الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمبيت بمنى ليالي منى واجب، لكن إن ترك المبيت بمنى، فلا شيء عليه كما قال الحنفية؛ لأن الشرع لم يرد فيه بشيء. وروي عن أحمد أيضاً: في الليالي الثلاث دم، لقول ابن عباس:«من ترك من نسكه شيئاً، أو نسيه فليهرق دماً» .
المطلب الثالث ـ الحلق أو التقصير:
هو إزالة شعر الرأس أو التقصير في حج أو عمرة في وقته.
وأبحث هنا وجوبه، مقدار الواجب، زمانه ومكانه، أثره المترتب عليه، حكم تأخيره عن زمانه ومكانه (1).
أولاً ـ وجوب الحلق أو التقصير:
رأى الجمهور: أن الحلق أو التقصير نسك واجب، لقوله تعالى:{ثم ليقضوا تفثهم} [الحج:29/ 22] والتفث ـ كما قال ابن عمر: «حلاق الشعر ولبس الثياب وما يتبع ذلك» ، ولما روى أنس:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة، فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس» (2)، وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للمُحلِّقين، قالوا: يا رسول الله، وللمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله، وللمقصرين؟ قال: وللمقصرين (3)» .
ورأى الشافعية: أن الحلق أو التقصير ركن في الحج والعمرة؛ لأنه نُسُك
(1) البدائع: 140/ 2 - 142، بداية المجتهد: 340/ 1، الشرح الكبير: 46/ 2، الشرح الصغير: 59/ 2، 62، 73، مغني المحتاج: 502/ 1، 513، المغني: 434/ 3 - 439، غاية المنتهىِ: 412/ 1، القوانين الفقهية: ص 134، الإىضاح: ص 58، 63.
(2)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود (نيل الأوطار: 68/ 5).
(3)
متفق عليه (نيل الأوطار: 69/ 5).
على المشهور؛ لأن الحلق أفضل من التقصير للذكر، والتفضيل إنما يقع في العبادات دون المباحات، وروى ابن حبان في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لكل من حلق رأسه، بكل شعرة سقطت: نور يوم القيامة» .
ولا حلق على المرأة بالاتفاق، وإنما عليها التقصير، فهو سنة المرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير» (1) وأخرج الترمذي عن علي حديث: «نهى أن تحلق المرأة رأسها» (2) وتقصيرها بأن تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة، لما روي عن عمر رضي الله عنه حينما قيل له:«كم تقصر المرأة؟ فقال: مثل هذه» ، وأشار إلى أنملته.
وليس على الحاج عند الحنفية إذا حلق أن يأخذ شيئاً من لحيته؛ لأن الواجب حلق الرأس بالنص وهو قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلِّقين رؤوسكم ومقصرين} [الفتح:27/ 48] وقال الشافعية: يسن أن يأخذ من شاربه أو لحيته شيئاً، ليكون قد وضع من شعره شيئاً لله تعالى.
والأصلع الذي لا شعر على رأسه يجب عند الحنفية أن يُمر الموسى على رأسه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«وما أمرتكم به، فأتوا منه ما استطعتم» (3) فصاحب الشعر يجب عليه إزالته، وإمرار الموسى على رأسه، فإذا سقط أحدهما لتعذره وجب الآخر، فإذا عجز عن تحقيق الحلق، فلم يعجز عن التشبه بالحالقين.
ويستحب عند الجمهور إمرار الموسى على رأس الأصلع، لقول ابن عمر:«من جاء يوم النحر، ولم يكن على رأسه شعر، أجرى الموسى على رأسه» .
(1) رواه الدارقطني وأبو داود عن ابن عباس (نيل الأوطار: 70/ 5).
(2)
وروت عائشة مثله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تحلق رأسها» .
(3)
رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، ولفظه: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به
…
».