الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً ـ الأحكام التي يخالف فيها الحرم غيره من البلاد (خصائصه ومحظوراته):
للحرم المكي أحكام خاصة، أهمها ما يأتي (1):
1ً - ينبغي ألا يدخله أحد إلا بإحرام، وهو مستحب عند الشافعية، واجب عند غيرهم.
2ً - يحرم صيد الحرم بالإجماع على الحلال والمحرم إلا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً، وهو مضمون بإتلافه خلافاً لداود الظاهري، لحديث:«لا ينفَّر صيده» .
3ً - يحرم قطع شجر الحرم ونباته الرطب الذي ينبت بنفسه ولا يستنبته الناس كالشيح والشوك والعوسج، إلا ما فيه ضرورة كالإذْخر (نبات طيب الرائحة)، ويلحق به كما أبان المالكية ستة: السَّنَا (المعروف بالسنامكي) للحاجة إليه في التداوي، والهَشّ (قطع ورق الشجر بالمِحْجَن)(2)، والعَصَا، والسواك، وقطع الشجر للبناء والسكنى بموضعه، وقطعه لإصلاح الحوائط والبساتين. لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَد شوكه، ولا يُنَفَّر صيده، ولا يَلْتقط لقطته إلا من عرَّفها، ولا يُخْتَلى خلاه (3)، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخِر، فإنه
(1) المجموع: 443/ 7 - 444، المهذب: 218/ 1 - 220، الكتاب مع اللباب: 211/ 1، الشرح الصغير مع الصاوي: 110/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 527/ 1 ومابعدها، المغني: 344/ 3 - 355، بداية المجتهد: 319/ 1، البدائع: 207/ 2 - 211، إعلام الساجد: ص137، 154 - 169، الدر المختار: 297/ 2 ومابعدها، الإيضاح: ص 95 - 97، طبعة الجمالية بمصر.
(2)
المحجن: العصا المعوجة من الطرف. أما خبط العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام.
(3)
الخلا: الحشيش الرطب.
لقَيْنهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر» (1) ويجب عند الجمهور ضمان الشجر خلافاً للمالكية. والمستنبت الذي استنبته الآدميون من الشجر كغيره على المذهب عند الشافعية وهو الأظهر في الحرمة والضمان، لعموم الحديث السابق. ويحل الإذخر، والشوك كالعوسج (نوع من الشوك) وغيره من كل مؤذ كالصيد المؤذي، فلا ضمان في قطعه. والأصح عند الشافعية حل أخذ نبات الحرم من حشيش ونحوه بالقطع لعلف البهائم وللدواء كالحنظل، وللتغذي كالرِّجْلة والبقلة للحاجة إليه (2).
ولا يحرم عند غير الشافعية قطع ما أنبته الآدمي من الشجر كالجوز واللوز والنخل ونحوه كشجر الأراك، والرمان والخس والبطيخ والحنطة، ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لأنه قد مات، وليس له أخذ ورق الشجر، ويباح أخذ الكمأة من الحرم لأنها ليست من جنس النبات، بل هي من ودائع الأرض، وكذا الفقع؛ لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة. ولا شيء بقتل غراب وحدأة وفأرة وحية وكلب عقور وبعوض ونمل وبرغوث وقراد وسلحفاة وما ليس بصيد، على الخلاف والتفصيل السابق.
وأما صيد وَج (واد بالطائف) وشجره: فحرام لا يضمن عند الشافعية، لحديث:«ألا إن صيد وج وعضاهه ـ يعني شجره ـ حرام محرم» (3) وهو مباح حلال عند الحنابلة؛ لأن الأصل الإباحة، والحديث ضعفه أحمد، لكن لايضمن قطعاً عند الشافعية.
(1) رواه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس (جامع الأصول: 183/ 10) وعضد الشجر: قطعه بالمِعْضَد: وهي حديدة تتخذ لقطعه. والقين: الحداد، والعبد أيضاً. ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقُفونها به فوق الخشب.
(2)
مغني المحتاج 527/ 1 ومابعدها.
(3)
حديث ضعيف رواه البيهقي عن الزبير بن العوام.
4ً - يمنع إخراج تراب الحرم وأحجاره، والمعتمد عند أكثر الشافعية كراهة ذلك، والأصح عند النووي التحريم. وقال الحنفية: لا بأس بإخراج الأحجار وترابه.
5ً - يمنع عند الجمهور كل كافر من دخول الحرم، مقيماً كان أو ماراً. وأجازه أبو حنيفة ما لم يستوطنه.
6ً - لا تحل لقطة مكة وحرمها لمتملك، وإنما تحل لمنشد يحفظها ويعرفها بخلاف سائر البلاد، للحديث المتقدم:«ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها» .
7ً - تغلظ الدية على القاتل الذي قتل في حرم مكة، لقول تعالى:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة:191/ 2] لأن للحرم تأثيراً في إثبات الأمن. وتغلظ وإن كان القتل خطأ، سواء أكان القاتل والمقتول معاً في الحرم، أم أحدهما فيه دون الآخر.
وقدر التغليظ عند أحمد: هو الزيادة في العدد أي بمقدار الدية وثلث الدية.
وعند الشافعي: التغليظ جاء في أسنان الإبل، لا الزيادة في العدد.
ولا تغلظ الدية بالقتل في حرم المدينة، في الأصح عند الشافعية.
ويجوز عند الجمهور خلافاً لجماعة قتال البغاة في حرم مكة على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها.
وتقام الحدود والقصاص في الحرم عند المالكية والشافعية، لقوله تعالى:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة:191/ 2] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خَطَل لما وجد متعلقاً بأستار الكعبة، وأمر النبي بقتل الفواسق الخمس في الحل والحرم؛ لأنها مؤذيات طبعاً.
وروي عن أحمد وأبي حنيفة والظاهرية أن من وجب عليه الحد أو القصاص آمن ما دام في الحرم، لقوله تعالى:{ومن دخله كان آمناً} [آل عمران:97/ 3]
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً» (1).
8ً - تحريم دفن المشرك فيه ونبشه منه.
9ً - تخصيص ذبح دماء الجزاءات في الحج والهدايا في الحرم.
10ً- لا دم على المتمتع والقارن إذا كان من أهل الحرم.
11ً- لا يكره عند الشافعية صلاة النفل التي لا سبب لها في وقت من الأوقات في الحرم، سواء في مكة وسائر الحرم.
12ً- إذا نذر قصده، لزمه عند الشافعية الذهاب إليه بحج أوعمرة، بخلاف غيره من المساجد، فإنه لا يجب الذهاب إليه إذا نذره، إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، فإنهما يتعينان أيضاً، للحديث السابق:«لا تشد الرحال .. » .
13ً- إذا نذر النحر وحده بمكة، لزمه عند الشافعية النحر بها، وتفرقة اللحم على مساكين الحرم، ولو نذر ذلك في بلد آخر، لم ينعقد نذره في أصح الوجهين.
14ً- يحرم عند الشافعية استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء.
15ً- مضاعفة الأجر في الصلوات وسائر الطاعات بالمسجد الحرام.
16ً- يستحب لأهل مكة أن يصلوا العيد في المسجد الحرام، والأفضل
(1) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من الحديث السابق: «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً
…
».