الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الطحاوى فادعى فى هذا الحديث أنه موقوف عليهما ، وأن الرخصة التى ذكراها إنما هى فهم منهما واجتهاد فقال:" يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ما قال الله عز وجل فى كتابه (فصيام ثلاثة أيام فى الحج) فعدا أيام التشريق من أيام الحج ، فقالا: رخص للحجاج المتمتع والمحصر فى صوم أيام التشريق لهذة الآية ، ولأن هذه الأيام عندهما من أيام الحج ، وخفى عليهما ما كان من توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من بعده على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك "(1) .
قلت: وفى هذا الكلام نظر عندى من وجهين:
الأول: قوله: وخفى عليهما ، فإنه ينافيه أن عبد الله بن عمر من جملة رواة التوقيف الذى أشار إليه ، وقد تقدم حديثه فى جملة الأحاديث التى سقناها فى الحديث الذى قبل هذا ، وهو الحديث (8) منها.
الثانى: يبعد جدا أن يخفى عليهما ذلك ، مع مناداة جماعة من الصحابة به فى أيام منى كما تقدم فى أحاديثهم.
الثالث: هب أنه فهم فهما من الآية ، ففهم الصحابى مقدم على غيره لا سيما إذا لم يخالفه أحد ، فكيف وهما صحابيان؟ وأما احتجاج الطحاوى لمذهبه بما أخرجه (1/431) من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب يوم النحر ، فقال: يا أمير المؤمنين إنى تمتعت ، ولم أهد ، ولم أصم فى العشر ، فقال: سل فى قومك ، ثم قال: يا معيقيب أعطه شاة ".
فلا يخفى ضعف الاحتجاج بمثل هذا على أهل العلم ، لأن حجاجا وهو ابن أرطاة مدلس ، وقد عنعنه. وسعيد بن المسيب عن عمر مرسل عند بعض المحدثين.
(965) - (لحديث عائشة قلت: " يا رسول الله أهديت لنا هدية أو
(1) يعنى بالتوقيف الذى ذكره الأحاديث المتقدمة فى النهى عن صوم أيام التشريق.
جاءنا زور (1) قال: ما هو؟ قلت: حيس ، قال: هاتيه ، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائما " رواه مسلم (ص 231) .
رواه مسلم (3/159) وأبو داود (2455) والنسائى فى " الصغرى "(1/319 ـ 320) وفى " الكبرى "(ق 22/1 ـ 2) والشافعى (1/263 ـ 264) وعنه الطحاوى (1/355) وابن خزيمة (2141 و2142) والدارقطنى (236) والبيهقى (4/275) وأحمد (6/49 و207) من طرق عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله حدثتنى عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة هل عندك شىء؟ قالت: قلت: لا والله ما عندنا شىء ، قال: فإنى صائم ، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية ، أو جاءنا زور ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور ، وقد خبأت لك شيئا ، قال: ما هو
…
" الحديث مثله سواء واللفظ للبيهقى ، وكذا مسلم ، لكن ليس عنده: " لا والله " ، وزاد فى آخره: " قال طلحة: فحدثت مجاهدا بهذا الحديث ، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء أمسكها ".
قلت: وقد وردت هذه الزيادة فى الحديث مرفوعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، أخرجه النسائى من طريق الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة قالت: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال: هل عندكم شىء؟ فقلت: لا. قال: فإنى صائم ، ثم مر بى بعد ذلك اليوم ، وقد أهدى إلى حيس ، فخبأت له منه ، وكان يحب الحيس ، قالت: يا رسول الله إنه أهدى لنا حيس، فخبأت لك منه ، قال: أدنيه ، أما إنى قد أصبحت وأنا صائم ، فأكل منه ، ثم قال:
(1) الأصل "رزق" والتصويب من "البيهقي"، و"الزور" وسط الصدر أو ما ارتفع منه إلى الكتفين، أو ملتقى أطراف عظام الصدر حيث اجتمعت، ((القاموس)) .
إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء حبسها ".
أخرجه النسائى ، وإسناده صحيح على شرط مسلم وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الحنفى وهو ثقة متقن كما فى " التقريب " ، وقد تابعه شريك عن طلحة به.
أخرجه النسائى أيضا.
قلت: فهذه الزيادة ثابتة عندى ، ولا يعلها أن بعض الرواة أوقفها على مجاهد ، فإن الراوى قد يرفع الحديث تارة ويوقفه أخرى ، فإذا صح السند بالرفع بدون شذوذ كما هنا فالحكم له ولذلك قالوا: زيادة الثقة مقبولة. وهذا بخلاف زيادة أخرى ، جاءت عند الشافعى ، وكذا الدارقطنى والبيهقى فى رواية لهما بلفظ:" سأصوم يوما مكانه ".
فإنها زيادة شاذة تفرد بها سفيان بن عيينة عن جماعة الثقات الذين رووا الحديث عن طلحة عن عائشة بدونها ، وإنما حدث ابن عيينة بها فى آخر حياته.
فقد قال الإمام الشافعى رحمه الله: " سمعت سفيان عامة مجالستى إياه لا يذكر فيه " سأصوم يوما مكان ذلك " ثم إنى عرضت عليه الحديث قبل أن يموت بسنة فأجاز فيه: " سأصوم يوماً مكان ذلك ".
وفى هذا النص رد على الدارقطنى ، فإنه قال:" لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلى ، ولم يتابع على قوله " وأصوم يوما مكانه " ، ولعله شبه عليه ، والله أعلم لكثرة من خالفه عن ابن عيينة "!
فقد حدث به الشافعى أيضا عنه ، وبين أنه إنما أتى بها فى آخر أيامه ، ولهذا تعقبه البيهقى بقوله: " وليس كذلك فقد حدث به ابن عيينة فى آخر عمره ، وهو عند أهل العلم
بالحديث غير محفوظ ".
وللحديث طريق أخرى عن عائشة رضى الله عنها ، فقال الطيالسى (1551) : حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن عائشة قالت: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال: أعندك شىء؟ قلت: لا ، قال: إذن أصوم ، ودخل على يوما آخر ، فقال: عندك شىء؟ قلت: نعم ، قال: إذن أفطر وإن كنت فرضت الصوم ".
ومن طريق الطيالسى أخرجه الدارقطنى والبيهقى وقالا: " هذا إسناد صحيح ".
ورده ابن التركمانى بقوله: " قلت: كيف يكون صحيحاً ، وفيه سليمان بن معاذ ، ويقال: سليمان بن قرم قال ابن معين: ليس بشىء ، وفى " الميزان ": قال ابن حبان: كان رافضياً ومع ذلك يقلب الأخبار ".
قلت: قد ضعفه الجمهور ، ووثقه بعضهم كأحمد ، وهو بلا شك سىء الحفظ ، فيمكن الاستشهاد بحديثه ، وأما الاحتجاج به فلا.
وجملة القول أن للحديث عن عائشة ثلاث طرق:
الأولى: عن عائشة بنت طلحة عنها.
والثانية: عن مجاهد عنها.
والثالثة: عن عكرمة عنها.
والطريقان الأوليان صحيحان ، والثالثة شاهد.
والطريقان الأوليان كلاهما يرويهما طلحة بن يحيى ، وكان تارة يرويه عن مجاهد وتارة عن عائشة بنت طلحة ، وهو الأكثر ، وتارة يجمعهما معاً كما فى رواية القاسم بن معن عنه عنهما معاً عن عائشة.
أخرجه النسائى بسند صحيح.
وللشطر الأول منه طريق أخرى عن مجاهد عنها.
أخرجه ابن أبى شيبة (2/155/2) .
(تنبيه) : وأما حديث: " الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار " فهو ضعيف لا يصح ، أخرجه البيهقى (4/277) عن عون بن عمارة حدثنا حميد الطويل حدثنا أبو عبيدة عن أنس مرفوعاً به.
وقال: " تفرد به عون بن عمارة العنبرى وهو ضعيف ".
ثم أخرجه من طريق إبراهيم بن مزاحم حدثنا سريع بن نبهان قال: سمعت أبا ذر به وقال: " إبراهيم وسريع مجهولان ".