الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب ـ عبادة بدنية محضة كالصلاة والصوم: لا تجوز النيابة فيها؛ لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل بالإنابة.
جـ ـ عبادة مركبة ـ بدنية ومالية معاً ـ كالحج: يجوز فيها عند الجمهور (غير المالكية) النيابة عند العجز أو الضرورة؛ لأن المشقة المقصودة تحصل بفعل النفس، وتحصل أيضاً بفعل الغير إذا كان بماله، فهذه العبادة تختلف عن الصلاة باشتمالها على القربة المالية غالباً بالإنفاق في الأسفار.
وقال المالكية على الصحيح: لا تجوز النيابة عن الحي في حج الفرض أو النفل، بأجرة أو لا، والإجارة فيه فاسدة، لأنه عمل بدني لا يقبل النيابة، كالصلاة والصوم، إذ المقصود منه تأديب النفس بمفارقة الأوطان وتهذيبها بالخروج عن المعتاد، من لبس المخيط وغيره لتذكر المعاد والآخرة والقبر، وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع، وإظهار الانقياد من الإنسان لما لم يعلم حقيقته، كرمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة وغيرهما، وهذه مصالح ومقاصد لا تتحقق إلا لمن باشرها بنفسه.
أما الميت إذا أوصى بالحج فيصح عنه مع الكراهة، ويكره التطوع عنه بالحج.
ثانياً ـ إهداء ثواب الأعمال للميت:
اتفق العلماء على وصول ثواب الدعاء والصدقة والهدي للميت، للحديث السابق:«إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، وولد صالح يدعو له» (1).
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة (رياض الصالحين: ص 347).
وقال جمهور أهل السنة والجماعة (1): للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوماً أو صدقة أو تلاوة قرآن، بأن يقول: اللهم اجعل ثواب ما أفعل لفلان، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «ضحى بكبشين أملحين، أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته، ممن أقر بوحدانية الله تعالى، وشهد له بالبلاغ» (2) فإنه جعل تضحية إحدى الشاتين لأمته. ولما روي أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما، فكيف لي ببرهما بعد موتهما؛ فقال له عليه الصلاة والسلام: إن من البر بعد البر: أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك» (3).
وأما قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم:39/ 53] فيراد به: إلا إذا وهبه له، كما حققه الكمال بن الهمام، أو أنه ليس له من طريق العدل، وله من طريق الفضل، ويؤكده مضمون آية أخرى:{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذ ريتَهم} [الطور:21/ 52].
وأما حديث «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث» فلا يدل على انقطاع عمل غيره. وأما حديث: «لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد» فهو في حق الخروج عن العهدة، لا في حق الثواب.
وليس في ذلك شيء مما يستبعد عقلاً، إذ ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر
(1) المراجع السابقة.
(2)
روي فيه سبعة أحاديث وهي عن عائشة وأبي هريرة، وجابر وأبي رافع وحذيفة بن أسيد الغفاري وأبي طلحة الأنصاري وأنس، فحديث عائشة وأبي هريرة رواه ابن ماجه (انظر نصب الراية:151/ 2 - 154).
(3)
رواه الدارقطني، ويؤكده مارواه أيضاً عن علي:«من مر على المقابر وقرأ: قل هو الله أحد، إحدى عشرة مرة، ثم وهب أجرها للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات» وروى أبو داود عن معقل بن يسار: «اقرؤوا على موتاكم سورة يس» .