الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو لم يأكل، والمجنون، لكن يقبضها ولي الصغير والمجنون عنهما، أو القيِّم عليهما، روى الدارقطني عن أبي جحيفة قال:«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، فأخذ الصدقة من أغنيائنا، فردها في فقرائنا، وكنت غلاماً يتيماً لا مال لي، فأعطاني قَلُوصاً» أي ناقة شابة.
وبناء على هذه الشروط: لا يجوز دفع الزكاة لغني بمال أو كسب، ولا لعبد، ولا لبني هاشم، وبني المطلب عند الجمهور غير المالكية وأبي حنيفة في الأخير، ولا لكافر، ولا لمن تلزم المزكي أو غيره نفقته، ولا للصغار والمجانين بأنفسهم، ولا لمن ليس في بلد الزكاة كما سأبين في مسألة نقل الزكاة. وأضاف الحنفية: لا يجوز صرف الزكاة لأهل البدع كالمشبهة في ذات الله أو في الصفات. وأجاز الحنفية دفع الزكاة للفقراء في المواسم والأعياد، أو لمن يأتيه ببشارة ونحوها.
المطلب الثاني ـ أحكام متفرقة في توزيع الزكاة:
أولاً ـ دفع الزكاة إلى الإمام وإخراج الإنسان زكاة نفسه:
دل قوله تعالى: {والعاملين عليها} [التوبة:60/ 9] على أن أخذ الزكوات إلى الإمام، إذ لو جاز للمالك أداء الزكاة إلى المستحقين، لما احتيج إلى عامل لجبايتها. ويؤكده قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} [التوبة:103/ 9].
ويجب على الإمام (1) أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال، ولا يعرف ما يجب عليه، وفيهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ.
(1) المهذب: 168/ 1.
ولا يبعث الإمام إلا ساعياً حراً عدلاً ثقة؛ لأن هذا ولاية وأمانة، والعبد والفاسق ليسا من أهل الأمانة والولاية. ولا يبعث إلا فقيهاً؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ، ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض له من مسائل الزكاة وأحكامها.
وهناك آية تجيز لأرباب الأموال دفع الزكاة بأنفسهم إلى المستحقين وهي قوله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} [المعارج:24/ 70 - 25] لأنه إذا كان ذلك الحق حقاً للسائل والمحروم، وجب أن يجوز دفعه إليهما مباشرة.
وعملاً بما دلت عليه الآيات فصل العلماء في بيان تفرقة الزكاة.
أـ فإن كان مال الزكاة خفياً أو باطناً: وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها، جاز للمالك أن يفرقها بنفسه، أو أن يدفعها إلى الإمام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته، وتبعه في ذلك أبو بكر وعمر، ثم طالب بها عثمان لمدة، ولما كثرت أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجاً على الأمة، فوض الأداء إلى أربابها. ودفعها إلى الإمام لأنه نائب عن الفقراء، فجاز الدفع إليه كولي اليتيم، ولأن الإمام أعلم بمصارفها، ودفعها إليه يبرئه ظاهراً وباطناً، لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولأنه يخرج من الخلاف وتزول التهمة عنه.
ب ـ وإن كان مال الزكاة ظاهراً: وهو المواشي والزروع والثمار والمال الذي يمر به التاجر على العاشر، فيجب عند الجمهور منهم الحنفية والمالكية (1) دفعها إلى الإمام، فإن فرقها بنفسه، لم يحتسب له ما أدى، لقوله تعالى: {خذ من أموالهم
(1) البدائع: 35/ 2، الشرح الصغير: 670/ 1، القوانين الفقهية: ص111.
صدقة} [التوبة:103/ 9] أمر الله نبيه بأخذ الزكاة، فدل أن للإمام المطالبة بذلك والأخذ. ودل ذكر «العاملين عليها» في المصارف على أن للإمام مطالبة أرباب الأموال بالصدقات.
وكان النبي يبعث المصدِّقين (الجباة) إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق لأخذ الصدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها (1).
وتابعه على ذلك الخلفاء الراشدون، وقال أبو بكر رضي الله عنه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة:«والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحاربتهم عليه» (2).
لكن المالكية قالوا: إذا كان الإمام عدلاً، وجب دفع الزكاة إليه، وإن كان غير عدل، فإن لم يتمكن المزكي صرفها عنه، دفعت إليه وأجزأت. وإن تمكن صرفها عنه دفعها صاحبها لمستحقها. ويستحب ألا يتولى دفعها بنفسه خوف الثناء.
وقال الشافعي في الجديد (3): يجوز للمزكي أن يفرق زكاة الأموال الظاهرة بنفسه كزكاة الباطن؛ لأنها زكاة، فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن.
وقال الحنابلة (4): يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه، ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، سواء أكانت من الأموال الظاهرة أم الباطنة. قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز. ودليلهم أن
(1) ثبت ذلك في حديث أنس عن أبي بكر عند أحمد والنسائي وأبي داود والبخاري، وعند الخمسة عن معاذ بن جبل، وعن رواة آخرين (نيل الأوطار: 124/ 4 ومابعدها، 132 ومابعدها).
(2)
رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 119/ 4).
(3)
المهذب: 168/ 1.
(4)
المغني: 641/ 2.