الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن يهش هشاً رفيقاً» (1)،ولأن المدينة ذات شجر وزرع، فلو منعنا من احتشاشها مع الحاجة أفضى إلى الضرر، بخلاف مكة. ولا جزاء في مذهب المالكية خلافاً لغيرهم بقتل صيد المدينة وقطع شجرها، فإن فعل استغفر الله تعالى فقط.
الثاني ـ أن من صاد صيداً خارج المدينة، ثم أدخله إليها، لم يلزمه إرساله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:«يا أبا عمير، ما فعل النغير» وهو طائر صغير، فظاهر هذا أنه أباح إمساكه بالمدينة إذ لم ينكر ذلك.
وحرمة مكة أعظم من حرمة المدينة، بدليل أنه لا يدخلها الداخل إلا محرماً.
خامساً ـ زيارة المسجد النبوي وقبر النبي صلى الله عليه وسلم:
يستحب زيارة المسجد النبوي، لأنه كما تقدم في الحديث الصحيح أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لأن موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض. وآداب الزيارة وأحكامها ما يأتي (2):
1ً - تسن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه السلام:«من زار قبري وجبت له شفاعتي» (3) وقوله: «من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان
(1) رواهما أبو داود.
(2)
الإيضاح: ص 86 - 88، 91، القوانين الفقهية: ص 143، مغني المحتاج: 512/ 1، غاية المنتهى: 396/ 1، المغني: 556/ 3 - 559، مراقي الفلاح: ص 127 - 129.
(3)
رواه ابن خزيمة في صحيحه والبزار والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما (نيل الأوطار: 95/ 5).
حقاً على الله تعالى أن أكون له شفيعاً يوم القيامة» (1) وروى البخاري: «من صلى علي عند قبري، وكل الله به ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» .
فزيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات وأنجح المساعي لقوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً} [النساء:64/ 4]، وتتأكد الزيارة للحاج والمعتمر أكثر من غيره، لأمرين: أحدهما ـ أن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة. والثاني ـ لحديث ابن عمر:«من حج، ولم يزرني، فقد جفاني» (2) وحديث «من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي» (3).
2ً - يستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
3ً - يستحب في أثناء السفر لهذه الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه، خصوصاً إذا رأى أشجار المدينة وحرمها.
4ً - يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
(1) رواه ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة. وروى أبو داود عن أبي هريرة حديثاً ضعيفاً: «ما من أحد سلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» وروى الدارقطني حديثاً آخر ضعيفاً: «من حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي» ..
(2)
رواه ابن عدي في الكامل والدارقطني وابن حبان والبزار (نيل الأوطار: 95/ 5) وهو ضعيف.
(3)
رواه الدارقطني وأبو يعلى والبيهقي وابن عدي عن ابن عمر، ورواه غيرهم، وتعدد طرقه يقوي بعضها بعضاً.
5ً - يستحضر في قلبه حينئذ شرف المدينة وأنها أفضل الدنيا بعد مكة.
6ً - ليقل عند باب مسجده صلى الله عليه وسلم ما قدمناه عند المسجد الحرام وكل المساجد، ويقدم رجله اليمنى في الدخول، واليسرى في الخروج.
ثم يقصد الروضة الكريمة (1): وهي ما بين المنبر والقبر، فيصلي تحية المسجد، بجنب المنبر، وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه، فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7ً - إذا صلى التحية في الروضة أو غيرها من المسجد، شكر الله تعالى على هذه النعمة، ويسأله إتمام ما قصده وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم، فيستدبر القبلة، ويستقبل جدار القبر، ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع، ويقف ناظراً إلى أسفل، خاشعاً، فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضراً قلبه جلالة موقفه صلى الله عليه وسلم، ثم يسلم ولا يرفع صوته، فيقول:
(السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك ياخيرة الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا طُهر، السلام عليك يا طاهر، السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا نبي الأمة، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وذريتك وأصحابك أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وجميع عباد الله الصالحين.
جزاك الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، وصلى الله عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين.
(1) ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي أربعة عشر ذراعاً وشبر، وما بين المنبر والقبر ثلاثة وخمسون ذراعاً وشبر.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه. وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
اللهم وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد).
ومن أراد الاختصار، قال:(السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم).
ثم يتأخر نحو يمينه إلى الشرق قدر ذراع، فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه، فيقول:(السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله، وثانيه في الغار، جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا ً).
ثم يتأخر نحو اليمين قدر ذراع، فيسلم على عمر رضي الله عنه، فيقول:(السلام عليك يا عمر، أعز الله بك الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيراً).
ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: (السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين، القائمين بعده بمصالح المسلمين، جزاكما الله أحسن الجزاء).
ثم يعود إلى رأس قبر النبي صلى الله عليه وسلم، في زاوية الحجرة المسورة، ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويمجده، ويدعو لنفسه بما أهمه وما أحبه، ولوالديه، ولمن شاء من أقاربه، وأشياخه وإخوانه وسائر المسلمين، ويبتدئ بقوله: (اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً} [النساء:64/ 4] وقد جئناك سامعين قولك،
طائعين أمرك، مستشفعين بنبيك، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).
ثم يأتي الروضة، فيكثر فيها من الدعاء، والصلاة، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» ويقف عند المنبر ويدعو.
ثم يأتي اسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه بها حتى تاب الله عليه، وهي بين القبر والمنبر، فيصلي ركعتين ويتوب إلى الله ويدعو بما شاء. ثم يأتي الأسطوانة الحنانة التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه، وخطب على المنبر، حتى نزل، فاحتضنه، فسكن.
8ً - لا يجوز أن يطاف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه كما يبعد منه لو حضر في حياته صلى الله عليه وسلم.
9ً - ينبغي له مدة إقامته بالمدينة أن يصلي الصلوات كلها بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي له أن ينوي الاعتكاف فيه، كما ينويه في المسجد الحرام. وإذا أراد وداع المدينة صلى ركعتين وقال:(اللهم لا تجعله آخر العهد بحرم رسولك، وسهل لي العود إلى الحرمين سهلة، وارزقني العفو والعافية في الآخرة والدنيا، وردنا إليه سالمين غانمين).
10ً - كره مالك رحمه الله لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد وخرج الوقوف بالقبر، قال: وإنما ذلك للغرباء، أو لمن قدم من أهل المدينة من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والفرق أن أهل المدينة مقيمون بها، وقد قال عليه السلام:«اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد» .