الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأى الجمهور أن الحديث في صوم الدهر على ظاهره، وحملوه على من صام الأيام المنهي عنها. شديدة، وقد يحرم صومهم إذا خافوا الهلاك أو تلف عضو بترك الغذاء. ولا يكره صوم يوم النيروز والمهرجان.
وقال الحنابلة (1): مثل الشافعية؛ وزادوا أنه يكره صوم الوصال: وهو ألا يفطر بين اليومين، وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، ويكره صوم بسفر قصر ولو بلا مشقة، فلو سافر ليفطر حرم السفر والفطر. ويكره إفراد رجب بالصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن صيامه» (2)، ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه، وتزول الكراهة بفطره فيه، ولو يوماً، أو بصومه شهراً آخر من السنة، ولايكره إفراد شهر غير رجب بالصوم.
ويكره إفراد يوم نيروز (اليوم الرابع من الربيع) ويوم مهرجان (اليوم التاسع عشر من الخريف) بالصوم، وهما عيدان للكفار، لما فيه من موافقة الكفار في تعظيمهما.
ويكره أيضاً صوم يوم الشك، كما سبق، وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، ولا يكره تقدمه بأكثر من يومين.
النوع الرابع ـ صوم التطوع أو الصوم المندوب:
التطوع: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات، مأخوذ من قوله تعالى:{ومن تطوع خيراً} [البقرة:158/ 2]، وقد يعبر عنه بالنافلة كما في الصلاة، لقوله تعالى:{ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء:79/ 17]. ولا
(1) كشاف القناع: 397/ 2 - 399، غاية المنتهى: 334/ 1.
(2)
رواه ابن ماجه عن ابن عباس، وهو ضعيف. وكل حديث روي في فضل صوم رجب أو الصلاة فيه فكذب باتفاق أهل العلم.
شك أن الصوم ـ كما أبنت ـ من أفضل العبادات، ففي الصحيحين:«من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً» وفي الحديث المتقدم: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به» .
وأيام صوم التطوع بالاتفاق ما يلي:
1 -
صوم يوم وإفطار يوم: أفضل صوم التطوع صيام يوم، وإفطار يوم، لخبر الصحيحين:«أفضل الصيام صوم داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً» وفيه «لاأفضل من ذلك» (1).
2 -
صوم ثلاثةأيام من كل شهر، والأفضل أن تكون الأيام البيض أي أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وسميت بيضاً لابيضاضها ليلاً بالقمر، نهاراً بالشمس، وأجرها كصوم الدهر، بتضعيف الأجر، الحسنة بعشر أمثالها من غير حصول المضرة أو المفسدة التي في صيام الدهر. ودليلها ما روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثالث عشرة، ورابع عشرة، وخامس عشرة» (2) وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عدة ثلاثة أيام من كل شهر» (3).
(1) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو، ولفظه:«صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود، وهو أفضل الصيام، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال: لا أفضل من ذلك» (نيل الأوطار: 254/ 4).
(2)
رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان في صحيحه، وأحمد (نيل الأوطار: 252/ 4 ومابعدها، سبل السلام: 168/ 2).
(3)
رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود، وأخرج مسلم من حديث عائشة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ما يبالي في أي الشهر صام» (سبل السلام: 168/ 2).
3 -
صوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، لقول أسامة بن زيد إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس، فسئل عن ذلك فقال:«إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس» (1)، وفي لفظ:«وأحب أن يُعْرَض عملي وأنا صائم» .
4 -
صوم ستة أيام من شوال، ولو متفرقة، ولكن تتابعها أفضل عقب العيد مبادرة إلى العبادة، ويحصل له ثوابها ولو صام قضاء أو نذراً أو غير ذلك، فمن صامها بعد أن صام رمضان، فكأنما صام الدهر فرضاً، لما روى أبو أيوب «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، فذاك صيام الدهر» (2) وروى ثوبان: «صيام شهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك سنة» (3) يعني أن الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة أشهر، والستة بستين، فذلك سنة كاملة.
5 -
صوم يوم عرفة: هو تاسع ذي الحجة لغير الحاج، لخبر مسلم:«صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبلها، والسنة التي بعده» وهو أفضل الأيام لخبر مسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة» ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة» فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر (4).
أما الحاج فلا يسن له صوم يوم عرفة، بل يسن له فطره وإن كان قوياً، ليقوى على الدعاء، واتباعاً للسنة، كما روى الشيخان، فصومه له خلاف الأولى، قال
(1) رواه أبو داود.
(2)
رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، ورواه أحمد من حديث جابر (نيل الأوطار: 237/ 4).
(3)
رواه سعيد بن منصور بإسناده عن ثوبان.
(4)
قيل: المكفر الصغائر دون الكبائر، ورد عليه: وهذا تحكم يحتاج إلى دليل، والحديث عام، وفضل الله واسع لا يحجر.
أبو هريرة رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات» (1). ولا بأس بصومه للحاج عند الحنفية إذا لم يضعفه الصوم.
6 -
صوم الأيام الثمانية من ذي الحجة قبل يوم عرفة للحاج وغيره، لقول حفصة:«أربع لم يكن يدعُهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة» (2) وقد تقدم في بحث «صلاة العيدين» أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة عموماً، والصوم مندرج تحتها.
7 -
صوم تاسوعاء وعاشوراء: وهما التاسع والعاشر من شهر المحرم، ويسن الجمع بينهما، لحديث ابن عباس مرفوعاً:«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر» (3) ويتأكد صيام عاشوراء لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: «أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله» (4)، وإنما لم يجب صومه لخبر الصحيحين:«إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر» وحملوا الأخبار الواردة بالأمر بصومه على تأكد الاستحباب.
والحكمة من صيام عاشوراء: ما بينه ابن عباس، قائلاً: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم،
(1) رواه أحمد وابن ماجه (نيل الأوطار: 239/ 4).
(2)
رواه أحمد وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار: 238/ 4).
(3)
رواه الخلال بإسناد جيد، واحتج به أحمد، وروى مسلم:«لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع» .
(4)
روى الجماعة إلا البخاري والترمذي عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» وحكمة التفرقة: أن عرفة يوم محمدي: يعني أن صومه مختص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعاشوراء يوم موسوي، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (نيل الأوطار: 238/ 4)، وأحتسب: أطلب الأجر والثواب.
فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: يومٌ صالح، نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال: أنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه» (1).
فإن لم يصم مع عاشوراء تاسوعاء، سن عند الشافعية أن يصوم معه الحادي عشر، بل نص الشافعي في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة. وذكر الحنابلة أنه إن اشتبه على المسلم أول الشهر، صام ثلاثة أيام، ليتيقن صومها. وتاسوعاء وعاشوراء آكد شهر الله المحرم.
ولا يكره عند الجمهور غير إفراد العاشر بالصوم.
8 -
صيام الأشهر الحرم ـ وهي أربع: ثلاثة متوالية؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم، وواحد منفرد وهو رجب، وهي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان، وأفضل الأشهر الحرم: المحرم، ثم رجب، ثم باقي الحرم، ثم بعد الحرم شعبان.
واستحباب صوم هذه الأشهر هو عند المالكية والشافعية (2)، واكتفى الحنابلة باستحباب صوم المحرم، فهو عندهم أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم» (3)، وأفضل المحرم يوم عاشوراء، كما تقدم. وقال الحنفية: المندوب في الأشهر الحرم أن يصوم ثلاثة أيام من كل منها، وهي الخميس والجمعة والسبت.
(1) متفق عليه (نيل الأوطار: 241/ 4).
(2)
القوانين الفقهية: ص 114، الحضرمية: ص 118.
(3)
رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة.