الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن عباس أيضاً: «أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج، حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّك دين أكنت قاضيتَه؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء» (1).
ورواه الدارقطني بلفظ: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن أبي مات، وعليه حجة الإسلام، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو أن أباك ترك ديناً عليه، أقضيتَه عنه؟ قال: نعم، قال: فاحجُجْ عن أبيك» . دل على إجزاء الحج عن الميت من الولد، وشبَّهه بالدين، ودلت روايات أخرى على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره، إذ فيها «إن أختي نذرت أن تحج» ولم يستفصله أوارث هو أم لا؟
ودلت السنة أيضاً على اشتراط كون النائب قد حج عن نفسه، عن ابن عباس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبّيك عن شُبْرمة، قال: من شُبْرمة؟ قال: أخ لي، أوقريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حجَّ عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» (2).
رابعاً ـ الاستئجار على الحج:
لم يجز متقدمو الحنفية (3) الاستئجار على الحج والأذان وتعليم القرآن والفقه ونحوه من القربات الدينية لاختصاص فاعلها بها، فلو قال رجل لآخر:«استأجرتك على أن تحج عني بكذا» لم يجز حجه، والمذهب وقوع الحج عن
(1) رواه البخاري، والنسائي بمعناه عن ابن عباس (المرجعان السابقان:286/ 4، و182/ 2).
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه، وقال:«فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة» والدارقطني وفيه قال: «هذه عنك وحج عن شبرمة» (نيل الأوطار:292/ 4).
(3)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين:329/ 2.
المحجوج عنه. وإنما يقول: أمرتك أن تحج عني، بلا ذكر إجارة، وتكون له نفقة مثله بطريق الكفاية؛ لأنه فرغ من نفسه لعمل ينتفع به المستأجر. وإنما جاز الحج عنه؛ لأنه لما بطلت الإجارة، بقي الأمر بالحج. والزائد عن نفقة المثل في الطريق وغيره يرد على الآمر إلا إذا تبرع به الورثة، أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج.
ودليلهم على عدم جواز الإجارة على الحج وبقية الطاعات: أن أبي بن كعب كان يعلِّم رجلاً القرآن، فأهدى له قوساً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له:
«إن سرك أن تتقلد قوساً من نار، فتقلدها» (1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص:«واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» (2) ولأنها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها كالصلاة والصوم.
وأجاز جمهور الفقهاء (3) ومتأخرو الحنفية: الإجارة على الحج وبقية الطاعات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله» (4)، وأخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجُعْل على الرُّقية بكتاب الله، وأخبروا بذلك النبي، فصوبهم فيه (5)، ولأنه يجوز أخذ النفقة على الحج، كما أقر متقدمو الحنفية أنفسهم، فجاز الاستئجار عليه، كبناء المساجد والقناطر.
وفائدة الخلاف بين الرأيين: أنه متى لم يجز أخذ الأجرة على الحج، فلا يكون إلا نائباً محضاً، وما يدفع إليه من المال، يكون نفقة لطريقه، فلو مات أو
(1) رواه ابن ماجه (نيل الأوطار:286/ 5).
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه (المرجع السابق).
(3)
القوانين الفقهية: ص 128، الشرح الصغير: 15/ 2، مغني المحتاج:469/ 1 ومابعدها، المغني:231/ 3 ومابعدها.
(4)
رواه البخاري عن ابن عباس (المرجع السابق: ص289).
(5)
رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي سعيد الخدري (المرجع السابق).