الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل وجوب الحج على الفور أو على التراخي
؟ للعلماء في ذلك اتجاهان:
قال أبو حنيفة وأبو يوسف والمالكية في أرجح القولين والحنابلة (1): يجب الحج بعد توافر الاستطاعة وبقية الشروط الآتية على الفور في العام الأول، أي في أول أوقات الإمكان، فيفسق وترد شهادته بتأخيره سنيناً؛ لأن تأخيره معصية صغيرة، وبارتكابه مرة لا يفسق إلا بالإصرار، لأن الفورية ظنية، بسبب كون دليلها ظنياً كما قال الحنفية، ويدل عليه أنه لو تراخى كان أداء، وإن أثم بموته قبله، وقالوا: لو لم يحج حتى أتلف ماله، وسعه أن يستقرض ويحج، ولو غير قادر على وفائه، ويرجى ألا يؤاخذه الله بذلك إذا كان ناوياً الوفاء لو قدر. وذكر الحنابلة أن من فرط فيه حتى توفي أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة. واستدلوا بقوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران:97/ 3] وقوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة:196/ 2] والأمر على الفور عندهم.
واستدلوا أيضاً بأحاديث منها: «حجوا قبل أن لا تحجوا» (2) وحديث «تعجَّلوا إلى الحج يعني الفريضة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرِض له» (3) وحديث «من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر، فلم يحج، فليمت
(1) الدر المختار: 191/ 2 ومابعدها، البدائع: 119/ 2، الشرح الصغير: 4/ 2، كشاف القناع: 465/ 2، المغني: 208/ 3، 241.
(2)
حديث صحيح رواه الحاكم والبيهقي عن علي.
(3)
رواه أحمد وأبو القاسم الأصبهاني عن ابن عباس، وفي سنده أبو إسرائيل ضعيف الحفظ (نيل الأوطار:284/ 4).
إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً» (1) ورواية الترمذي:«من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (2) [آل عمران:97/ 3] وهي مع غيرها تدل على وجوب الحج على الفور، فإنه ألحق الوعيد بمن أخر الحج عن أول أوقات الإمكان؛ لأنه قال: «من ملك .. فلم يحج» والفاء للتعقيب بلا فصل، أي لم يحج عقب ملك الزاد والراحلة، بلا فاصل.
وقال الشافعية (3) ومحمد من الحنفية: وجوب الحج على التراخي، وليس معناه تعين التأخير، بل بمعنى عدم لزوم الفور، ويسن لمن وجب عليه الحج أوالعمرة بنفسه أو بغيره ألا يؤخر ذلك عن سنة الإمكان، مبادرة إلى براءة ذمته، ومسارعة إلى الطاعات، لقوله تعالى:{فاستبقوا الخيرات} [البقرة:148/ 2] ولأنه إذا أخره عرّضه للفوات ولحوادث الزمان. ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة؛ لأن فريضة الحج نزلت على المشهور عندهم سنة ست، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر من غير عذر، فلو لم يجز التأخير لما أخره.
وهذا الرأي أولى ليسره على الناس وعدم الحكم بالتأثيم، ولأن الأحاديث التي احتج بها الجمهور كلها ضعيفة، والحج فرض سنة ست عند نزول سورة آل عمران، كما حقق الشافعية، ومن قال: إنه فرض سنة عشر فقد أخطأ؛ لأن السورة نزلت قبلها قطعاً، لكن تعجيل الحج ضروري للاحتياط.
(1) رواه سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة مرفوعاً، وفيه ليث بن أبي سليم ضعيف (المرجع السابق).
(2)
قال الترمذي: غريب، في إسناده مقال، وفيه ضعف.
(3)
شرح المجموع: 82/ 7 ومابعدها، المهذب: 199/ 1، الإيضاح: ص 17، مغني المحتاج: 460/ 1، 470.