الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الحنابلة (1): له ركوب الهدي على وجه لايضر به، لما روى أبو هريرة وأنس:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة، فقال: اركبها، ويلك ـ في الثانية أو الثالثة» (2) وللمهدي شرب لبن الهدي؛ لأن بقاءه في الضرع يضرُّ به، فإذا كان ذا ولد لم يشرب إلا ما فضل عن ولده. وهذا هو الراجح لدي.
وقال الشافعية (3): للمحتاج دون غيره أن يركب الهدي المنذور ويشرب من لبنه ما فضل عن ولده، ولو تصدق به، كان أفضل، ولو كان عليه صوف لا منفعةله في جزه، ولا ضرر عليه في تركه، لم يجز له جزه، وإن كان عليه في بقائه ضرر، جاز له جزه، وينتفع به، فلو تصدق به كان أفضل.
تاسعاً ـ تقليد الهدي وإشعاره:
التقليد: أن يعلق في عنق الهدي قلادة، مضفورة من حبل أو غيره، ويعلق بها نعلان أو نعل.
والإشعار: أن يشق سنام البدنة الأيمن عند الشافعية والحنابلة، أو الأيسر عند المالكية، ويقول حينئذ:«بسم الله والله أكبر» . والتقليد: هو المستحب بالاتفاق، أما الإشعار فمختلف فيه.
فقال الحنفية (4): الإشعار مكروه، لأنه مُثْلة، فكان غير جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان، ولأنه إيلام فهو كقطع عضو منه وهذا هو الحق.
(1) المغني: 540/ 3.
(2)
رواه البخاري ومسلم وأحمد.
(3)
الإيضاح: ص 62، شرح المجموع: 278/ 8، 281.
(4)
الكتاب مع اللباب: 218/ 1، 220.
ولا يجب التعريف بالهدايا: وهو إحضارها عرفة، فإن عرَّف بهدي المتعة والقران والتطوع، فحسن؛ لأنه يتوَّقت بيوم النحر، فعسى ألا يجد من يُمسكه، فيحتاج إلى أن يعرّف به، ولأنه دم نسك، ومبناه على التشهير، بخلاف دماء الكفارات، فإنه يجوز ذبحها قبل يوم الجناية، فالستر بها أليق.
ويُقلَّد هدي التطوع والمتعة والقران إذا كان من الإبل والبقر؛ لأنه دم نسك، فيليق به الإظهار والشهرة، تعظيماً لشعائر الإسلام. وأما الغنم فلا يقلد، وكل ما يقلد يخرج به إلى عرفات، وما لا فلا.
ولا يقلد دم الإحصار؛ لأنه لرفع الإحرام، ولا دم الجنايات؛ لأنه دم جبر، فالأولى إخفاؤها وعدم إشهارها.
وقال المالكية (1): يستحب تقليد الهدي وإشعاره، وتجليله: وهو أن تكسى بجل من أرفع ما يقدر عليه من الثياب، ويشق فيه موضع السنام، ويساق كذلك إلى موضع النحر، فيزال عنه الجل، وينحر قائماً وذلك يوم النحر. ويتصدق بالجل والخطام، وتترك القلادة في الدم.
والإشعار والتقليد والتجليل كله في الإبل، وأما البقر فتقلد وتشعر، ولا تجلل، وأما الغنم فلا تقلد ولا تشعر ولا تجلل.
وقال الشافعية (2): إن ساق هدياً تطوعاً ومنذوراً، فإن كان بدنة أو بقرة، استحب له أن يقلدها نعلين لهما قيمة ليتصدق بهما، وأن يشعرها أيضاً؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في ذي الحليفة، ثم أتى ببدنة، فأشعرها على صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها، ثم قلدها
(1) القوانين الفقهية: ص 139 - 140، الشرح الصغير: 122/ 2 ومابعدها.
(2)
المهذب: 235/ 1 ومابعدها، الإيضاح للنووي: ص 61، شرح المجموع:269/ 8.
نعلين» (1)، ولأنه ربما اختلط بغيره، فإذا أشعر وقلد تميز، وربما ندَّ (هرب) فيعرف بالإشعار والتقليد، فيرد.
وإن ساق غنماً قلدها خُرَب القُرَب: وهي عراها وآذانها، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم:«أهدى مرة غنماً مقلدة» (2) ولأن الغنم يثقل عليها حمل النعال. ولا يشعرها؛ لأن الإشعار لا يظهر في الغنم لكثرة شعرها وصوفها، ولأنها ضعيفة.
ويكون تقليد الجميع والإشعار وهي مستقبلة القبلة، والبدنة باركة.
وإذا قلد النعم وأشعرها، لم تصر هدياً واجباً، على المذهب الصحيح المشهور، كما لو كتب الوقف على باب داره.
وقال الحنابلة (3) كالشافعية: يسن تقليد الهدي، سواء أكان إبلاً أم بقراً أم غنماً، لحديث عائشة السابق بلفظ:«كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم، فيقلد الغنم، ويقيم في أهله حلالاً» .
ويسن إشعار الإبل والبقر، لحديث عائشة المتفق عليه:«فتلت قلائد هد ي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها» .
والخلاصة: إن الإشعار عند الجمهور للإبل والبقر، وهو مكروه عند الحنفية، ولا تقلد الغنم عند المالكية والحنفية، وإنما تقلد الإبل والبقر، ويقلد الكل عند الشافعية والحنابلة.
(1) رواه مسلم بلفظه.
(2)
رواه مسلم بلفظه، والبخاري بمعناه.
(3)
المغني: 549/ 3.