الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ح ـ كذلك لم ير أبو عبيد إجزاء الزكاة بجعلها عن الدين، واستدل على ذلك بأدلة ثلاثة هي:
الأول ـ أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة (الزكاة) كانت على خلاف هذا الفعل؛ لأنه إنما كان يأخذها من أعيان المال عن ظهر أيدي الأغنياء (أي مقبوضاً منهم) ثم يردها في الفقراء. وكذلك كانت الخلفاء بعده، ولم يأتنا أحد منهم أنه أذن لأحد في احتساب دين من زكاة، وقد علمنا أن الناس قد كانوا يتداينون في دهرهم.
الثاني ـ أن هذا مال تاو (والتوى: الهلاك والضياع والخسارة) غير موجود قد خرج من يد صاحبه على معنى القرض والدين، ثم هو يريد تحويله بعد التواء إلى غيره بالنية، فهذا ليس بجائز في معاملات الناس بينهم، حتى يقبض ذلك الدين، ثم يستأنف الوجه الآخر، فكيف يجوز فيما بين العباد وبين الله عز وجل؟ أي لأن حقوق العباد مبنية على المشاحّة، وحقوق الله عز وجل مبناها على المسامحة.
الثالث ـ أن هذا المزكي لا يؤمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين الذي قد يئس منه، فيجعله ردءاً لماله يقيه به، إذا كان منه يائساً، وليس يقبل الله تبارك وتعالى إلا ما كان له خالصاً (1).
الترجيح:
تبين لنا ضعف الأدلة التي اعتمد عليها أنصار الرأي الأول الذين يرون احتساب الدين من الزكاة، وأدركنا قوة أدلة الرأي الثاني الذين يرون أن إسقاط الدين أو الإبراء منه لا يقع عن الزكاة، ويمكن تلخيص أدلتهم فيما يأتي:
1 -
كون الدين في الذمة غير مملوك للمزكي الدائن؛ لأن الدين لا يملك إلا بالقبض.
(1) الأموال لأبي عبيد: ص 533 - 534.
2 -
عدم توافر القبض الذي يحقق معنى إعطاء الزكاة للمستحقين.
3 -
يشترط في الزكاة وغيرها مقارنة النية للأداء دائماً.
4 -
التمليك شرط لصحة أداء الزكاة بأن تعطى للمستحقين، فلا يكفي فيها الإباحة أو الإطعام إلا بطريق التمليك، لقوله تعالى:{إنما الصدقات للفقراء} [التوبة:60/ 9] والتصدق تمليك، واللام في كلمة «للفقراء» لام التمليك. والدّين لا يملك إلا بالقبض، كما قال الإمامية أنفسهم (1).
والإبراء عند الحنفية والحنابلة إسقاط لا تمليك، وإذا كان الإبراء عند المالكية نقلاً للملك، وتمليكاً للمدين ما في ذمته في الجديد عند الشافعية، فإن هذا لا ينطبق عندهم على حالة الإبراء من الدين لاحتسابه من الزكاة، كما قرروا فيما سبق؛ لأن المسامحة بالدين لا تعد تمليكاً.
5 -
إن هذا الإبراء يعد حيلة للتهرب من الزكاة، وطريقاً للتخلص من حقوق الفقراء.
6 -
يعد هذا الإبراء مثل بيع دين في دين، كما ذكر الإباضية، وهو لا يجوز.
7 -
هذا عمل مخالف للسنة النبوية ولفعل الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين.
8 -
إن المال الموجود عند المدين مال تاو، أي تالف ضائع هالك.
9 -
أراد المزكي وقاية ماله بهذا الدين الذي صار ميئوساً منه.
(1) الفقه على المذاهب الخمسة للأستاذ محمد جواد مغنية: ص 167.