الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لكنه لم يتفرد به ، فقال الإمام أحمد (3/336) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا عن المهل؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مثل حديث ابن جريج.
قلت: وابن لهيعة أحسن حالا من الخوزى ، فإنه فى نفسه ثقة ، ولكنه سىء الحفظ ، عرض له ذلك بعد أن احترقت كتبه ولذلك قال ابن سعد: كان ضعيفا ، ومن سمع منه فى أول أمره أحسن حالا ممن سمع منه بآخره ".
وقال عبد الغنى بن سعيد الأزدى: " إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: ابن المبارك وابن وهب والمقرى ".
وذكر الساجى وغيره مثله.
قلت: وقد روى هذا الحديث عن ابن لهيعة ابن وهب ، أخرجه البيهقى (5/27) بسند صحيح عن عبد الله بن وهب ، أخبرنى ابن لهيعة عن أبى الزبير المكى عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ومهل العراق من ذات عرق ".
فصح الحديث من هذه الطريق والحمد لله.
ولا يعله الشك فى رفعه الذى وقع فى رواية ابن جريج ، لأن الذى لم يشك معه من العلم ما ليس مع من شك ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، لا سيما وللحديث شواهد يتقوى بمجموعها كما قال الحافظ فى " الفتح "(3/309) ، ومن هذه الشواهد حديث عائشة الآتى فى الكتاب بعد هذا.
(999) - (وعن عائشة مرفوعاً نحوه ، رواه أبو داود والنسائى
.
* صحيح.
أخرجه أبو داود (1739) والنسائى (2/6) وكذا الدارقطنى (262) والبيهقى (5/28) من طرق عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ".
ولفظ النسائى أتم: " وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام ومصر الجحفة ، ولأهل العراق ذات عرق ، ولأهل اليمن يلملم ".
وهكذا أخرجه ابن عدى فى " الكامل "(29/2) فى ترجمة أفلح هذا وقال: " قال لنا ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره على أفلح بن حميد ، فقيل له: يروى عنه غير المعافى؟ قال: المعافى بن عمران ثقة.
قال ابن عدى: وأفلح بن حميد أشهر من ذلك ، وقد حدث عنه ثقات الناس ، مثل ابن أبى زائدة ووكيع وابن وهب ، وآخرهم القعنبى ، وهو عندى صالح ، وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة كلها ، وهذا الحديث ينفرد به معافى عنه ، وإنكار أرجو أن تكون مستقيمة كلها ، وهذا الحديث ينفرد به معافا عنه ، وإنكار أحمد على أفلح فى هذا الحديث قوله:" ولأهل العراق ذات عرق " ، ولم ينكر الباقى من إسناده ومتنه شيئا ".
قلت: ولا وجه عندى لهذا الإنكار أصلا ، فإن أفلح بن حميد ثقة اتفاقا ، واحتج به الشيخان جميعا ، فلو روى ما لم يروه غيره من الثقات لم يكن حديثه منكرا ولا شاذا ، وقد قال الإمام الشافعى فى الحديث الشاذ:" وهو أن يروى الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ، وليس من ذلك أن يروى ما لم يرو غيره "
فهذا الحديث عن عائشة تفرد به القاسم بن محمد عنها فلم يكن شاذا ، لأنه لم يخالف فيه الناس ، وتفرد به أفلح به حميد عنه فلم يكن شاذا كذلك ولا فرق.
فكيف والحديث له شواهد تدل على حفظ أفلح وضبطه؟ !
فمنها حديث جابر الذى تقدم قبله ، ومنها أحاديث عن جماعة من الصحابة خرجها الزيلعى فى " نصب الراية " وغيره ، وقد وجدت شاهدا آخر لم أجد أحدا من المخرجين قد تعرض لذكره ألا وهو الذى يرويه جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال:
" وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل اليمن يلملم ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل الطائف قرن ، قال ابن عمر: وحدثنى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ".
أخرجه أبو نعيم فى " الحلية "(4/94) وقال: " هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه ".
ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوى (1/360) إلا أنه قال: " وقال الناس: لأهل المشرق ذات عرق ".
قال الطحاوى: " فهذا ابن عمر يخبر أن الناس قد قالوا ذلك ، ولا يريد ابن عمر من الناس إلا أهل الحجة والعلم بالسنة ، ومحال أن يكونوا قالوا ذلك بآرائهم ، لأن هذا ليس مما يقال من جهة الرأى ، ولكنهم قالوا بما أوقفهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: ورواية أبى نعيم صريحة فى ذلك ، وقد وجدت لها متابعا أيضا لم أر أحدا ذكره ، فقال الإمام أحمد (2/78) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت صدقة بن يسار {سمعت ابن عمر} يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرنا ، ولأهل العراق ذات عرق ، ولأهل اليمن يلملم ".
قلت: وهذا إسناد صحيح موصول على شرط مسلم. ولكن قد يعارضه ما أخرجه أحمد أيضا (2/11) من طريق سفيان وهو ابن عيينة ، و (2/140) من طريق جرير وهو ابن عبد الحميد عن صدقة بن يسار ، وقال الأول: سمع صدقة ابن عمر يقول
…
فذكر الحديث دون التوقيت لأهل العراق وزاد مكانه: " قيل له فالعراق؟ قال: لا عراق يومئذ ".
قلت: وهذا سند صحيح أيضا وهو ثلاثى.
وظاهره أن ابن عمر لا يعلم فى الحديث ذكر ميقات أهل العراق ، ويعلل عدم ذكره فيه أن العراق لم تكن مفتوحة يومئذ. فكيف يتفق هذا القول منه مع ذكره ذلك فى رواية شعبة عنه؟
قلت: ما دام أن الروايتين عن ابن عمر ثابتتان عنه ، ومن رواية صدقة ابن يسار عنه ، فالظاهر أن ابن عمر رضى الله عنه كان فى أول الأمر لم يبلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الميقات المذكور ، ولو من طريق غيره من الصحابة ، فلما سئل عنه أجاب بقوله " لا عراق يومئذ ".
ثم بلغه من طريق بعض الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكره فكان هو بعد ذلك يذكره فى الحديث ولا يقول فيه "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" لأنه لم يسمعه بهذا التمام بدليل رواية ميمون بن مهران المتقدمة عنه.
كما يظهر أيضا أن صدقة بن يسار سمع الحديث من ابن عمر على الوجهين فكان تارة يرويه على هذا الوجه ، وتارة أخرى على الوجه الآخر.
هذا ما بدا لى فى الجمع بين الروايتين ، والله أعلم.
وإن مما يحسن التنبيه عليه أن قوله فى الحديث: " ولأهل اليمن يلملم ".
هو أيضا مما لم يسمعه ابن عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما حدثه به بعض الصحابة كما فى رواية ابنه سالم عن أبيه مرفوعا بلفظ: " يهل أهل المدينة من ذى الحليفة ، ويهل أهل الشام من الجحفة ، ويهل أهل نجد من قرن.
قال ابن عمر: وذكر لى ـ ولم أسمع ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم ".
أخرجه مسلم (4/6) وأحمد (2/9) وأبو نعيم فى " المستخرج "(19/132/1) وغيرهم.
ثم أخرج أحمد (2/48 ، 5) والبخارى (1/47) ومسلم وأبو نعيم من طريق نافع عنه نحوه.
وجملة القول أنه قد ثبت ذكر ميقات العراق فى حديث ابن عمر رضى الله