وإن كان غنياً ظاهراً، وإلا المؤلف والغازي في رأي الشافعية والحنابلة.
والفقر شرط عام لصرف جميع الصدقات المفروضة والواجبة كالعشور والكفارات والنذور وصدقة الفطر، لعموم قوله تعالى:{إنما الصدقات للفقراء} [التوبة:60/ 9].
وعليه لا يجوز صرف الزكاة وغيرها من الواجبات لغني، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لاتحل الصدقة لغني، ولا ذي مِرّة سوي» (1) وجاز دفع الزكاة لأربعة أو خمسة من الأغنياء: وهم العامل، والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين عند الشافعية والحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل، أو رجل اشتراها بماله، أوغاز في سبيل الله، أو لغارم، أو مسكين تُصدِّق عليه منها فأهدى منها لغني» (2).
والغني عند الحنفية (3): هو من ملك قدر نصاب فارغ عن حاجته الأصلية من أي مال. فيعطى من الزكاة من كان يملك أقل من نصاب شرعي، ولو كان صحيحاً قوياً قادراً على الكسب؛ لأنه فقير والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها، فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب، فلا بأس أن يعطى من الزكاة من له مسكن وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن،
(1) رواه أبو داود والترمذي من حديث عمرو بن العاص. والمرّة: القوة والشدة، والسوي: المستوي الخلْق، التام الأعضاء.
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه.
(3)
الدر المختار: 88/ 2،96، البدائع: 48/ 2، فتح القدير: 27/ 2 ومابعدها، قالوا: لو دفع الزكاة إلى أخته، ولها على زوجها مهر يبلغ نصاباً، وهو ملي مقر، ولو طلبت لا يمتنع عن الأداء، لا تجوز، وإلا جاز.
وكتب العلم إن كان من أهله؛ لأن هذه الأشياء من الحوائج الأصلية اللازمة التي لابد منها للإنسان، فإن كان له فضل عن ذلك تبلغ قيمته مئتي درهم، حرم عليه أخذ الصدقة. ويجوز أداء الزكاة للمكاتب وإن حصل نصاباً زائداً عن بدل الكتابة، ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً من أي مال كان؛ لأن الغنى الشرعي مقدر به.
والغني عند المالكية (1): هو من ملك كفايته لمدة سنة، والفقير: هو من ملك من المال أقل من كفاية السنة، فيعطى من الزكاة ولو ملك نصاباً فأكثر لكنه لا يكفيه لعامه، ولو كان قوياً قادراً على الكسب أي كسب ما يكفيه بصنعة تارك لها وغير مشتغل بها، ولو كان تركه التكسب بها اختياراً على المشهور. ومن لم يجد كفاية سنة ويقوم بالإنفاق عليه نحو والد أو بيت مال بمرتب لا يكفيه من أكل وكسوة، أو من صنعة لا تكفيه، فيعطى من الزكاة.
والغني عند الشافعية (2): من كانت عنده الكفاية في عمره الغالب وهو اثنان وستون سنة، إلا إذا كان له مال يتجر فيه، فيعتبر ربحه في كل يوم، فإن كان أقل من نصف الكفاية في ذلك اليوم، فهو فقير. وكذا إذا جاوز العمر الغالب فالعبرة بكل يوم على حدة، فإن كان له مال أو كسب لا يكفيه في نصف اليوم فهو فقير.
والفقير: هو من لا مال له أصلاً ولا كسب حلال، وله مال أو كسب حلال لا يكفيه بأن كان أقل من نصف الكفاية، ولم يكن له منفق يعطيه ما يكفيه كالزوج بالنسبة للزوجة. والمعتبر: كسب يليق بحاله ومروءته، وأما ما لا يليق به فهو كالمعدوم. وتحل الزكاة لطالب العلوم الشرعية؛ لأن تحصيل العلم فرض كفاية، ويخاف من الإقبال على الكسب الانقطاع عن التحصيل.
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 494/ 1.
(2)
المجموع: 197/ 6 - 202، مغني المحتاج: 107/ 3 - 108،246.
والمسكين: هو من قدر على مال أو كسب حلال يساوي نصف ما يكفيه في العمر الغالب.
ولا يعطى الفقير أو المسكين من الزكاة إذا كان قادراً على الكسب، للحديث السابق عند أبي داود بإسناد صحيح:«لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب» .
لكن تعطى الزكاة للعبد المكاتب ولو مع القدرة والكسب.
والخلاصة: لا يمنع الفقير مسكنه وثيابه وماله الغائب في مسافة مرحلتين (مسافة القصر) ودينه المؤجل وكسب لا يليق به، ولايشترط فيه الزمانة ولا التعفف عن المسألة في الجديد، والمكفي بنفقة قريب أو زوج ليس فقيراً في الأصح. ولو اشتغل بعلم والكسب يمنعه من اشتغاله بذلك، فهو فقير.
والغني عند الحنابلة (1) في أظهر الروايتين عن أحمد: هو من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسب أو تجارة أو عقار أو نحو ذلك، لحديث أبي داود والترمذي:«الغنى: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب» والفقير: من لا يجد شيئاً البتة (أي قطعاً)،أو يجد شيئاً يسيراً من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعاً من كفايته، كدرهمين من عشرة. والمسكين: من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره. فيعطى كل منهما كفايته مع عائلته سنة. ولا يعطى كل منهما من الزكاة إذا كان قادراً على الاكتساب إذ إنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، كما روى أبو داود. لكن إذا تفرغ القادر على التكسب لطلب العلم، وتعذر الجمع بين طلب العلم والتكسب، يعطى من الزكاة، ولا يعطى إذا تفرغ للعبادة، لقصور نفعها.
(1) كشاف القناع: 317/ 2، 319، 334 ومابعدها، المغني: 661/ 2.