الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأولى دفع الزكاة إلى سيد المكاتب، من دفع الزكاة إلى المكاتب.
ويجوز أن يشتري المزكي من الزكاة رقبة لا تعتق عليه. فيعتقها، لقول ابن عباس. ويجوز أن يعتق قِنّه أو مكاتَبه عنها؛ لأنه فك رقبة الأسير، فهو كفك رقبة العبد من الرق، ولأن فيه إعزازاً للدين، أشبه ما يدفع إلى الغارم لفك رقبته من الدين.
والولاء عند الحنابلة للمعتق: لما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الولاء لمن أعتق» . أما ما أعتقه الساعي من الزكاة أو الإمام منها، فولاؤه للمسلمين، لأنه نائب عنهم.
أدلة المذاهب:
أدلة الاتجاه الأول للحنفية والشافعية ومن وافقهم من السلف:
استدل هؤلاء على أن سهم «في الرقاب» يصرف في مساعدة المكاتبين على تحرير أنفسهم بما يلي:
1 -
إن قوله عز وجل: {وفي الرقاب} [التوبة:60/ 9]، كقوله تعالى:{وفي سبيل الله} [التوبة:60/ 9] وهناك يجب الدفع إلى المجاهدين، فكذا يجب هنا الدفع إلى الرقاب، ولا يكون دفعاً إليهم إلا على مذهبنا أي للمكاتبين.
وأما من قال: يشترى به عبيد، فليس بدفع إليهم، وإنما هو دفع إلى ساداتهم، ولأن في جميع الأصناف يسلم السهم إلى المستحق ويملكه إياه، فينبغي أن يكون كذلك هنا، ولأن ما قالوه يؤدي إلى تعطيل هذا السهم في حق كثير من الناس؛ لأن من الناس من لا يجب عليه من الزكاة لهذا السهم ما يشتري به رقبة يعتقها، وإن أعتق بعضها قوِّم عليه الباقي، ولا يلزمه صرف زكاة الأموال الباطنة
إلى الإمام بالإجماع، فيؤدي إلى تفويته. وأما على مذهبنا فيمكنه صرفه إليهم، ولو كان درهماً.
وتخصص كلمة «في الرقاب» بالمكاتبين لعدم وجود قرينة لصرف الزكاة إلى القن، وقد وجدت القرينة في الكفارة بالعبد القن، وهي أن التحرير لا يكون إلا في القن، ولم توجد هذه القرينة في مسألتنا، فحملناه على المكاتبين لما ذكرناه أولاً (1).
وخلاصة هذا الدليل اشتراط التمليك لمستحق الزكاة، وهذا يتصور في المكاتب دون العبد القن (الخالص العبودية) فلا تصرف الزكاة في الإعتاق، أي إعتاق الرقبة من الزكاة، وإنما يعان المكاتبون من الزكاة على الكتابة. ويلاحظ أن اختلاف التعبير بين الأصناف الأربعة الأولى وبين الأربعة الأخيرة دليل على عدم اشتراط التمليك المطلق في الأخيرة كما ذكر الرازي.
2 -
إن عتق الرقبة لا يسمى صدقة، وما أعطي في ثمن الرقبة فليس بصدقة، لأن بائعها أخذه ثمناً لعبد، فلم تحصل بعتق الرقبة صدقة، والله تعالى إنما جعل الصدقات في الرقاب، فما ليس بصدقة فهو غير مجزئ (2).
وأيضاً فإن الصدقة تقتضي تمليكاً، والعبد لم يملك شيئاً بالعتق، وإنما سقط عن رقبته، وهو ملك للمولى، ولم يحصل ذلك الرق للعبد، لأنه لو حصل له، لوجب أن يقوم فيه مقام المولى، فيتصرف في رقبته، كما يتصرف المولى، فثبت أن الذي حصل للعبد إنما هو سقوط ملك المولى، وإنه لم يملك بذلك شيئاً، فلا يجوز أن يكون ذلك مجزياً من الصدقة، إذ شرط الصدقة وقوع الملك للمتصدق عليه.
(1) شرح المجموع:146/ 6 - 147.
(2)
أحكام القرآن للجصاص الرازي: 135/ 3.
وأيضاً فإن العتق واقع في ملك المولى غير منتقل إلى الغير، ولذلك ثبت ولاؤه منه، فغير جائز وقوعه عن الصدقة. ولما قامت الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق،
وجب ألا يكون الولاء لغيره، فإذا انتفى أن يكون الولاء إلا لمن أعتق، ثبت أن المراد به المكاتبون (1). والجواب عن اشتراط التمليك ذكر سابقاً.
3 -
روى عبد الرحمن بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعان مكاتباً في رقبته أو غازياً في عسرته، أو مجاهداً في سبيله، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فثبت بذلك أن الصدقة على المكاتبين معونة لهم في رقابهم حتى يعتقوا، وذلك موافق لقوله تعالى:{وفي الرقاب} [التوبة:60/ 9].
فلما قال: {وفي الرقاب} [التوبة:60/ 9] كان الأولى أن يكون في معونتها بأن يعطى المكاتب حتى يفك العبد رقبته من الرق، وليس هو ابتياعها وعتقها؛ لأن الثمن حينئذ يأخذه البائْع، وليس في ذلك قربة (2)، وإنما القربة في أن يعطى العبد نفسه حتى يفك به رقبته، وذلك لا يكون إلا بعد الكتابة، لأنه قبلها يحصل للمولى، وإذا كان مكاتباً فما يأخذه لا يملكه المولى، وإنما يحصل للمكاتب، فيجزي من الزكاة (3).
4 -
إن عتق الرقبة يسقط حق المولى عن رقبته من غير تمليك، ولا يحتاج فيه إلى إذن المولى، فيكون بمنزلة من قضى دين رجل بغير أمره، فلا يجزي من زكاته، وإن دفعه إلى الغارم، فقضى به دين نفسه، جاز، كذلك إذا دفعه إلى المكاتب،
(1) المرجع والمكان السابق.
(2)
وهذا كلام عجيب، أليس بذل المال في سبيل إعتاق الرقيق من أعظم القربات عند الله تعالى؟ قال الله تعالى:{وما أدراك ما العقبة؟ فك رقبة} [البلد:12/ 90 - 13].
(3)
المرجع السابق ....