الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاختلاط المؤثر يكون بتوافر شروط أربعة:
أولها ـ عدم نية الفرار من الزكاة بالاشتراك.
ثانيها ـ أن تكون ماشية كل واحد من الخليطين مما يضم بعضه إلى بعض كالضأن والمعز.
ثالثها ـ أن يكون كل واحد من الشريكين مخاطباً شرعاً بالزكاة: بأن يكون حراً، مسلماً، ملك نصاباً، تم حوله. فإن كان أحدهما تجب عليه الزكاة فقط والآخر كافر مثلاً، وجبت على الأول وحده، حيث توفرت الشروط. وإن حال الحول على ماشية أحدهما دون الآخر، زكى الآخر زكاة المنفرد.
رابعها ـ أن يتم الاختلاط في الراعى والفحل والدلو والمسرح والمبيت. بأن يكن لهما راع واحد أو أكثر، فيشتركان في الرعي، أو يتعاونان ولو لم يحتج لهما، ويتم التلقيح في الجميع بفحل واحد بإذنهما، وتشرب من ماء واحد مملوك لهما أو لأحدهما ولا يمنع الآخر، وتسرح معاً، وتبيت معاً، إلا أنه إذا تعدد المسرح أو المبيت بشرط الحاجة فلا يضر.
وقال
الشافعية والحنابلة
(1): إما أن تكون الخلطة أي الشركة في المواشي، أو في غيرها من الأموال.
أـ أما في غير المواشي وهي النقود (الأثمان) والحبوب والثمار وعروض التجارة، فلا تؤثر الخلطة فيها عند الحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» لأنه إنما تكون الخلطة في الماشية، لأن فيها منفعة أحياناً وضرراً
(1) المهذب: 150/ 1 - 153، مغني المحتاج: 376/ 1 ومابعدها، المغني: 607/ 2 - 619، كشاف القناع: 227/ 2 - 235، شرح المجموع: 408/ 5 ومابعدها.
أحياناً، أما غير الماشية فلا يتصور فيها غير الضرر برب المال، لأنه تجب فيها الزكاة فيما زاد على النصاب بحسابه، فلا أثر لجمعها، أي لا يعفى منها شيء بعد النصاب، وعليه فتؤخذ من كل واحد منهم زكاته على انفراد إذا كان ما يخصه تجب فيه الزكاة.
وتؤثر الخلطة على الجديد في مذهب الشافعية في غير المواشي، لعموم الحديث السابق:«لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» ،ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية، ولأن المالين كالمال الواحد في المؤن (التكاليف) من مخزن وناطور وغيرهما، فهي كالمواشي، فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحداً. والخلاصة: إن الحنابلة قالوا: لا منفعة للشركاء في الشركة في غير الماشية، وقال الشافعية: المنفعة متوفرة، فيزكى المالان كالمال الواحد.
ب ـ أما الخلطة في المواشي: بأن اشترك أهل الزكاة في ماشية، فلها تأثير عند الشافعية والحنابلة في الزكاة إيجاباً وإسقاطاً وتشديداً وتخفيفاً، فتصير الأموال كالمال الواحد، للحديث السابق:«لا يجمع بين متفرِّق ولا يُفَرَّق بين مجتمع .. » نهى المالك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوب الزكاة أو كثرتها، ونهى الساعي عنها خشية سقوطها أو قلتها.
والخلطة الجائزة المؤثرة نوعان: خلطة شيوع أو أعيان، وخلطة مجاورة أو أوصاف.
أما خلطة الأعيان: فهي أن يشترك أهل الزكاة في ماشية من جنس واحد بإرث أوشراء أو هبة أو غيره، وهي نصاب، أو أقل ولأحدهما نصاب فأكثر وداما على ذلك كإرث أخوين أربعين غنمة، أو شراء اثنين معاً ثلاثين بقرة. أو هي أن
تكون الماشية مشتركة بينهما لكل واحد منهما منها نصيب مشاع، أي أن المالين هنا ممتزجان امتزاج شيوع، فلا يتميز أحدهما عما يملكه الآخر، وإنما لكل منهما جزء غير متعين من المال المملوك بنسبة ما يملك.
وأما خلطة المجاورة أو الأوصاف: وهي أن يكون مال كل واحد منهما مميزاً، فخلطاه واشتركا في الأوصاف التي نذكرها، سواء تساويا في الحصة أو اختلفا، مثل أن يكون لرجل شاة، ولآخر تسعة وثلاثون، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاة، لكل واحد منهم شاة، أي أن المالين هنا غير ممتزجين، بل هما منفصلان متميزان.
فلا يشترط عندهم خلافاً للمالكية أن تكون حصة كل منهم قبل الاشتراك نصاباً، ولا تشترط نية الخلطة؛ لأن خفة المؤنة على الشركاء باتحاد المواقف لا تختلف قصداً وعدمه، أي أن المقصود بالخلطة من الارتفاق يحصل بدونها، ولأن النية لا تؤثر في الخلطة، فلا تؤثر في حكمهما. وإنما اشترط الاتحاد في أمور ليجمع المالان كالمال الواحد، ولتخف المؤنة على المحسن بالزكاة.
وهذه الشركة بنوعيها قد تفيد الشريكين تخفيفاً كالاشتراك في ثمانين شاة على السواء، أو تثقيلاً كالاشتراك في أربعين، أو تخفيفاً على أحدهما وتثقيلاً على الآخر، كأن ملكا ستين لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها، وقد لا تفيد تخفيفاً ولا تثقيلاً كمئتين على السواء.
وتجب الزكاة في مال الشركة كما تجب في مال الرجل الواحد بشروط:
1ً - أن يكون الشريكان من أهل وجوب الزكاة، ومن المعلوم أنه لا تجب الزكاة إلا على حر مسلم تام الملك.
2ً - أن يكون المال المختلط نصاباً، فلا زكاة على ما لم يبلغ مقدار النصاب.
3ً - أن يمضي عليهما حول كامل، وإلا زكى كل منهما على انفراد بحسب مضي حوله، فإن كان لرجل أربعون شاة، ومضى عليهما بعض الحول، ثم باع بعضها مشاعاً، انقطع حول البائع فيما لم يبع، ويستأنفان حولاً جديداً من حين البيع.
4ً - ألا يتميز مال أحدهما عن الآخر في ستة أوصاف: المسرح، والمبيت (المُراح) والمشرب (مكان الشرب فقط)، والمحلب (موضع الحلب)، والفحل (1)، والراعي؛ لأنه إذا تميز مال كل واحد منهم بشيء مما ذكر، لم يصيرا كمال واحد، والقصد بالخلطة (الشركة): أن يصير المالان كمال واحد لتخف المؤنة (النفقة). ويجوز تعدد الرعاة قطعاً بشرط ألا تنفرد هذه عن هذه براع.
والأصل في هذه الشروط الحديث السابق: «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» ولأن المالين صارا كمال واحد في المؤن، فوجب أن تكون زكاته زكاة المال الواحد ويؤيد ذلك حديث آخر:«والخليطان: ما اجتمعا على الفحل والرعي والحوض» (2) فنص على هذه الثلاثة، ونبّه على ما سواها.
(1) المسرح: الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى، ويستتبع ذلك الاتحاد في المرعى: وهو الموضع الذي ترعى فيه، واتحاد الممر بينهما. والمراح بضم الميم: مأواها ليلاً، واتحاد الفحل أو الفحول: أن تكون مرسلة فيها تنزو على كل من الماشيتين بحيث لا تختص ماشية هذا بفحل عن ماشية الآخر.
(2)
رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف عن سعد بن أبي وقاص.