الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بفعل النبي صلى الله عليه وسلم (1). ويستقبل القبلة في رمي الجمرات أيام التشريق، ويرمي الجمرتين الأوليين من علوّ، ويدنو من الجمرة في رمي أيام التشريق بحيث لا يبلغه حصى الرامين، وفي حال الاستقبال تكون مكة جهة يساره ومنى جهة يمينه. والحاصل أنه يرمي الجمرتين الأوليين من فوقهما، والعقبة من أسفلها، ويدعو بعد الجمرة الأولى والثانية وينصرف بعد جمرة العقبة من غير دعاء.
4 -
يرمي عند الشافعية راجلاً، لا راكباً إلا في يوم النفر، فالسنة أن يرمي راكباً لينفر عقبه، وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه يرمي راكباً إن كان أتى منى راكباً». وقال الحنابلة: يرميها راكباً أو راجلاً كيفما شاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «رماها على راحلته (2)» . وقال الحنفية والمالكية: الأفضل الرمي ماشياً، أو راكباً.
5 -
يكبر مع كل حصاة، فيقول:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا إله إلا الله وحده صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله أكبر) ودليل التكبير: ما ثبت في أحاديث جابر المتقدم وابن مسعود وابن عمر (3). وإن قال: «اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً» فحسن؛ لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان نحو ذلك.
ثم يقف مستقبل القبلة ويدعو، ويذكر الله تعالى، ويهلل ويسبح بعد رمي الجمرة الأولى، بقدر قراءة سورة البقرة، وكذا بعد رمي الثانية، لا الثالثة، بل يمضي في طريقه بعد رميها للاتباع في ذلك، كما روى البخاري، إلا بقدر سورة البقرة، فرواه البيهقي من فعل ابن عمر.
6 -
يقطع التلبية عند الجمهور مع أول حصاة في رمي جمرة العقبة، إن رمى قبل الحلق، وإن حلق قبل الرمي قطع التلبية؛ لأنها لا تثبت مع التحلل كما ثبت في حديث جابر الطويل المتقدم وغيره. وقال المالكية كما بينا: يقطع التلبية من ظهر يوم عرفة.
7 -
يستحب أن يكون الحجر عند الجمهور مثل حصى الخذف، لا أكبر ولا أصغر. وشرط المالكية ذلك، فلو رمى بأكبر منه كره وأجازه بالاتفاق، وكذا لو رمى بأصغر منه أجزأه مع الكراهة عند الجمهور، ولا يجزئ صغير جداً عند المالكية.
8 -
ويستحب أن يكون الحجر طاهراً، فلو رمى بنجس كره وأجزأه. ويكره أن يرمي بما أخذه من المسجد أو من الحرم أو من الموضع النجس، أو بما رمى به غيره، ولو رمى بشيءٍ من ذلك أجزأه.
ويندب عند المالكية وغيرهم تتابع الحصيات بالرمي، فلا يفصل بينها بشاغل من كلام أو غيره، ولا تجب موالاة الرمي.
سابعاً ـ حكم تأخيرر الرمي عن وقته:
رمي الجمار واجب كما عرفنا، فإن تأخرعن وقته أو فات، وجب دم، على النحو المقرر فقهاً، فقال الحنفية (4): إذا ترك من جمار يوم النحر حصاة أو حصاتين
(1) روى البخاري عن ابن عمر قال مبيناً فعل النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فيرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رماها بحصاة، ثم ينصرف، ولا يقف عندها» (نصب الراية: 77/ 3).
(2)
رواه مسلم عن جابر في حديثه الطويل، ورواه أحمد عن ابن عمر.
(3)
نصب الراية:76/ 3 ومابعدها.
(4)
البدائع: 2/ 138، اللباب: 1/ 205.
أو ثلاثاً إلى الغد، فإنه يرمي ما ترك أو يتصدق لكل حصاة نصف صاع من حنطة (1) إلا أن يبلغ قدر الطعام دماً فينقص ما شاء. والأصل أن ما يجب في جميعه دم يجب في أقله صدقة، فلو ترك الرمي كله إلى الغد، كان عليه دم عند أبي حنيفة، فإذا ترك أقله تجب عليه الصدقة إلا أن يبلغ دماً، وإن ترك الأكثر منها فعليه دم في قول أبي حنيفة؛ لأن في جميعه دماً عنده، فكذا في أكثره.
وإن ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أىام الرمي، وهو اليوم الرابع، فإنه يرميها فيه على الترتيب، وعليه دم عند أبي حنيفة؛ لأن الرمي مؤقت عنده.
ولو ترك رمي الكل وهو الجمار الثلاث لزمه دم عند أبي حنيفة؛ لأن جنس الجناية واحد، حظرها إحرام واحد، فيكفيها دم واحد، كما لو حلق ربع رأسه، فإنه يجب عليه دم واحد، ولو حلق جميع رأسه يلزمه دم واحد أيضاً، وكذا لو طيب عضواً واحداً أو طيب أعضاءه كلها، أو لبس ثوباً واحداً أو لبس ثياباً كثيرة، لا يلزمه في ذلك كله إلا دم واحد.
فإذا ترك رمي الكل حتى غربت الشمس من آخر أيام التشريق وهو آخر أيام الرمي، يسقط عنه الرمي، وعليه دم واحد باتفاق الحنفية، لفوات وقته، وتعذر القضاء، وتركه الواجب عن وقته.
وقال المالكية (2): إذا أخر رمي حصاة فأكثر من الجمار لليل أو ليوم بعده، وجب عليه دم، لخروج وقت الأداء وهو النهار، ودخول وقت القضاء.
ويقضي رمي جمرة العقبة أو اليوم الثاني أو الثالث قبل غروب شمس اليوم الرابع، سواء أخره لعذر أم لا، أو خالف ترتيب الجمرات، وعليه دم.
(1) الصاع الشرعي أو البغدادي 2751 غراماً.
(2)
الشرح الصغير: 63/ 2، 68، الشرح الكبير مع الدسوقي: 47/ 2 ومابعدها.
ويفوت الرمي بغروب الرابع، وعليه دم. ويلزم الدم أيضاً العاجز إذا استناب في الرمي، ويأثم أيضاً إذا لم يستنب لتقصيره، وعلى النائب دم ثان إن أخر الرمي لليل لغير عذر.
وقال الشافعية (1): إذا ترك رمي يوم أو رمي جمرة العقبة يوم النحر، تداركه في باقي الأيام من أيام التشريق في الأظهر، عملاً بنص الحديث المبيح لتأخير الرمي للرعاء وأهل السقاية، وبالقياس عليهم في غيرهم، إذ لا فرق بين المعذور وغيره، كما في الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة، ولا دم عليه إن تداركه لحصول الانجبار بالمأتي به، وإن لم يتداركه فعليه دم في رمي يوم أو يومين أو ثلاثة أو يوم النحر مع أيام التشريق، لاتحاد جنس الرمي، فأشبه حلق الرأس. والمذهب وجوب دم كامل في ترك ثلاث حصيات؛ لأن الثلاث أقل الجمع، كما لو أزال ثلاث شعرات متواليات، وروى البيهقي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قال:«من ترك نسكاً فعليه دم» وفي ترك الحصاة الواحدة مدّ، وفي الثنتين مدّان.
وقال الحنابلة (2): إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق، ترك السنة، ولا شيء عليه، كما قال الشافعية، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني، ثم الثالث؛ لأن أيام التشريق وقت للرمي، فإن أخره من أول وقته إلى آخره، لم يلزمه شيء، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته، ولأنه وقت يجوز الرمي فيه، فجاز في آخره كاليوم الأول.
ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء وإنما هو أداء، مع ترك الأفضل؛ لأنه وقت واحد.
(1) مغني المحتاج: 508/ 1 ومابعدها.
(2)
المغني: 455/ 3 ومابعدها، غاية المنتهى: 410/ 1، 414، 415، 421.