الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النعم». وقال الزهري حينما سئل عن المؤلفة قلوبهم: هم من أسلم من يهودي أو نصراني، وإن كان غنياً (1).
تدل هذه الأحاديث وغيرها دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي بعض الكفار ومن لم يرسخ الإيمان في قلبه من الزكاة مال الله عز وجل. ثم امتنع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من إعطاء المؤلفة قلوبهم، أما أبو بكر فامتنع من إعطاء أبي سفيان وعيينة والأقرع وعباس بن مرداس، وقال عمر:«إنا لا نعطي على الإسلام شيئاً، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر» .
وفي ضوء هذا الواقع برز خلاف بين العلماء في مدى بقاء سهم المؤلفة قلوبهم، هل ما زال باقياً لم ينسخ، أو أنه نسخ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
انقسم العلماء في هذا الشأن فريقين: فريق يقول بالنسخ: وأنه لا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها. وفريق آخر يقول بأن حكم المؤلفة باق لم ينسخ، فهم في كل زمان ولهم حق في الصدقات (2).
ويحتاج الأمر إلى إيراد آراء المذاهب، كل مذهب على حدة، لوجود الخلاف أحياناً في المذهب الواحد، ووجود تفصيل في بعض المذاهب.
ذهب
الحنفية
(3) إلى سقوط سهم المؤلفة قلوبهم، وانتساخ سهمهم وذهابه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، إما لزوال علة الحكم وهي إعزاز الدين والحاجة إليهم في صدر الإسلام حال ضعف المسلمين، فبعد أن اعتز الإسلام زالت الحاجة، فهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته
الغائية التي كان لأجلها الدفع أو الإعطاء، فإن الدفع
(1) تفسير الطبري: 112/ 10.
(2)
المرجع السابق: ص 113.
(3)
البدائع: 44/ 2، رد المحتار على الدر المختار: 82/ 2 - 83، فتح القدير مع الهداية: 2/ 41.
كان لإعزاز الدين، وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم، كما قال ابن عابدين نقلاً عن البحر الرائق. وقال المرغيناني في الهداية: وقد سقط سهم المؤلفة قلوبهم، لأن الله تعالى أعز الإسلام، وأغنى عنهم، وعلى ذلك انعقد الإجماع.
أو سقط سهمهم، لأن الحكم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ في آخر الأمر عن الزكاة:«خذها من أغنيائهم، وردها في فقرائهم» (1).
أو لأن الناسخ كما ذكر الكاساني هو إجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئاً من الصدقات، ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فإنه روي أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا إلى أبي بكر، واستبدلوا الخط منه لسهامهم (أي إصدار كتاب رسمي بحقوقهم) فبدل لهم الخط، ثم جاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، وأخبروه بذلك، فأخذ الخط من أيديهم ومزقه، وقال:«إن رسول الله كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم، فقد أعز الله دينه، فإن ثَبَتُّم على الإسلام، وإلا فليس بيننا وبينكم إلا السيف» فانصرفوا إلى أبي بكر، فأخبروه بما صنع عمر رضي الله عنهما، وقالوا:«أنت الخليفة أم هو؟ فقال: إن شاء الله هو» ، ولم ينكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ ذلك الصحابة، فلم ينكروا، فيكون إجماعاً منهم على ذلك، ولأنه ثبت باتفاق الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يعطيهم ليتألفهم على الإسلام، ولهذا سماهم الله «المؤلفة قلوبهم» والإسلام يومئذ في ضعف، وأهله قلة، وأولئك كثير، ذوو قوة وعدد، واليوم بحمد الله عزّ الإسلام وكثر أهله، واشتدت دعائمه، ورسخ بنيانه، وصار أهل الشرك أذلاّء. والحكم متى ثبت معقولاً بمعنى خاص ينتهي بذهاب ذلك المعنى.
(1) رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما. ويروى أن عمر بن الخطاب حين جاءه عُيينة بن حصن قال: {الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيكْفُرْ} [الكهف:29/ 18].