الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الجمع نسك من أعمال الحج عند الحنفية، فيشمل المقيم والمسافر، لكن لو كان مقيماً كإمام مكة صلى بهم صلاة المقيمين، ولا يجوز له القصر، ولا للحجاج الاقتداء به.
ورأى المالكية أيضاً أنه يسن الجمع بين الظهرين جمع تقديم حتى لأهل عرفة. ويسن قصرهما إلا لأهل عرفة بأذان ثان وإقامة للعصر من غير تنفل بينهما، ومن فاته الجمع مع الإمام جمع في رحله.
وأجاز الحنابلة أيضاً الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره، أما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة. والحاصل أن الجمهور يرون جواز هذا الجمع لكل حاج، أما القصر فلا يجوز لأهل عرفة وأهل مكة، وأجاز المالكية القصر لأهل مكة.
ورأى الشافعية: أن هذا الجمع والقصر وفي المزدلفة أيضاً للسفر لا للنسك، فهما جائزان للمسافر فقط، ويختصان بسفر القصر، فيأمر الإمام المكيين ومن لم يبلغ سفره مسافة القصر (89كم) بالإتمام وعدم الجمع، كأن يقول لهم بعد السلام: ياأهل مكة ومن سفره قصير أتموا، فإنا قوم سَفْر. وإذا دخل الحجاج مكة ونووا أن يقيموا بها أربعة أيام لزمهم الإتمام، فإذا خرجوا يوم التروية إلى منى، ونووا الذهاب إلى أوطانهم عنذ فراغ مناسكهم، كان لهم القصر من حين خرجوا؛ لأنهم أنشؤوا سفراً تقصر فيه الصلاة.
ثم بعد الفراغ من الصلاة يذهبون إلى الموقف، ويعجلون السير إليه، و
سنن الوقوف وآدابه:
هي ما يأتي (1):
1ً - الاغتسال بنمرة.
(1) الإيضاح: 51 - 54.
2ً - ألا يدخل أحد عرفات إلا بعد الزوال والصلاتين.
3ً - أن يخطب الإمام خطبتين ويجمع الصلاتين، كما تقدم.
4ً - تعجيل الوقوف عقب الصلاتين.
5ً - الأفضل كون الوقوف عند الصخرات الكبار في أسفل جبل الرحمة.
6ً - ينبغي أن يبقى في الموقف حتى تغرب الشمس، فيجمع في وقوفه بين الليل والنهار، بل هو واجب عند الجمهور غير الشافعية.
7ً - الأفضل أن يقف راكباً، وهو أفضل من الماشي، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أعون على الدعاء، وهو المهم في هذا الموضع.
8ً - استقبال القبلة مع التطهير وستر العورة ونية الوقوف بعرفة (1)، فلو وقف محدثاً أو جنباً أو حائضاً أو عليه نجاسة، أو مكشوف العورة، صح وقوفه، وفاتته الفضيلة.
9ً - الأفضل للواقف ألا يستظل، بل يبرز للشمس، إلا لعذر، بأن يتضرر أو أن ينقص دعاؤه واجتهاده.
10ً - أن يكون مفطراً؛ لأن الفطر أعون على الدعاء، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف مفطراً.
11ً - أن يكون حاضر القلب، فارغاً من الشواغل عن الدعاء.
(1) سبب التفرقة عند الحنفية والحنابلة بين الطواف والوقوف باشتراط النية في الطواف دون الوقوف: أن النية عند الإحرام تضمنت جمبع ما يفعل فيه، والوقوف يفعل في حالة الإحرام، وأما الطواف فيقع به التحلل، فاشترط فيه عند الحنفية أصل النية دون تعيينها.
12 -
الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام القبيح، بل ينبغي أن يحترز عن الكلام المباح ما أمكنه، فإنه تضييع للوقت المهم فيما لا يعني.
13 -
الاستكثار من عمل الخير في يوم عرفة وسائر أيام ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما العمل في أيام أفضل منه في هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بماله ونفسه، فلم يرجع بشيء» (1).
14 -
الإكثار من الدعاء والتهليل وقراءة القرآن والاستغفار والتضرع والخشوع وإظهار الضعف والافتقار، والإلحاح في الدعاء، وتكرار الدعاء ثلاثاً، والتسبيح والتحميد والتكبير، ويكثر البكاء مع ذلك، فهنالك تسكب العبرات، وتقال العثرات.
وأفضل ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» .
وفي كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: أكثر ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف:
(1) رواه البخاري عن ابن عباس. وأيام العشر: هي الأيام المعلومات. وأيام التشريق هي المعدودات، وقال ابن جزي المالكي في قوانينه: ص143: الأيام المعلومات: هي أيام النحر الثلاثة، والأيام المعدودات: هي أيام منى، وهي أيام التشريق: وهي الثلاثة بعد يوم النحر، فيوم النحر معلوم غير معدود، والثاني والثالث معلومان معدودان، والرابع معدود غير معلوم.
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح.
ومن الأدعية المختارة: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم اغفر لي مغفرة من عندك تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمة منك أسعد بها في الدارين، وتب علي توبة نصوحاً لا أنكثها أبداً، وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبداً، اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وأغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله، استودعتك ديني وأمانتي وقلبي وبدني وخواتيم عملي، وجميع ما أنعمت به علي وعلى جميع أحبائي والمسلمين أجمعين).
ويستحب أن يكثر من التلبية رافعاً بها صوته، ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينبغي أن يأتي بهذه الأنواع كلها، فتارة يدعو، وتارة يهلل، وتارة يكبر، وتارة يلبي، وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يستغفر ويدعو منفرداً، ومع جماعة.
وليدع لنفسه ووالديه وأقاربه وشيوخه وأصحابه وأحبابه وأصدقائه وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين.
ويستحب الإكثار من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات، مع
الاعتقاد بالقلب، وأن يكثر من البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات.
وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصين وخواصه المقربين، وهو أعظم مجامع الدنيا، وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه يباهي بهم الملائكة، يقول: ما أراد هؤلاء» .