الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
حد عرفة:
من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر. وهي الآن معروفة بحدود معينة، وليس منها عرنة ولا نَمِرة ومسجد إبراهيم عليه السلام، فإن آخره منها وصدره عن عرنة.
والمستحب أن يقف عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة، ويستقبل القبلة، لما جاء في حديث جابر المتقدم:«أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل منها جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة» .
ثالثاً ـ زمان الوقوف:
يقف الحاج بالاتفاق من حين زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة بعد الزوال وقال: خذوا عني مناسككم. وقال الحنابلة: يبدأ وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه» (1).
فن وقف بعرفة قبل الزوال وأفاض منها قبل الزوال لا يعتد بوقوفه بالإجماع، وفاته الحج إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو جزءاً من ليلة النحر قبل طلوع الفجر.
ومن وقف بعرفات ولو مروراً أو نائماً أو مغمى عليه، ولم يعلم أنها عرفة، في هذا الوقت، أجزأه ذلك عند الحنفية عن الوقوف. قال عبد الرحمن بن يَعْمُر الديلي: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فجاء نفر من أهل نجد، فقالوا: يارسول
(1) رواه الخمسةعن عروة بن مضرس، والمشهور أن التفث: ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة.
الله، كيف الحج؟ قال: الحج عرفة. فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جَمْع، فقد تم حجه» (1).
واشترط المالكية في المار شرطين وهما أن يعلم أنه عرفة، وأن ينوي الحضور الركن، وأجازوا كون الواقف نائماً أو مغمى عليه كالحنفية.
واشترط الشافعية والحنابلة كون الواقف عاقلاً أهلاً للعبادة، سواء فيه الصبي والنائم وغيرهما؛ لأن النائم في حكم المستيقظ. وأما المغمى عليه والسكران فلا يصح وقوفهما؛ لأنهما ليسا من أهل العبادة، وكل منهما زائل العقل بغير نوم، فمن كان من أهل العبادة وحصل في جزء يسير من أجزاء عرفات في لحظة لطيفة من وقت الوقوف المذكور (وهو ما بين زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر عند الجمهور، ومن طلوع فجر يوم عرفة عند الحنابلة) صح وقوفه، سواء حضر عمداً أو وقف مع الغفلة، أو مع البيع والشراء، أو التحدث واللهو، أو في حال النوم، أو اجتاز بعرفات ماراً في وقت الوقوف، وهو جاهل لا يعلم أنها عرفات، ولم يلبث أصلاً، بل اجتاز مسرعاً في طرف من أرضها المحدودة، أو اجتازها في طلب غريم هارب أو بهيمة شاردة أو كان نائماً على بعيره، فانتهى به البعير إلى عرفات، فمر بها البعير، أو غير ذلك مما هو في معناه، يصح وقوفه في جميع ذلك، ولكن يفوته كمال الفضيلة.
ويجب عند الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) الوقوف إلى غروب الشمس، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس، في حديث جابر السابق. وفي حديث علي وأسامة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع حين غابت الشمس» فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح تام عند أكثر أهل العلم، وعليه دم.
(1) رواه أبو داود وابن ماجه، وليلة جمع: هي ليلة المبيت بالمزدلفة (نيل الأوطار: 59/ 5).
وقال الشافعية: يسن الجمع بين الليل والنهار فقط، اتباعاً للسنة، فلا دم على من دفع من عرفة قبل الغروب، وإن لم يعد إليها بعده، لما في الخبر الصحيح:«أن من أتى عرفة قبل الفجر ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه» (1) ولو لزمه دم لكان حجه ناقصاً، نعم، يسن له دم، وهو دم ترتيب وتقدير، خروجاً من خلاف من أوجبه.
وقال المالكية: الركن الحضور بعرفة ليلة النحر، على أي حالة كانت، ولو بالمرور بها، إن علم أنه عرفة، ونوى الحضور، وهذان شرطان في المار فقط كما تقدم، أو كان مغمى عليه. فمن وقف بعرفة بعد الزوال، ثم دفع منها قبل غروب الشمس، فعليه حج قابل، إلا أن يرجع قبل الفجر. لكن إن دفع من عرفة قبل الإمام وبعد غروب الشمس أجزأه. وبهذا يكون شرط صحة الوقوف عندهم: هو أن يقف ليلاً، ودليلهم أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حين غربت الشمس، وروى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك عرفات بليل، فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل، فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» .
ونوقش الدليل الأول بأن فعله عليه السلام على جهة الأفضل؛ لأنه كان مخيراً بين ذلك. وأن الحديث الثاني هو بيان آخر وقت الوقوف.
والحاصل أن الجمهور يقولون: يجزئ الوقوف ليلاً أو نهاراً بعد الزوال، وقال المالكية: الواجب الوقوف ليلاً، فمن تركه فينجبر بالدم، كما أن الحنفية والحنابلة يوجبون الدم على من ترك الوقوف ليلاً، والشافعية قالوا: يسن له الدم فقط.
(1) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الأربعة) وصححه الترمذي عن عروة بن مُضَرِّس بن أوس. وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف (نيل الأوطار: 58/ 5) لكن قرر العلماء على أن المراد بقوله عليه السلام في هذا الحديث «نهاراً» أنه بعد الزوال. ويلاحظ أن الحنابلة أجازوا الوقوف من الفجر يوم عرفة، عملاً بظاهر هذا الحديث.