الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقوف فإنه يفسد حجه، وعليه شاة فقط عند الحنفية، ويمضي في فاسده من حج أو عمرة حتى التمام، ثم يقضيه بالاتفاق فوراً في العام المقبل إن كان حجاً، وبعد تمام الفاسد إن كان عمرة.
وأوجب المالكية الهدي من الأنعام (الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز) بالجماع أو الإنزال بغير الاحتلام قبل الوقوف مطلقاً أو بعد الوقوف قبل طواف الإفاضة ورمي جمرة العقبة يوم النحر.
2ً - إذا طاف طواف الإفاضة جنباً أو حائضاً أو نفساء.
ثانياً ـ الجناية التي توجب دمين:
هي جناية القارن عند الحنفية، وهي كل جناية يجب بها على المفرد دم واحد، فعليه مثلاً دمان إذا حلق قبل الذبح، دم للتأخير ودم للقران على المذهب، وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: القارن والمفرد في كفارات الإحرام واحد؛ لأن القارن كالمفرد في الأفعال، فكان كالمفرد في الكفارات، فتلزمه بالجماع بدنة واحدة بسبب الإفساد لاتحاد الإحرام، ويلزمه مع ذلك شاة للقران. والمتمتع كالقارن (1).
ثالثاً ـ الجناية التي توجب دماً واحداً إما على سبيل التخيير أو الترتيب:
1 ً - لبس المخيط وتغطية الرأس والحلق وقص الأظفار والتطيب:
قال الحنفية: إن لبس المحرم ثوباً مخيطاً أوغطى رأسه يوماً كاملاً، فعليه دم (شاة) يفرق لحمها على فقراء الحرم، وإن كان أقل من ذلك، فعليه صدقة.
(1) شرح المجموع: 7 385/ 7،394، 400، 418.
وإن حلق موضع الحجامة، فعليه دم عند أبي حنيفة، وقال الصاحبان: عليه صدقة؛ لأنه غير مقصود في ذاته.
وإن حلق ربع الرأس فصاعداً أو ربع اللحية، فعليه دم، وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة؛ لأن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل لأنه معتاد، فتتكامل به الجناية، ويتقاصر فيما دونه.
وإن قص في مجلس واحد أظافر يديه ورجليه جميعاً، أو أظافر يديه فقط أو أظافر يد واحدة أو رجل واحدة، فعليه شاة. وإن تعدد المجلس بأن قص أظافر يديه في مجلس، ثم أظافر رجليه في مجلس واحد وجب عليه دمان.
وإن قص أقل من خمسة أظافر متفرقة من يديه ورجليه، فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وإن طيب المحرم عضواً كاملاً كالرأس والفم واليد والرجل فأكثر أو جسمه كله، فعليه دم (شاة)؛ لأن المعتبر الكثرة، وحد الكثرة: هو العضو.
وإن طيب المحرم ثوبه، لزمه دم بشرط لبسه يوماً كاملاً.
وإن خضب رأسه أو يده أو لحيته بحناء وجب دم.
وإن ادهن بزيت أو شيرج، لزمه دم، لأنهما أصل الطيب (1)، بخلاف بقية الأدهان كالسمن والشحم ودهن اللوز. أما لو أكل الزيت أو داوى به جرحه أو شقوق رجليه أو أقطر في أذنيه، فلا يجب عليه شيء، لا دم ولا صدقة باتفاق الحنفية، لأنه ليس بطيب من كل وجه، لكن لو استعمل المسك والعنبر والغالية
(1) ومن الأدهان الموجبة لذبح شاة: زيت الشعر ونحوه أو الكريم.
والكافور ونحوهما مما هو طيب في نفسه، فإنه يلزمه الدم بالاستعمال ولو على وجه التداوي. ولو جعله في طعام وإن لم يطبخ فلا شيء فيه إذا كان مغلوباً، ويكره أكله، كما يكره شم الطيب والتفاح.
وإن تطيب أو حلق أو لبس ثوباً لعذر فهو مخير: إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة
أصوع (1) من طعام لكل مسكين نصف صاع، وإن شاء صام ثلاثة أيام، لقوله تعالى:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسُك} [البقرة:196/ 2].
وقال الجمهور غير الحنفية: من لبس أو حلق شعره أو قلم أظفاره أو تطيب أو ادهن أو أزال ثلاث شعرات متوالية عند الشافعية أو أزال أكثر من شعرتين أو ظفرين عند الحنابلة: يخير في الفدية بين ذبح شاة يتصدق بها، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وذبح الشاة يسمى نسكاً، فالنسك أحد خصال الفدية، سواء فعل المحظور عمداً أو خطأ أو جهلاً، والتخيير ثابت مع العسر واليسر في أي مكان شاء، ودليل التخيير الآية السابقة:{ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة:196/ 2] وقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عُجرة: «أيؤذيك هوامّ رأسك؟ قال: نعم، قال: انسك شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فَرقاً من الطعام (2) على ستة مساكين» وقيس بالحلق وبالمعذور غيرهما. فهذه الفدية عند الجمهور عامة للمعذور وغيره، وخاصة عند الحنفية بالمعذور. وشعر الرأس وغيره سواء في وجوب الفدية؛ لأن الشعر كله جنس واحد في البدن، ويجزئ البر والشعير والزبيب في الفدية، كما في الفطرة وكفارة اليمين. والواجب
(1) جمع صاع، وهو جملة قلة، وجمع الكثرة صيعان. وجمعه على آصع من خطأ العوام، والصاع (2751) غراماً عند الجمهور، وعند الحنفية (3800 غم).
(2)
الفرق: ثلاثة آصع.
عند الحنابلة فدية واحدة مالم يكفر عن الأول، فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانياً، فعليه كفارة ثانية. وإذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره،! فلا فدية عليه عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: يلزمه صدقة؛ لأنه أتلف شعر آدمي، فأشبه شعر المحرم. وإن حلق رأس محرم بإذنه أو حلقه حلال بإذنه، فالفدية على المحلوق. وإن كان المحلوق مكرهاً أونائماً، فلا
فدية على المحلوق رأسه عند المالكية والحنابلة، وقال أبو حنيفة: على المحلوق رأسه الفدية، وعن الشافعي كالمذهبين (1).
وهذه الفدية عند الشافعية والحنابلة تجب في مقدمات الجماع بشهوة كإمناء بنظرة ومباشرة بغير إنزال، وإمذاء بتكرار نظر أو تقبيل أو لمس أو مباشرة. وتجب أيضاً في الجماع الثاني بعد الجماع الأول، وفي حالة الجماع بين التحللين. والإنزال بغير الاحتلام عند المالكية كالجماع يفسد الحج ويوجب الهدي.
2ً - الجماع ومقدماته:
قال الحنفية: إن قبل أو لمس بشهوة أنزل أو لم ينزل في الأصح، أواستمنى بكفه، فعليه دم؛ لأن دواعي الجماع محرمة لأجل الإحرام مطلقاً، فيجب الدم مطلقاً.
وإن جامع في أحد السبيلين من آدمي ولو ناسياً أو مكرهاً أو كانت نائمة، قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه، ووجب عليه شاة أو سُبْع بدنة، ويمضي وجوباً في حجه الفاسد كغيره ممن لم يفسد حجه، ووجب عليه القضاء فوراً، ولو كان حجه نفلاً، لوجوبه بالشروع فيه، ولم يقع الموقع المطلوب. لكن ليس على صبي أو مجنون أفسد حجه دم ولا قضاء.
(1) المغني: 494/ 3 - 496.
فإن جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق أو الطواف، لم يفسد حجه، ويجب عليه بدنة، كما بينت؛ لأنه أعلى أنواع الجناية فغلظت عقوبتها.
وإن جامع ثانياً فعليه شاة؛ لأنه وقع في إحرام مهتوك.
وإن جامع بعد الوقوف والحلق، فعليه شاة، لبقاء إحرامه في حق النساء فقط أي بين التحللين الأول والثاني.
ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط، أفسدها؛ لأن الطواف في العمرة بمنزلة الوقوف في الحج، ومضى فيها، وقضاها فوراً، ووجب عليه شاة؛ لأنها عند الحنفية سنة. وإن وطئ بعد ما طاف لها أربعة أشواط، وقبل الحلق، فعليه شاة، ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها.
وقد سبق بيان رأي غير الحنفية في هذا المحظور، فعند الشافعية والحنابلة إن كان الوطء قبل التحلل الأول يجب عليه بدنة، فإن عدمها لزمه بقرة، فإن عدمها لزمه سبع شياه، فإن عدمها قوم البدنة بدراهم واشترى بقيمتها طعاماً وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوماً. فإن وطئ بين التحللين أو بعد الإفساد لزمه شاة، كما في الحلق ونحوه.
3ً - ترك واجب من واجبات الحج:
قال الحنفية: إن طاف طواف القدوم جنباً فعليه شاة لغلظ الجنابة. وإن طاف طواف الزيارة محدثاً، فعليه شاة؛ لأنه أدخل النقص في الركن. وإن طاف للقدوم محدثاً فعليه صدقة، وإن طاف للزيارة جنباً، فعليه بدنة لغلظ الجنابة. والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه.
ومن طاف طواف الصَّدَر (الوداع) محدثاً، فعليه صدقة، وإن طاف جنباً، فعليه شاة.
ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، فعليه شاة. وإن ترك أربعة أشواط، بقي محرماً أبداً حتى يطوفها.
وإن ترك طواف الوداع أو أربعة أشواط منه، فعليه شاة، ومن ترك من طواف الوداع ثلاثة أشواط فعليه صدقة.
ومن أعاد أي طواف على طهارة، سقط الدم، لإتيانه به على الوجه المشروع، والأصح وجوب الإعادة في حال الجنابة، وندبها في حال الحدث، ومن طاف وربع عضو من العورة مكشوف، أعاد الطواف ما دام بمكة، وإن لم يعد حتى خرج من مكة، فعليه دم.
ومن ترك السعي بين الصفا والمروة، فعليه شاة، وحجه تام.
ومن أفاض من عرفة قبل الإمام والغروب، فعليه دم، ويسقط بالعود قبل الغروب، لا بعده.
ومن ترك الوقوف بالمزدلفة، فعليه دم.
ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها بغروب شمس آخر أيام الرمي وهو اليوم الرابع، فعليه دم واحد، وإن ترك رمي يوم فعليه دم، وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث. فعليه صدقة.
وإن ترك رمي جمرة العقبة، فعليه دم.
ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر، فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذا لو أخر طواف الزيارة عن أيام النحر، فعليه دم عنده. وقال الصاحبان: لا شيء عليه.
ويجب ذبح شاة على القارن والمتمتع بالاتفاق، كما بينت سابقاً. وكل ما وجب فيه دم على المفرد وجب فيه دمان على القارن: دم لحجته ودم لعمرته، إلا في حال تجاوز الميقات من غير إحرام عليه إن عاد دم واحد.
وقال المالكية (1): دماء الحج أو العمرة ثلاثة: الفدية، وجزاء الصيد، والهدي، وقد عرفنا الفدية، أما الهدي فيجب في خمسة أنواع: جبر ما تركه من الواجبات كترك التلبية أو طواف القدوم أو رمي الجمار أو المبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك، وهدي المتعة والقران، وكفارة الوطء ونحوه كمذي وقبلة بفم، وجزاء الصيد، وهدي الفوات. والهدي مرتب، بخلاف الفدية وجزاء الصيد.
وقال الشافعية: حاصل الدماء الواجبة في الحج أربعة أنواع:
الأول - دم ترتيب وتقدير: ومعنى الترتيب: أنه يلزمه الذبح، ولايجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه. ومعنى التقدير: أن الشرع قدر مايعدل إليه بما لايزيد ولاينقص. وهو دم التمتع والقران والفوات، والمنوط بترك مأمور: وهو ترك الإحرام من الميقات، والمبيت بمزدلفة ومنى، وطواف الوداع، والواجب ذبح شاة للموسر، فإن عجز صام عشرة أيام.
والثاني - دم ترتيب وتعديل: بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، ويلزمه في حال الجماع، فيجب فيه بدنة، ثم بقرة، ثم سبع شياه، فإن عجز قوم البدنة بدراهم، والدراهم طعاماً، وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوماً.
ويلزم في حال الإحصار، فعليه شاة، ثم طعام بالتعديل، فإن عجز عن
(1) الشرح الصغير:119/ 2، القوانين الفقهية: ص139.
الطعام، صام عن كل مد يوماً، لقوله تعالى:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة:196/ 2].
والثالث- دم تخيير وتقدير: أي إنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة عليه. فيتخير في حلق ثلاث شعرات أو قلم ثلاثة أظفار بالتتابع، بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصوم ثلاثة أيام. ويتخير أيضاً في حال التطيب ودَهْن الرأس أو اللحية وبعض شعور الوجه، واللبس، ومقدمات الجماع، والاستمناء، والجماع غير المفسد. والفدية تجب في حلق الشعر ولو ناسياً أو جاهلاً بالحرمة، لعموم الآية:{ولاتحلقوا رؤوسكم} [البقرة:196/ 2]، بخلاف الناسي والجاهل في التمتع باللبس والطيب والدهن والجماع ومقدماته: لاتجب الفدية عليه لاشتراط العلم والقصد فيه.
والرابع ـ دم تخيير وتعديل: وهو دم جزاء الصيد والشجر، فيجب مثل الصيد، أوشراء حَبّ لأهل الحرم بقدر قيمته، يوزع على الفقراء، أو الصيام عن كل مد يوماً. فإن لم يكن للصيد مثل، خيِّر بين الإطعام أوالصيام إلا الحمام فيجب فيه شاة، والدليل آية المائدة 95:{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم، ومن قتله منكم متعمداً، فجزاءٌ مِثْل ُما قتل من النَّعَم، يحكم به ذوا عدل منكم، هدياً بالغ الكعبة، أو كفارةٌ طعام مساكين، أو عَدْل ُ ذلك صياماً ليذوق وبال أمره .. } [المائدة:95/ 5] وأما شجر الحرم ونباته فيحرم قطعه ويجب ضمانه بالقطع أو القلع، سواء النبات الذي ينبت بنفسه والمستنبت، ففي الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة، عملاً بما رواه الشافعي عن ابن الزبير. فإن صغرت الشجرة جداً، ففيها القيمة.
وقال الحنابلة: الفدية: ما يجب بسبب نسك أو حرم، وله تقديماً على فعل محظور لمعذور، وهي نوعان: تخيير وترتيب.