الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أسلم الكافر في شهر رمضان، صام ما يستقبل من بقية شهره، وليس عليه قضاء ما سبق بالاتفاق، لقوله تعالى:{قل للذين كفروا: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال:38/ 8]، ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيراً عن الإسلام. والردة تمنع صحة الصوم، لقوله تعالى:{لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر:65/ 39].
أما إن أسلم الكافر في أثناء النهار، فيلزمه عند الحنابلة إمساك بقية اليوم، وقضاؤه، لأنه أدرك جزءاً من وقت العبادة، فلزمته، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة، ويستحب الكف عن الأكل عندالحنفية والمالكية والشافعية مراعاة لحرمة أو لحق الوقت بالتشبه بالصائمين، كما يستحب القضاء عند المالكية، ولا يلزم عند الحنفية. ولا قضاء عليه في الأصح عند الشافعية لعدم التمكن من زمن يسع الأداء، ولا يلزمه إمساك بقية النهار في الأصح؛ لأنه أفطر لعذر فأشبه المسافر والمريض. لكن إن أسلم المرتد، وجب عليه عند الشافعية والحنابلة قضاء ما تركه في حال الكفر؛ لأنه التزم ذلك بالإسلام، فلم يسقط ذلك بالردة كحقوق الآدميين.
2 - 3 - البلوغ والعقل:
فلا يجب الصوم على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران، لعدم توجه الخطاب التكليفي لهم بعدم الأهلية للصوم، المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم:«رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» فمن زال عقله غير مخاطب بالصوم في حال زوال العقل، ولا يصح الصوم من المجنون والمغمى عليه والسكران لعدم إمكان النية منه.
ويصح الصوم من الصبي المميز أو المميزة كالصلاة، ويجب عند الشافعية
والحنفية والحنابلة على وليه أمره به إذا أطاقه بعد بلوغه سبع سنين، وضربه حينئذ على الصوم بعد بلوغه عشر سنين، إذا تركه ليعتاده، كالصلاة، إلا أن الصوم أشق، فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصيام.
وقال المالكية: لا يؤمر الصبيان بالصوم بخلاف الصلاة، فلا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الفتاة، وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة.
فإذا بلغ الصبي أثناء اليوم أمسك عند الحنفية بقية اليوم، كما لو أسلم الكافر، وصام ما بعده من الأيام، لتحقق السببية والأهلية، ولم يقض اليوم الذي تأهل فيه، ولا ما مضى قبله من الشهر، لعدم الخطاب بعدم الأهلية له. ومن أغمي عليه في رمضان، لم يقض عند الحنفية اليوم الذي حدث فيه الإغماء، لوجود الصوم، وهو الإمساك المقرون بالنية، إذ الظاهر وجودها منه؛ لأن ظاهر حال المسلم في ليالي رمضان عدم الخلو عن النية. وقضى ما بعده من الأيام لانعدام النية. وإن أغمي عليه أول ليلة قضاه كله غير يوم تلك النية، لأن ظاهر حال المسلم نية الصوم.
ومن أغمي عليه رمضان كله، قضاه؛ لأنه نوع مرض يُضعف القُوى، ولا يزيل الحجا، فيصير عذراً في التأخير، لا في الإسقاط.
وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان، قضى ما مضى منه؛ لأن السبب ـ وهو شهود الشهر ـ قد وجد، وأهلية نفس الوجوب بالذمة وهي متحققة بلا مانع، فإذا تحقق الوجوب بلا مانع، تعين القضاء. وإن استوعب الجنون جميع ما يمكنه فيه إنشاء الصوم، لا يقضي للحرج، بخلاف الإغماء؛ لأنه لا يستوعب الوقت عادة، وامتداده نادر، ولا حرج في ترتيب الحكم على ما هو من النوادر.
والخلاصة: إن الإغماء والجنون المتقطع لا يمنع إيجاب الصوم وقضاءه، وأما الجنون المستوعب لجميع الشهر، فلا قضاء على صاحبه، وأما الإغماء ففيه القضاء، والسكر كالإغماء.
وقال المالكية: لا يصح صوم المجنون، ويجب عليه القضاء مطلقاً في المشهور، لقوله صلى الله عليه وسلم:«وعن المجنون حتى يفيق» قال ابن رشد: وفيه ضعف، ولا يصح أيضاً صوم المغمى عليه مطلقاً، ويجب عليه القضاء إن بقي مغمى عليه يوماً فأكثر، فإن أغمي عليه يسيراً كنصف اليوم فأقل بعد الفجر، لم يقض.
وإن أغمي عليه ليلاً، فأفاق بعد طلوع الفجر، فعليه قضاء الصوم، لفوات محل النية، وهو ليس بعاقل، ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقتها، ويختلف الإغماء عن النوم لكونه بين رتبتي الجنون والنوم.
ولا يقضي النائم مطلقاً ولو نام كل النهار، والسكر كالإغماء إلا أنه يلزمه الإمساك في يومه، ومن سكر ليلاً وأصبح ذاهب العقل، لم يجز له الفطر، ويلزمه القضاء.
وقال الشافعية: إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون في أثناء النهار، فكما لو أسلم الكافر، لا قضاء عليهم في الأصح، ولا يلزمهم إمساك بقية النهار في الأصح.
ويجب قضاء ما فات بالإغماء والردة والسكر، دون الكفر الأصلي والصِّبا والجنون إلا إذا كان متعدياً بجنونه بأن تناول ليلاً عامداً شيئاً أزال عقله نهاراً، فعليه قضاء ما جن فيه من الأيام، فلا يجب قضاء ما فات على الكافر، لما في وجوبه من التنفير عن الإسلام، ولقوله تعالى {قل للذين كفروا: إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال:38/ 8]، ولا على الصبي والمجنون لارتفاع قلم التكليف عنهما.
ولو ارتد، ثم جن أو سكر، فالأصح قضاء جميع أيام الجنون، وأيام السكر، لأن حكم الردة مستمر، بخلاف السكر. ويجب القضاء على الحائض والمفطر بلا عذر، وتارك النية، والمسافر والمريض، كما سيأتي.
وقال الحنابلة: إن بلغ الصغير صائماً ذكراً كان أو أنثى في أثناء نهار رمضان بتمام سن الخامسة عشرة أو باحتلام (أي إنزال مني بسبب حلم)، أتم صومه بغير خلاف، ولاقضاء عليه إن كان نوى ليلاً، ولا مانع أن يكون أول الصيام نفلاً وباقيه فرضاً، كنذر إتمام نفل.
وإذا أفاق المجنون في أثناء الشهر، فعليه صوم ما بقي من الأيام بغير خلاف، ولا يلزمه سواء أكان متعدياً بجنونه أم لا قضاء ما مضى خلافاً للمالكية، وخلافاً للحنفية إن أفاق في أثناء الشهر؛ لأن الجنون معنى يزيل التكليف، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر والكبر.
وأما قضاء اليوم الذي أسلم فيه الكافر أو بلغ الصغير أو أفاق فيه المجنون، وإمساكه فيه، ففيه روايتان، أصحهما لزوم إمساك ذلك اليوم وقضاؤه، لحرمة الوقت، ولقيام البينة فيه بالرؤية، ولإدراكه جزءاً من وقته كالصلاة. وكذا يلزم الإمساك والقضاء على كل من أفطر لغير عذر، ومن أفطر ظاناً أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو ظن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي النية، أو طهرت الحائض والنفساء، أو تعمدت مكلفة الفطر، ثم حاضت أو نفست، أو تعمد الفطر مقيم ثم سافر، أو قدم مسافر أو أقام مدة تمنع القصر، أو برئ مريض مفطر. أما النوم فلا يؤثر في الصوم، سواء وجد في بعض النهار أو جميعه.
والخلاصة: أن الجنون المستمر لا يوجب القضاء عند الجمهور، ويوجبه عند المالكية على المشهور. أما الإغماء فيوجب القضاء بالاتفاق. ويصح صوم المغمى عليه عند الشافعية والحنابلة إن أفاق لحظة من النهار، فإن أطبق الإغماء جميع