الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
شم ما لا يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه، كسحيق مسك، وكافور ودهن وبخور وعنبر ونحوها.
ولا بأس أن يغتسل الصائم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة ثم يصوم (1)، ولا بأس بالسواك للصائم، قال عامر بن ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم (2).
المبحث السادس - الأعذار المبيحة للفطر:
يباح الفطرلأعذار أهمها سبع أو تسع هي ما يأتي (3)، وقد نظمها بعضهم بقوله:
وعوارض الصوم التي قد يغتفر للمرء فيها الفطر تسع تستطر
حبل وإرضاع وإكراه سفر مرض جهاد جَوْعةعطش كبر
1 - السفر:
لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة:185/ 2] والسفر في عرف اللغة: عبارة عن خروج يُتكلف فيه مؤنة، ويفصل فيه بُعْد في المسافة. ولم يرد فيه من الشارع نص، لكن ورد فيه تنبيه، وهو قوله عليه السلام في الصحيح:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر مسيرة يوم وليلة إلا معها ذو مَحْرم منها» .
(1) متفق عليه عن عائشة وأم سلمة.
(2)
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(3)
الدر المختار:158/ 2 - 168، مراقي الفلاح: ص115 - 117، البدائع: 94/ 2 - 97، الشرح الكبير: 534/ 1، القوانين الفقهية: ص120 - 122، الشرح الصغير: 689/ 1 - 691، بداية المجتهد: 285/ 1 - 288، مغني المحتاج: 437 - 440، المهذب:178/ 1 ومابعدها، غاية المنتهى: 333/ 1، المغني: 99/ 3 ومابعدها، كشاف القناع: 361/ 2 - 365.
أـ والسفر المبيح للفطر: هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية وذلك لمسافة تقدر بحوالي 89 كم، وبشرط عند الجمهور: أن ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إلى مكان يبدأ فيه جواز القصر وهو بحيث يترك البيوت وراء ظهره، إذ لا يباح له الفطر بالشروع في السفر بعد ما أصبح صائماً، تغليباً لحكم الحضر على السفر إذا اجتمعا. فإذا شرع بالسفر بأن جاوز عمران بلدة قبل طلوع الفجر، جاز له الإفطار، وعليه القضاء. وإن شرع في الصوم، ثم تعرض لمشقة شديدة لا تحتمل عادة، أفطر وقضى، لحديث جابر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح، فصام حتى بلغ كُرَاع الغميم (1)، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقال: أولئك العصاة» (2) قال الشوكاني: فيه دليل على أنه يجوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل، وهو قول الجمهور.
وأجاز الحنابلة للمسافر الإفطار ولو سافر من بلده في أثناء النهار ولو بعد الزوال، لأن السفر معنى لو وجد ليلاً واستمر في النهار، لأباح الفطر، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض، وعملاً بما رواه أبو داود عن أبي بصرة الغفاري الذي أفطر بعد شروعه في السفر، وقال: إنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واشترط الشافعية شرطاً ثالثاً: وهو ألا يكون الشخص مديماً للسفر، فإن كان مديماً له كسائقي السيارات، حرم عليه الفطر، إلا إذا لحقه بالصوم مشقة، كالمشقة التي تبيح التيمم: وهي الخوف على نفس أو منفعة عضو من التلف، أو الخوف من طول مدة المرض، أو حدوث شين قبيح في عضو ظاهر: وهو ما لا يعد كشفه هتكاً للمروءة، بأن يبدو في المهنة غالباً.
(1) كراع الغميم: اسم واد أمام عسفان، وهو من أراضي أعالي المدينة.
(2)
رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه (نيل الأوطار: 266/ 4).
وهناك شرطان آخران عند الجمهور غير الحنفية: أن يكون السفر مباحاً، وألا ينوي إقامة أربعة أيام في خلال سفره، وأضاف المالكية شرطاً آخر: هو أن يبيِّت الفطر قبل الفجر في السفر، فإن السفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلا بالنية والفعل، كما سيأتي في الفقرة التالية. وأجاز الحنفية الفطر في السفر ولو بمعصية.
والخلاصة: أن المالكية يبيحون الفطر بسبب السفر بأربعة شروط: أن يكون السفر سفر قصر، وأن يكون مباحاً، وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم، وأن يبيت الفطر.
ب ـ ولو أصبح المسافر صائماً، ثم بدا له أن يفطر، جاز له ذلك ولا إثم عليه عند الشافعية والحنابلة، عملاً بحديث صحيح متفق عليه عن ابن عباس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في أثناء فتح مكة (1). ويحرم الفطر ويأثم عند الحنفية والمالكية، وعليه القضاء فقط عند الجمهور، والقضاء والكفارة عند المالكية، لأنه أفطر في صوم رمضان، فلزمه ذلك، كما لو كان مقيماً أو حاضراً.
والصوم عند الحنفية والمالكية والشافعية أفضل للمسافر إن لم يتضرر، أو لم تكن عند الحنفية عامة رفقته مفطرين، ولا مشتركين في النفقة، فإن كانوا مشتركين في النفقة أو مفطرين، فالأفضل فطره موافقة للجماعة، ويجب الفطر ويحرم الصوم في حال الضرر. ودليلهم عموم قوله تعالى دون تقييده بحال الكبير الذي لايطيق الصوم:{وأن تصوموا خير لكم} [البقرة:184/ 2] والتضرر: هو الخوف من التلف أو تلف عضو منه أو تعطيل منفعة.
وقال الحنابلة: يسن الفطر ويكره الصوم في حالة سفر القصر، ولو بلا مشقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الصائمين عام الفتح:«أولئك العصاة» ولقوله صلى الله عليه وسلم
(1) وأفطر تبعاً له بعض الناس، وصام بعضهم، فقال عنهم النبي:«أولئك العصاة» رواه مسلم.
في الصحيحين: «ليس من البر الصوم في السفر» . والرأي الأول هو المعقول عملاً بظاهر الآية: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة:184/ 2] ولأن الفطر عام الفتح من أجل القتال.
جـ ـ وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء؛ لأن الفطر أبيح رخصة عنه، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه، لزمه أن يأتي بالأصل.
فإن نوى المسافر أو المريض صوماً غير رمضان، لم يصح صومه عند الجمهور لا عن رمضان ولا عما نواه؛ لأنه أبيح له الفطر للعذر، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض. وقال الحنفية: يقع عما نواه إذا كان واجباً، لا تطوعاً؛ لأنه زمن أبيح له فطره، فكان له صومه عن واجب عليه كغير شهر رمضان.
د ـ وإن صام المسافر ومثله المريض أجزأه باتفاق المذاهب الأربعة عن فرضه، وقال الظاهرية: لا يجزيه. ومنشأ الاختلاف هو المفهوم من قوله تعال: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر، فعدة من أيام أخر} [البقرة:185/ 2] فقال الجمهور: الكلام محمول على المجاز، وتقديره:(فأفطر فعدة من أيام أخر) وهذا الحذف هو المعروف بلحن الخطاب. وقال الظاهرية: الكلام محمول على الحقيقة، لا المجاز، وفرض المسافر هو عدة من أيام أخر، فمن قدر وأفطر، ففرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر.
وتأيد مذهب الجمهور بحديث أنس: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» (1).
وتأيد مذهب أهل الظاهر بما ثبت عن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
(1) متفق عليه (نيل الأوطار: 222/ 4) وروى مسلم عن أبي سعيد مثله.