الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقت الحج في أشهر ثلاثة معينة: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة عند الجمهور، وذو الحجة كله عند المالكية.
والناس في حق المواقيت أصناف ثلاثة (1):
الصنف الأول ـ أهل الآفاق:
وهم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقَّت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خمسة ثابتة في السنة، وهي ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق.
و
الصنف الثاني ـ أهل الحل:
وهم الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة خارج الحرم كأهل بستان بني عامر وغيرهم، وميقاتهم دويرة أهلهم، أو حيث شاؤوا من الحل الذي بين دويرة أهلهم وبين الحرم.
و
الصنف الثالث ـ أهل مكة الحرم:
وميقاتهم للحج الحرم، وللعمرة الحل، فيحرم المكي من دويرة أهله للحج، أو حيث شاء من الحرم، ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أوغيره.
رابعاً ـ ما يفعله مريد الإحرام:
إذا أراد الشخص الإحرام يفعل السنن المذكورة سابقاً في بحث أعمال الحج وأهمها ما يأتي (2). أما ما يجتنبه المحرم من اللباس والحذاء وغيرهما فيعرف في بحث محظورات الإحرام.
(1) البدائع: 163/ 2 - 167.
(2)
فتح القدير: 134/ 2 - 140، اللباب: 179/ 1 ومابعدها، 188، القوانين الفقهية: ص 131، الشرح الصغير: 29/ 2 ومابعدها، مغني المحتاج: 478/ 1 - 482، 501، المهذب: 204/ 1 ومابعدها، المجموع: 211/ 7 - 226، المغني: 270/ 3 - 275، 288 - 293، 301، 325، 430، غاية المنتهى: 365/ 1 ومابعدها.
1 -
يغتسل تنظفاً، أو يتوضأ، والغسل أفضل؛ لأنه أتم نظافة، ولأنه عليه الصلاة والسلام اغتسل لإحرامه (1)، وهو للنظافة لا للطهارة، ولذا تفعله المرأة الحائض والنفساء، لما روى ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم:«أن النفساء والحائض تغتسل وتُحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت» (2) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس، وهي نفساء أن تغتسل (3).
فدل على أن الاغتسال مشروع للنساء عند الإحرام، كما يشرع للرجال؛ لأنه نسك، وهو في حق الحائض والنفساء آكد، لورود الخبر فيهما.
وهذا متفق عليه. فإن لم يجد ماء تيمم عند الشافعية؛ لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا تعذر أحدهما يبقى الآخر، ولأن التيمم ينوب عن الغسل الواجب، فعن المندوب أولى. ولو وجد ماء لا يكفيه للغسل ويكفيه للوضوء، توضأ به وتيمم عن الغسل.
ولا يسن له التيمم في رأي ابن قدامة؛ لأنه غسل مسنون، فلم يستحب التيمم عند عدمه كغسل الجمعة، والفرق بين الواجب والمسنون؛ أن الواجب يراد لإباحة الصلاة، والتيمم يقوم مقامه في ذلك، والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة، والتيمم لا يحصِّل هذا، بل يزيد شعثاً وتغييراً، والراجح عند الحنابلة جواز التيمم كما في غاية المنتهى.
ويستحب التنظيف أيضاً بأزالة الشَّعَث (الوسخ من غبار وغيره) وقطع
(1) رواه الدارمي والترمذي وغيرهما عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه (نصب الراية: 17/ 3).
(2)
رواه أبو داود والترمذي عن ابن عباس (نيل الأوطار: 303/ 4).
(3)
رواه مسلم عن جابر.
الرائحة، ونتف الإبط، وقص الشارب، وقلم الأظفار، وحلق العانة وترجيل الشعر؛ لأن الإحرام أمر يسن له الاغتسال والطيب، فيسن له هذا كالجمعة.
2 -
يتجرد الذكر من المخيط، ويلبس ثوبين نظيفين: إزاراً ورداءاً جديدين ثم مغسولين، ونعلين، لقوله صلى الله عليه وسلم:«وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فلْيلبَس خُفَّين، ولْيَقْطَعهما أسفل من الكعبين» (1)، ولا يلزم قطعهما في المشهور عن أحمد، لحديث ابن عباس:«ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين» (2).
والمرأة: إحرامها في كشف وجهها باتفاق الفقهاء، فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها، فإنها عند الحنابلة تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها؛ لفعل عائشة ومحرمات أخريات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
3 -
يتطيب في بدنه قبل الإحرام عند الجمهور، لا في الثوب عند الحنفية والحنابلة، لأنه مباين له، وكذا في ثوبه في الأصح عند الشافعية، لحديث عائشة:«كنت أطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيبِ ما أجد» (4) أي في وقت إحرامه. ولابأس باستدامة أثر الطيب بعد الإحرام، لحديث الصحيحين عن عائشة:«كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم» والوبيص: هو البريق، والمفرق: وسط الرأس.
(1) رواه أحمد عن ابن عمر، والكعبان: العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم (نيل الأوطار: 305/ 4).
(2)
متفق عليه، فيكون هذا ناسخاً لحديث ابن عمر المتقدم (نيل الأوطار: 4/ 5).
(3)
رواه أبو داود والأثرم عن عائشة.
(4)
رواه البخاري ومسلم، وللنسائي: حين أراد الإحرام.
ولا يتطيب عند المالكية، ويكره الطيب قبل الغسل أو بعده بما تبقى رائحته، لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ساعة، ثم قال «: اغسل الطيب الذي بك ـ ثلاث مرات ـ وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك» (1)، ولأنه يمنع من ابتداء الطيب، فمنع استدامته كاللبس.
والظاهر جواز التطيب قبل الإحرام؛ لأن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين بالجعرانة سنة ثمان، وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر، فيكون ناسخاً للحديث الأول، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة على ابن عمر الذي كان ينهى عن الطيب عند الإحرام.
ويسن عند الشافعية والحنابلة أن تخضب المرأة للإحرام يديها إلى الكوع (الرسغ) بالحناء، لما روى ابن عمر أن ذلك من السنة.
4 -
يصلي صلاة ركعتي الإحرام بعد الغسل وقبل الإحرام بالاتفاق، أو يكون الإحرام عند المالكية والحنابلة عقب صلاة مفروضة، أما الأول فلما روى الشيخان أنه «صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ركعتين، ثم أحرم» (2). ويحرمان في وقت الكراهة في غير حرم مكة، ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى:{قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1/ 109] وفي الثانية: (الإخلاص).
وأما الإحرام عقب صلاة مكتوبة وهو الأولى عند الحنابلة، فلما روى أبو داود والأثرم عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال:«أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته .. » .
(1) متفق عليه عن يعلى بن أمية.
(2)
نصب الراية: 20/ 3 ومابعدها.
ويجوز عند الحنابلة على السواء الإحرام عقيب الصلاة، أو إذا استوت به راحلته، أو بدأ بالسير، فإذا استوى على راحلته لبى.
والأفضل عند المالكية والشافعية أن يحرم إذا سارت به راحلته، لما رواه الشيخان، أو إذا توجه لطريقه ماشياً، لما روى مسلم عن جابر:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أهللنا ـ أي أردنا أن نهل ـ أن نحرم إذا توجهنا» .
5 -
يلبي، والتلبية عقيب الصلاة عند الحنفية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم «لبى في دُبُر صلاته» (1) وهو الأفضل، ويلبي بعد ما استوت به راحلته، ثم ينوي، فإن كان مفرداً الإحرام بالحج، نوى بتلبيته الحج؛ لأنه عبادة، والأعمال بالنيات.
ويلبي عند الشافعية مع النية، لخبر مسلم:«إذا توجهتم إلى منى، فأهلوا بالحج» والإهلال: رفع الصوت بالتلبية، والعبرة بالنية لا بالتلبية، فلو لبى بغير مانوى، فالعبرة بما نوى.
ويلبي عند المالكية والحنابلة إذا استوى على راحلته، وأخذ في المشي، لما روى البخاري عن أنس وابن عمر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب راحلته، واستوت به أهلَّ» وقال ابن عباس: «أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته، فلما ركب راحلته، واستوت به قائمة، أهل» يعني لبى، ومعنى الإهلال: رفع الصوت بالتلبية.
ويجدد التلبية عند كل هبوط وصعود، وحدوث حادث ولقاء رفقة، وخلف الصلوات، وعند سماع من يلبي.
ويستحب إكثار التلبية، ورفع الصوت بها أثناء إحرامه دون إسراف إلا
(1) أخرجه الترمذي والنسائي عن ابن عباس (نصب الراية: 21/ 3).