الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعقيلي، وشذَّ الأزدي فقال: منكر الحديث، وغفل أبو محمد بن حزم، فاتبع الأزدي وأفرط، فقال: لا تجوز الرواية عنه، وما درى أن الأزدي ضعيف، فكيف يُقبل منه تضعيف الثقات.
- أن يكون المعدِّل أو المجرِّح عارفًا بهذا الشأن:
أي: يكون من يتصدَّى للتضعيف والتوثيق من أهل الحديث البارعين فيه، العارفين بمخارج الحديث، وطرق الرواية، وأنواع التحمل، وكيفية الأداء، ونحو ذلك، ولو كان غير متخصص في هذا العلم، فإنه لا يمكنه الطعن في الرواة، أو توثيقهم بما لا يقتضيه حالهم.
- أن يكون المعدِّل أو المجرِّح عارفًا بالأسباب التي يُجرّح من أجلها الإنسان:
إذا كان المجرِّح أو المعدِّل لا يعرف أسباب الجرح والتعديل، فإنه قد يُجرّح أو يُعدِّل بغير أسبابهما، فهناك أمور لا يستدلُّ بها على التعديل، كما توجد أسباب لا يُجرّح بها.
قال أحمد بن يونس، عن عبد اللَّه بن عمر بن حفص العمري: لو رأيت هيئته لعرفت أنه ثقة. قال أهل العلم عن قوله: هذا لا عبرة به؛ لأنه استدلَّ بهيئة عبد اللَّه على توثيقه، والهيئة لا يستدلُّ بها على التوثيق.
فقد يأتي العامِّي في لباس العلماء وهيئتهم، وهو عامي لا يعرف من العِلْم شيئًا، كما أن أكثر العلماء يتحلُّون بالزهد والورع، فيلبسون الثياب الرَّثة البالية، حتى لا يخطر في البال أنه من العلماء، فإذا تكلَّم عرف علمه وفقهه.
المبحث الثاني مراتب الجرح والتعديل
لقد عني العلماءُ وأئمة الجرح والتعديل بذكر ألفاظ الجرح والتعديل، وبيان مراتبها ودرجاتها، وقد رتَّبها ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل"، فجعلها أربع مراتب، فأحسن وأجاد. وتَبِعَه في ذلك الإمامان: ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث"، والنووي في مختصره المُسمَّى بـ "التقريب"، والذي شرحه الإمام السيوطي بكتابه الجامع "تدريب الراوي"، ثم جعلها الإمامان الذهبي والعراقي خمس مراتب. ثم جاء الحافظ ابن حجر فجعلها ست مراتب.
1 - ألفاظ التعديل:
المرتبة الأولى: الوصفُ بما يدلُّ على المبالغة، وهو الوصف بأفعل، مثل: فلان أوثق الناس، وأعدل الناس، وإليه المنتهى في التثبت. ومثله قول الشافعي في ابن مهدي: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا. ومثله أيضًا قول هشام بن حسان في ابن سيرين: حَدَّثَنِي أَصْدَقُ مَنْ أَدْرَكتُ مِن البَشَرِ مُحَمَّد بن سِيرِين.
ومنه: لا أحد أثبت منه، ومَنْ مثل فُلان، وفُلان لا يُسأل عنه، ولم أر من ذكر هذه الثلاثة، وهي في ألفاظهم.
ويُضاف لهذه المرتبة: ثقة ما أثبت حديثه، أو ما أقول إن أحدًا أثبت منه في الحديث، أو ما خلفت ببغداد مثل فلانًا، فلان رُكن من أركان الحديث، فلان مُجْمع على ثقته في الحديث، مُتَّفق على ثقته وأمانته والاحتجاج به، حدثنا فلان وهو التثبت كالأسطوانة، فلان أَوْثَق من أساطين مسجد الجامع، فلان ثقة مسند عديمُ النظير، ثقة كبير الشأن، ثقة عدل، ثقة نظيف الإسناد، ثقة حلو الحديث، إليه المنتهى في الثقة، إذا وافقني فلان فلا أُبالي مَن خالفني، لو خالفني فلان وأنا أحفظ سماعي لتركت حفظي لحفظه، إذا خالفني صرت إليه، فلان أحد الأعلام الأثبات، فلان ثقة وزيادة، فلان ثقة من أهل المعرفة.
فلان حجة، فلان حجة بلا نزاع، حجة وفاقًا، حجة فيما يرويه محصل لما يمليه، حجة اللَّه على عباده، حجة بين اللَّه وبين عباده في الأرض، حديثه حجة أحج ما يكون، من حجج اللَّه تعالى على خلقه بعد التابعين، فلان رجل صالح يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص، فلان قنطرة، بل قفز من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، هو ثقة الحديث جدًّا، فلان ريحانة المحدِّثين، أو سيد المحدثين، فلان متين.
فلان فوق الثقة جبل، فلان جبل من الجبال، أو من الجبال الرواسي، فلان ثقة يفصل بالألفاظ، ثقة يفصل بين الواو والفاء، أو بين الياء والتاء، ما بين لابتيها أوثق من فلان، أوثق من برأ اللَّه في الحديث هو فلان، ليس على بسيط الأرض أوثق من فلان، ما رأيت أسود الرأس أوثق من فلان، أوثق من بال على التراب، فلان أجلّ من أن يقال فيه: ثقة، ما إذا سُئل أحدهم عن راوٍ: أهو ثقة؟ فقال: وزاد، ثقة كفاية، فلان شكّه يقين، فلان شكه كيقين غيره، شكه أحسن، أو أحبُّ إليَّ من يقين غيره، هو ممَّن حفظ العلم على أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، فلان مصحَفٌ، كان أُمَّة وحده في هذا الشأن، هو فارس في الحديث خذوا عنه، أمير المؤمنين في الحديث، ما جعلت بينك وبين الرجال مثل فلان، قبان المحدثين، فلان ثقة مبرِّزٌ، فلان صحيح الحديث يفصل السماع من العرض والحديث من الحديث، ما كتبنا عن أحد أجلَّ من فلان، لم أرو عن أجلِّ منه في عيني، فلان أمثل من يكتبون عنه، فلان ثبَّتوه جدًّا، فلان ميزان لا يرد على مثله، فلان لا يختلف في حديثه، فلان هو الطبيب.
كأن اللَّه خلف فلانًا لهذا الشأن، كأنه لم يُخلق إلا للحديث، فلان صدوق صدوق، صدوق مأمون، كان فلان ثقة من أهل العلم بالحديث، إذا اختلف الناس في شيء فزعوا إلى فلان، حدثنا فلان الأسد، فلان بصير بالحديث متقن يشبه الناس، فلان هو الإمام المقبول عند الكلِّ، فلان مُثِّلَ بجبل نُفخ فيه الروح، اسمعوا من فلان فإنه الأمين المأمون، فلان هو العقدة، فلان ممَّن انتهى الإسناد إليهم، ممَّن دار الإسناد عليهم، أو ممن دار حديث الثقات عليهم.
حدثنا فلان الكبش النطاح، هذا الغلام يناطح الكباش، فلان هو التقي النقي الذي لم أر مثله، لو كتب فلان عن مالك مثلا لأثبته في الطبقة الأولى من أصحابه، فلان من الطبقة العليا،
فلان الثقة الحافظ الناقد، فلان درة في الحديث، أو ريحانة في الحديث، أو ياقوتة في الحديث، فلان يملأ حديثه الصدر والنحر، فلان قرة عين في الحديث، فلان ثقة ثقة لو رأيته لقرت عينك به، إذا حدثك فلان فاختم عليه، إذا جاءك الحديث عنه فاستمسك به.
فلان كبير من أهل الصناعة، العرض على فلان أحبُّ إليِّ من السماع من غيره، فلان كبير المتثبتين، ما عندي آمن على الحديث من فلان، ما خلفت بعدي آمن على الحديث من فلان، أحاديث فلان كأنها الدنانير، إذا جاءت المذاكرة جئنا بكلّ وإذا جاء التحصيل جئنا بفلان، إذا حدثك عن فلان ثقة فقد ملأت يديك ولا تريد غيره، كأن حديثه القدح لا يختلف فيه أحد، فلان العدل، الرضى الأمين عدل نفسي عندي، هو أوثق عندي من نفسي، فلان إمام الجرح والتعديل، أو ما خلق اللَّه تعالى أحدًا أعرف بالحديث منه، فلان أس المحدثين في الصدق وكان ثبتًا.
فلان من ثقات الثقات، كان فلان مليًّا، فلان ثقة صاحب حديث، فلان ثقة صاحب حديث ومعرفة، فلان من البزَّل الكمَّل في هذا الشأن، فلان أهل ألا ندع له شيئًا، فلان ينبغي أن تكتبوا حديثه كله، خذوا من حديثه ما استطعتم، فلان محدِّثُ العرب، فلان غاية في الإسناد ليس بعده شيء، فلان حديثه كالأخذ باليد، حدثنا فلان وكان فلان دعامة، هو كثير العلم صحيح الحديث، إن حدثكم فلان فلا عليكم ألا تكتبوا عن غيره، فلان فطن صحيح كيِّسٌ، فلان من حكماء أصحاب الحديث، فلان ثقة نقيُّ الحديث، فلان صحيح الدِّين صحيح الرواية، فلان مقدَّمٌ في الصنعة.
فلان ثقة مأمون، ثقة من أهل الأمانة، فلان ثقة فوق الثقة بدرجة، فلان الحافظ الصدوق، كان فلان ينظِّر بفلان الإمام، كان فلان في مسلاخ شعبة، فلان ثقة يصلح للحديث، ما ينبغي لأحد أن يفوق فلانًا في الحديث أو يفضله في الحديث، فلان عزيز العلم ثقة عالم، فلان لا يختلف فيه أحد، وغير ذلك من عبارات كثيرة استخدمت للدلالة على هذه المرتبة.
وفائدة هذه الرتبة أن حديثهم في أعلى درجات الصحة، وكذلك إذا حدث تعارض أو اختلاف في الرواية، رجحت طبقة هؤلاء.
المرتبة الثانية: ثقة، أو ثبْت، أو حجة، أو إمام، أو حافظ، أو متقن، أو عدل، إلى نحو ذلك.
وأما قولهم: (ثقة)، فمعناه أنه عدل ضابط، ولا يلزم من هذا أنه لا يخطئ، فما من ثقة، بل وما من إمام مشهور إلا وقد أخطأ، لكن الراوي إذا كان صدوقًا في دِينه، وكان خطؤه قليلا نادرًا، ينغمر في سعة ما روى، أو لم يظهر ذلك في حديثه، فهو ثقة يعمل بروايته، إلا أن يتَّضح لنا أنه أخطأ في حديث بعيْنه، فيترك خطؤه ويقبل صوابه، والرجل إذا كثرت حسناته على سيئاته، وصوابه على خطئه، نَجَا وسَلَم، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، كما قال
الحافظ الذهبي رحمه الله.
وليس من شرط الثقة أن يُتابع في كل ما يقول، بل من شرطه ألا ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ويكثر منه ذلك.
فها هو حماد بن زيد، والإمام مالك، وسفيان الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم من سادات الحُفاظ الذين بلغوا في الحفظ غاية كبيرة، قد ثبت أنهم أخطئوا في بعض الأحاديث، وهذا لا يعني إذا أخطأ الراوي في حديثٍ ما، أن نبطل جميع أحاديثه، أو أن نقضي عليه بأنه ضعيف، ولكن يريدون أن الراوي إذا كانت غالب أحاديثه صحيحه مستقيمة، فإنهم يحكمون عليه بأنه ضابط، وأن حديثه الأصل فيه إذا ورد أن يكون صحيحًا، والموضع الذي أخطأ فيه يكون حديثه فيه ضعيفًا.
قولهم: (فلان ثقة له أوهام، أو له أفراد، أو يغرب). فهذا اللفظ وإن كان دون قولهم ثقة، إلا أنه لا ينزل عن هذه المرتبة، وحديث من هذا حاله، محمول على الصحة، حتى يثبت أن هذا الحديث من أوهامه أو أخطائه، فيترك. نعم، إذا عارضه ثقة، فحديث الثقة مقدَّمٌ عليه.
وقال ابن حبان في ترجمة أبي بكر ابن عياش:
كان أبو بكر ابن عياش من الحُفاظ المتقنين، يروي عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقد روى عنه ابن المبارك وأهل العراق. وكان يحيى القطان، وعلي بن المديني، يُسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر سِنُّه، ساء حفظه، فكان يَهِمُ إذا رَوَى، والخطأ والوَهْم شيئان لا ينفكُّ عنهما البشر، فلو كثر خطؤه حتى كان الغالبَ على صوابه، يستحق مجانبة رواياته، فأما عند الوَهْم يهم، أو الخطأ يخطئ، لا يستحقُّ ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه. . . . والصواب في أمره: مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه، سواء وافق الثقات أو خالفهم؛ لأنه داخل في جملة أهل العدالة، ومن صحَّت عدالته لم يستحقَّ القدح ولا الجرح، إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح، وهكذا حُكم كل محدِّث ثقة صحَّت عدالته وتبيَّن خطؤه.
وقال في ترجمة داود بن أبي هند:
وكان داود من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، إلا أنه كان يَهِمُ إذا حدَّث من حِفظه، ولا يستحقُّ الإنسان التركَ بالخطأ اليسير يخطئ، والوهم القليل يهم، حتى يفحش ذلك منه؛ لأن هذا ممَّا لا ينفكُّ منه البشر، ولو كُنَّا سلكناه المسلك، للزمنا ترك جماعة من الثقات الأئمة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين من الخطأ، بل الصواب في هذا ترك من فحش ذلك منه، والاحتجاج بمن كان منه ما لا ينفكُ منه البشر.
وقال في ترجمة عبد الملك ابن أبي سليمان ميسرة العرزمي:
كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحُفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من
حفظه أنه يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحة عدالته، بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك، للزمنا ترك حديث الزهري، وابن جريج، والثوري، وشعبة؛ لأنهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدِّثون من حفظهم ولم يكونوا معصومين، حتى لا يَهِمُوا في الروايات، بل الاحتياط والأوْلَى في مثل هذا، قبول ما يروي الثبتُ من الروايات، وترك ما صحَّ أنه وهمَ فيها، ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه، فإن كان كذلك استحقَّ الترك حينئذ.
ومن العبارات التي ترادف هذه المرتبة: فلان صدوق صاحب حديث، اكتبوا عن فلان، اكتب عن فلان حتى تجف يدك، فلان مستقيم الحديث، أو مستقيم الأمر بالحديث، أو في الرواية، فلان ثقة وليس بمحل أن يقال له: حجة، أو ليس بالحجة، فلان إذا روى عن ثقة أو روى عنه ثقة فهو صحيح الحديث، أو مستقيم الحديث، فلان ممَّن يُرضى به في الحديث، فلان صحيح الكتاب، فلان صدوق صاحب كتاب، فلان أكثر الناس عنه، أكثر عنه الأئمة، فلان أحاديثه يحتجُّ بها، أو فلان يحتجُّ به، فلان عمدة، أو معتمد، أو يعتمد عليه.
فلان ثقة لم يُذكر إلا بخير، فلان كان معتبرًا، فلان مقبول القول، وقد يطلقون المقبول على من يُقبل حديثه ولا يحرك، فيدخل في ذلك من يصلح في الشواهد والمتابعات، وإن لم يحتجَّ به بمفرده، والعبرةُ حينئذ بالقرينة.
فلان ثقة يُخطئ كما يخطئ الناس، فلان القلب إلى أنه ثقة أميلُ، فلان مضبوط الحديث، فلان صدوق له حفظ، أو يصدق ويحفظ، فلان صدوق نقيُّ الحديث، ثقة لو قيل له: اكذب؛ لم يحسن، أو لم يعرف أن يكذب، فلان كان معدلا عند أهل بلده، هو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات، ثقة فيما تفرَّد به وشُورك فيه، كان جميل الأمر في الحديث، ثقة ثقة ورأيت أحمد يكتب حديثه، أو أحاديثه بنزول.
فلان صحيح الحديث وقوي الحديث، فلان مستوي الحديث، كان فلان مكينًا عند فلان، فلان ثقة لا شك فيه، فلان استقامته في الحديث استقامة الأثبات، فلان أحدُ منْ ثبت حديثه، أو من ثقات المسلمين، أو ثقة بلا ثنيا، أو ثقة بلا تردد، فلان يُجزئ، وقد يعني: لا بأس به، واللَّه أعلم.
المرتبة الثالثة: من قصر عن درجة الثانية قليلا، وإليه الإشارة بقولهم: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به. قال ابن أبي حاتم: فهو ممَّن يُكتب حديثه، ويُنظر فيه، وهي المنزلة الثانية -يعني: على حسب تقسيمه-، وزاد الحافظ العراقيّ: أو مأمون، أو خيار، أو ليس به بأس؛ ولكنها قد تدلُّ على أن المقصود بها ثقة، كما هي عند ابن معين وبعض أهل العلم، ولكن لا تُعرف إلا بالقرينة، فالأصل أنها في هذه المرتبة.
ومن العلماء مَنْ فرَّق بين صدوقٍ وبين محلَّه الصدق، وهو الذهبي، وتَبِعَه العراقيّ فجعل
صدوق من هذه، ومحله الصدق ما بعدها؛ لأن صدوقًا صيغة مبالغة، بخلاف محلُّه الصدق، فإنه دالٌّ على أن صاحبها محلَّه، ومرتبته مطلق الصدق.
وقد روى ابن أبي حاتم بسنده، عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا أَبُو خَلْدَة، قَالَ. فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا سَعِيد؛ أَكَانَ ثِقَة؟ . قَالَ: كَانَ صَدُوقًا، وَكَانَ مَأْمُونًا، وَكَانَ خَيِّرًا -وَقَالَ القَاسِمُ: وَكَانَ خِيَارًا-، الثِّقَة: شُعْبَة وَسفيان.
وهذا يدلُّ على تفرقتهم بين ثقة، وبين صدوق ونحوه.
ومن ألفاظ هذه المرتبة: فلان صادق، ما به بأس، المسكين ليس له بخت، ما هو من أهل الكذب ولكن ليس له بخت، فلان ممَّن يصدق في الروايات، فلان ثقة إن شاء اللَّه، لم أر في حديث فلان ما في القلب منه، لم أر في حديث فلان مكروهًا، فلان لم يكذب في الحديث، فلان ما أصلح حديثه، فلان ثقة ولكن ليس ممَّن يُوصف بالضبط، فلان عدلٌ في الشهادة أو مقبولُ الشهادة عند الحُكام، فلان ما أقرب حديثه، فلان صدوقٌ مسلمٌ، واللَّه أعلم.
المرتبة الرابعة: من قصُر عن درجة الثالثة قليلا، وقد مثَّل لها ابن أبي حاتم بقوله: شيخ، وقال: يُكتب حديثه ويُنظر فيه، إلا أنه دون الثانية -يعني: على حسب تقسيمه-. وزاد العراقيُّ في هذه المرتبة مع قولهم: محله الصدق، إلى الصدق ما هو، شيخ، وسط، جيد الحديث، حسن الحديث. وزاد الحافظ ابن حجر قولهم: صدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو صدوق يخطئ، أو تغيَّر بأخَرَةٍ.
واعلم أن هذه المرتبة والتي تليها، يجد الباحث أكثر ألفاظهما تتداخل، ولذا نجد بعض هذه الألفاظ ذكرها بعض الأئمة هنا، وذكرها بعضهم في المرتبة الخامسة، وهما متقاربان، والأمر سهل، فإنهما من مراتب الشواهد.
ويلحق بها من العبارات: فلان إلى الصدق ما هو، فلان جيد الحديث، فلان لا بأس به إن شاء اللَّه، أو صدوق إن شاء اللَّه، حمل الناس عنه، هو بصورة أهل الصدق، فلان متوسط الحال، أو متوسط الأمر، أو كأنه صدوق، فلان محله العدالة، أو محله الصدق والستر، فلان ثقة وليس كل أحد يحتجُّ به، فلان سداد من عيش، فلان يقع في قلبي أنه صدوق، أرجو أن يكون صدوقًا، فلان حديثه يشبه حديث الثقات، أو حديث الأثبات، فلان مقارب الحال، أو حاله مقارب، أو لم يزل حديثه مقاربًا، أو قريب الأمر، فلان صدوق في حفظه ضعف، فلان عندي في جملة من يُنسب إلى الصدق، رجلٌ صالح الحديث يغلبه، واللَّه أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: ويلحق بذلك من رُمي بنوع بدعة: كالتَّشيع، والقَدَر، والنَّصْب، والإرْجَاء، والتجهُّم، مع بيان الداعية من غيره.
المرتبة الخامسة: صالح الحديث ونحو ذلك. قال ابن أبي حاتم: من قيل فيه: ذلك يُكتب حديثه، وينظر فيه، يعني: يُكتب حديثه للاعتبار.