الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب تهذيب الكمال
بما أن هذا الكتاب أشهر الكتب التي جمعت تراجم رجال الكتب الستة، وبما أنه لقي عناية من العلماء لم يلقها غيرُه، من التهذيب والتعليق والاختصار، لذا سأتكلَّم عنه وعن تهذيباته ومختصراته بشيء من التفصيل، وقبل الكلام على الكتاب وتهذيباته ومختصراته، إليك أشهرَ أسماء العلماء الذين هذَّبوا هذا الكتاب، أو استدركوا عليه، أو اختصروه مع أسماء مؤلفاتهم.
والحق يُقال: إن قبل طباعة "تهذيب الكمال" للمزي، كان الباحثون في حيرة شديدة؛ لأنك مثلا إذا أردت البحث في إسناد، يقول البخاري مثلا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر -هو محمد بن جعفر-، حدثنا شعبة مثلا، عن أبي إسحاق، عن عقبة بن عامر مثلا، هذا إسناد. وأنا أريد دراسة الإسناد، الطالب وهو يبحث عن محمد بن بشار، أو يبحث عن محمد بن جعفر. أنت تأتي باسم محمد بن جعفر وترجع إلى الكتاب، كيف تستدل على محمد بن جعفر؟
أنت عندك مثلا ثلاثة أو أربعة في "تهذيب الكمال" اسمهم محمد بن جعفر، فأبحث بالشيخ والتلميذ، يعني: أبحث عمَّن اسمه محمد بن جعفر، أرى في شيوخه شعبة، وفي تلاميذه محمد بن بشار، فالمزي رحمه اللَّه تعالى ابتكر طريقة التصنيف في هذه الكتب، يقول مثلا: محمد بن جعفر، ويذكر بقية الاسم، والنسب، والكنية، والقبيلة، إلى غير ذلك، إلى آخر الاسم، ثم يقول شيوخه، فيأتي بجميع شيوخ الراوي مرتَّبين على حروف (ألف باء) في هذه النقطة، ثم بعد ذلك يقول تلاميذه، فيأتي بجميع تلاميذ الراوي مرتبين على حروف (ألف باء) في هذه النقطة، فأنا وأنا أبحث عن محمد بن جعفر، أنظر في شيوخه في حرف (الشين)، إن وجدت شعبة؛ إذن هذا هو محمد بن جعفر الذي أبحث عنه، أتأكد أكثر حين أجد في التلاميذ محمد بن بشار، هذا كلام أغلبي يمثل ثمانين بالمائة من أحوال التراجم.
قد يأتي لك راوٍ اسمه محمد بن جعفر، وشيخه شعبة، وتلميذه محمد بن بشار، تجد اثنيْن بهذا الوصف، فتحتاج إلى الترجيح بقرائن، لكن ثمانين بالمائة من التراجم، إنما يُبحث عنها بالشيوخ والتلاميذ، فقبل طبع كتاب "تهذيب الكمال" لا يمكن لك الوقوف على حال الراوي، إلا بوجود الشيوخ والتلاميذ معك، فكنا نرجع إلى
المخطوطات، فالآن صار الأمر سهلا.
فـ "تهذيب الكمال" كتابٌ لا يُستغنى عنه أبدًا في مكتبة طالب الحديث، ولا يستطيع الطالب أن يكون طالبَ حديث من غير النظر في "تهذيب الكمال".
فالمزي رحمه اللَّه تعالى، أتى فاختصر "الكمال" لعبد الغني هذَّبه، الكتاب مطبوع في خمسة وثلاثين مجلدًا بتحقيق بشار عواد.
ثم لطول الكتاب وكِبَر حجْمه، جاء حافظان من الحُفاظ الكبار الأسْبق في الزمان، الحافظ المزيّ، ويليه الحافظ الذهبيّ، ويليه في الترتيب الزمانيّ الحافظ ابن حجر.
يقول الإمام الذهبي: الْتَمَسَ مني بعض الأخِلاء اختصارًا لـ "تهذيب الكمال" والإتيان بالأهم فالأهمِّ، وإن كان كلُّه في حُكم المُهم. قلت: لو صنفتُ شرحًا لكان أَوْلَى من أن أوليه تنقيصًا وجرحًا، ثم فكرت، فإذا الأعمار مولية، والهمم قصيرة، وضروريات الكتاب محتاج إليها في الجملة، فاختصرته مثبتًا لذلك، تاركًا التطويل.
ورغم هذا، فإنَّ كتاب "التذهيب" للحافظ الذهبي، جاء مشتملا على إضافات نفيسة، وتعليقات مفيدة، ولطائف من كل فنون علم الحديث المتصلة بدراسة الرجال، فقد عنيَ فيه بإبراز المؤتلف والمختلف من أسماء الرجال، وهو ما يتفق في الخطِّ ويختلف في النطق، وكذلك عنيَ ببيان وفاة كثير من المترجم لهم، وغير ذلك من الإضافات التي الْتَقطها الحافظ ابن حجر في كتابه "تهذيب التهذيب"، حيث يقول في مقدمته: وقد ألحقت في هذا المختصر ما الْتَقطته من "تذهيب التهذيب" للحافظ الذهبي.
وعلى كلٍّ، فرغم أن "تذهيب التهذيب" كان اختصارًا لـ "تهذيب الكمال"، إلا أنه بعد إضافات الإمام الذهبي النافعة، والتي ذهبَ بها مختصره، وما بثَّه في ذلك المختصر من روحه العلمية، ما جعل الكتاب يكاد أن يصبح مؤلفًا مستقلا، وإضافة أصيلة في علم الرجال.
ثم اختصر "تذهيب التهذيب" في "الكاشف في أسماء الرجال"، في ثلاثة مجلدات، وهو كتاب نفيس في بابه.
والحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى، اختصر "تهذيب الكمال" في "تهذيب التهذيب" بين التسمية هذه وهذه حرف، هذا "تذهيب" وهذا "تهذيب" اسمه "تهذيب التهذيب"، مطبوع في اثني عشر مجلدًا من غير الفهارس، مطبوع قديمًا.
فالحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى، اقتصر على مشاهير شيوخ الراوي وتلاميذه، يعني: المزي هنا يأتي بكل الرواة الذين رَوَى عنهم الراوي، وكل التلاميذ الذين رَوَوْا عنه.
جاء الحافظ ابن حجر هنا، فاختصر في مسألة الشيوخ والتلاميذ هذه، رفع من كل راوٍ النصف أو الثلثيْن، وأبقى الثلث منه، أو يذكر سبعة ثمانية رواة من الذين تدور عليهم أحاديث الراوي، والمزي رحمه اللَّه تعالى، زاد على "الكمال"، وهو يصنِّف كتابه "التهذيب": أنه بعد ما يُورد ترجمة الراوي يأتي بحديث من مروياته، يقول: حدثنا فلان عن فلان إلى أن يذكر هذا الشيخ الذي يترجم له.
يعني: مثلا يترجم لشعبة، وبعد ما ينتهي من الكلام على ترجمة شعبة، يقول: وقد وقع لي من حديثه عاليًا: حدثنا فلان، عن فلان، عن فلان، إلى أن يأتي على شعبة، ويذكر ما فوق شعبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر حديثًا، أو حديثيْن، أو ثلاثة أحيانًا، فزاد حجم الكتاب جدًّا.
ومرويات المزي في "تهذيب الكمال" تُمثّل تقريبًا من ربع إلى ثلث الكتاب، فالحافظ ابن حجر رفع هذا من الكتاب، التي هي مرويات المزي، التي ساقها بأسانيده عَقِبَ ترجمة كل راوٍ أو معظم الرواة؛ لأن هناك رواة لم يُذكر لهم أحاديث.
وزاد الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى، على كلام المزي في "التهذيب"، كلام المغاربة على الرواة، علماء المغرب لهم كتب، وعلماء الأندلس، فجاء بكلام المغاربة كلامٍ في الجرح والتعديل، زيادة على ما أتى به المزي رحمه اللَّه تعالى.
لكن يبقى للمزي مَزِيَّة ليست لغيره، وهي أن المزي رحمه اللَّه تعالى يُورد جميع تلاميذ الراوي وشيوخه، أنا إن لم أنظر في "تهذيب الكمال"، لن أستطيع تعيين الراوي، فقد تجد راويًا اسمه متشابه مع سبعة رواة في اسم الأب والجد؛ فمن الذي يفصل لك في تعيين الراوي أن هذا فلان بعيْنه؟ "تهذيب الكمال"، وليس "تهذيب التهذيب" رغم الاختصار، ورغم الإتيان بكلام هو كلام في الحقيقة لا يَفْصل، لا يُقدم ولا يُؤخر في حال الراوي؛ لأنه كلام متأخرين، والعمدة في الجرح والتعديل على كلام المتقدمين.
جاء الحافظ ابن حجر فاختصر "تهذيب التهذيب" في "تقريب التهذيب". و"تقريب التهذيب" طُبعَ في مجلديْن طبعة قديمة، بعناية الشيخ عبد الوهاب
عبد اللطيف، ثم هناك نسخة لصلاح عبد الموجود، ونسخة لواحد أفغاني أو باكستاني، اسمه: شغيف أحمد، وقدَّم لها الشيخ بكر أبو زيد، وهي تعتبر أتقنَ النُّسخ.
و"تقريب التهذيب" يضع يدك على حال الراوي في جملة واحدة، يعني: بعد أن يذكر اسم الراوي، ومثلا الطبقة، أنه في الطبقة الثانية في التابعين، أم في أتباع التابعين، أم كما سنُبيّن عند الكلام عليه، يقول لفظًا واحدًا: ثقة، صدوق، ضعيف، صدوق يهم، صدوق له أوهام، كذاب. فيأتي في حال الراوي يفصل فيه بكلمة واحدة، وقَلَّ أن تجد راويًا من رواة "التقريب" سكت عنه الحافظ، لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا.
والمزي هو يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن علي ابن أبي الزهر، الكلبي القضاعي الدمشقي، الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي، الحافظ، حامل راية السنَّة والجماعة، والقائم بأعباء هذه الصناعة، والمتدرع جلباب الطاعة، إمام الحُفاظ كلمة لا يجحدونها، وشهادة على أنفسهم يؤدُّونها، ورتبة لو نشر أكابر الأعداء لكانوا يودُّونها، واحد عصره بالإجماع، وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الأسماع، والذي ما جاء بعد ابن عساكر مثله، وإن تكاثرت جيوش هذا العلم فملأت البقاع، جد طول حياته فاستوعب أعوامها، واستغرق بالطلب لياليها وأيامها، وسهر الدياجي في العلم إذا سهرها غيره في الشهوات أو نامها.
ذكره الإمام الذهبي في "تذكرة الحافظ"، وأطنب في مدحه وقال: نظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف، وقرأ العربية، وأما معرفة الرجال، فهو حامل لوائها، والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله. انتهى.
وذكره في "المعجم المختص" وأطنب، ثم قال: يشارك في الفقه والأصول، ويخوض في مضايق المعقول، فيؤدي الحديث كما في النفس متنًا وإسنادًا، وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم. انتهى.
قال الذهبي: ما رأيت أحفظ منه، وأنه بلغني عنه أنه قال: ما رأيت أحفظ من أربعة: ابن دقيق العيد، والدمياطي، وابن تيمية، والمزي؛ وترتيبهم حسبما قدَّمنَاه، وأنا لم أر من هؤلاء الأربعة غير المزي.
وبالجملة كان المزي أعجوبة زمانه، يقرأ عليه القارئ نهارًا كاملا، والطرق تضطرب والأسانيد تختلف، وضبط الأسماء يشكل، وهو لا يسهو ولا يغفل، يُبيِّن وجه الاختلاف، ويُوضِّح ضبط المُشكل ويعيِّن المُبْهم، يَقِظ لا يغفل عند الاحتياج إليه، وقد
شاهدته الطلبة ينعس، فإذا أخطأ القارئ ردَّ عليه، كأنَّ شخصًا أيقظه، وقال له: قال هذا القارئ كيت وكيت، هل هو صحيح؟ وهذا من عجائب الأمور.
وقال الذهبي في "التذكرة": إن المزي كان يقرر طريقة السَّلف في السُّنَّة، فيعضد ذلك بقواعد كلامية ومباحث نظرية، قال: وجرى بيننَا مجادلات ومعارضات في ذلك، تَرْكهَا أَسْلَم. انتهى.
وكان للمزي ديانةٌ متينةٌ، وعبادةٌ، وسكونٌ، وخيرٌ.
مولده في ليلة العاشر من شهر ربيع الآخر، سَنَة أربع وخمسين وست مائة بظاهر حلب، سمع منه ابن تيمية، والبرزالي، والذهبي، وابن سيد الناس، والشيخ الإمام الوالد، وخلق لا يُحصون. وصنَّف "تهذيب الكمال" المجمع على أنه لم يُصنف مثله، وكتاب "الأطراف"، توفِّي في يوم السبت، ثاني عشر صفر، سنة اثنتيْن وأربعين وسبع مائة بدار الحديث الأشرفية، ودُفن بمقابر الصوفية اهـ.
وحيث إن كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للمقدسي، عَبْد الغَنِيّ بن عَبْد الوَاحِد بن عَلِيّ المَقْدِسِيّ، الإِمَامُ العَالِمُ، والحَافِظُ الكَبِيْرُ، يحتاج إلى تهذيب وإكمال وتحرير، فقد قام الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزيّ بتهذيبه وإكماله في كتاب سَمَّاه "تهذيب الكمال"، وقد أجاد في هذا الكتاب وأحسن، كما وصفه الحافظ ابن حجر، لكنه أطال فيه أيضًا. ويقول ابن السبكي في وصفه: أُجْمِعَ على أنه لم يُصَنَّف مثله ولا يُستطاع.
وذَيَّل على كتاب المزي وأكمله الحافظ علاء الدين مُغْلطاي، وسَمَّى تذييله هذا "إكمال تهذيب الكمال"، وهو كتاب كبير جليل نافع، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه انتفع بكتاب مغلطاي هذا.
وقد سار المزيّ في كتابه "تهذيب الكمال" على النحو التالي:
أولا: ترجم لرجال الكتب الستة، ولرجال المصنفات التي صَنَّفَهَا أصحاب الكتب الستة، إلا أنه ترك مصنفاتهم المتعلقة بالتواريخ؛ لأن الأحاديث التي تَرِدُ فيها غير مقصودة بالاحتجاج.
ثانيًا: رَمَزَ في كل ترجمة رموزًا، تدلُّ على المُصنَّفات التي روت أحاديث من طريق صاحب الترجمة.
فالمزي رحمه اللَّه تعالى، حين يُورد الترجمة يقول، مثلا: ترجمة الإمام أحمد،
مثلا: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ويسوق طبعًا النسب والمولد ونحو ذلك.
وقَبْل أن يُورد الاسم يقول، مثلا:(ع)؛ إذا قال: (ع)، معناها: أنه أخرج له الجماعة، وإذا قال مثلا:(خ م)، معناه أنه أخرج له البخاري ومسلم. كما صنع تمامًا بتمام في كتاب "تحفة الأشراف"، يقول مثلا إذا ذكر أنه خَرَّجَ له أبو داود والنسائي، فيذكر (د س)، أو يذكر ابن ماجه (هـ) مثلا، و (ت) للترمذي، وهكذا في كل راوٍ مع بداية الكلام على اسم الراوي، يذكر من خَرَّجَ له من أصحاب السُّنَن، إذا كان السُّنَن الأربعة فيذكر رقم أربعة، وهكذا إلى آخر الكتاب، فيذكر أولا من خَرَّجَ له من أصحاب الكتب السِّتة، إما مجتمعين أو متفرقين.
ثالثًا: ذكر في ترجمة كل راوٍ شيوخه وتلاميذه، على الاستيعاب قَدْرَ ما تيسَّر له، وقد حصل من الشيء المبدع أن المزي رحمه اللَّه تعالى، كأنه حاسبٌ آليٌّ، أنه يذكر داخل الشيوخ والتلاميذ، كأنه لا يكتفي بذكر أن هذا الراوي الذي يترجم له مُخَرَّج له في "الصحيحين"، أو في الكتب الستة، أو في السُّنَن الأربعة، أو في بعضها، لا، هو يأتي في الشيوخ ويقول، مثلا: محمد بن جعفر، الذي هو غندر في ترجمة غندر، يقول: خَرَّجَ له شعبة، وبجانب شعبة مثلا، الكُتب التي خَرَّجت لمحمد بن جعفر عن شعبة، ولمحمد بن جعفر روى عن الأعمش، يذكر بجوار الأعمش مُسلمًا مثلا، أو السُّنَن الأربعة، أو غير ذلك.
فيذكر في الشيوخ والتلاميذ أحاديث الراوي المترجم له عن ذلك الشيخ، في أيِّ كتاب، وأحاديث الراوي المترجم له، روى عنه تلميذه في أي كتاب، وهذه عبقرية فذَّة، نعم هو اقتصر على الكتب الستة، وذكر رواة كثيرين ليسوا في الكتب الستة، روى عنهم الشيخ أو رووا عنه، ويمكن الاستدراك بذكر مثلا، أين توجد رواية هذا الراوي عن ذلك الشيخ، إذا كانت خارج الكتب الستة، لكن كونه يذكر أن الراوي روى عن شيخه في أي كتاب، والتلميذ روى عن شيخه في أي كتاب، فهذه تدلُّ على براعة ودقةٍ وإتقان من المزِّي، قَلَّ أن تُوجد في غيره من المصنِّفين، رحمه اللَّه تعالى، ورحم اللَّه جميع علمائنا.
رابعًا: رتَّب كُلا من شيوخ صاحب الترجمة وتلاميذه على حروف المعجم.
خامسًا: ذكر سنة وفاة الرجل، وذكر الخلاف وأقوال العلماء فيها بالتفصيل.
بالنسبة للوفيات في "تهذيب الكمال"، المتفق على سَنَة وفاتهم يذكره، الراوي
المُختَلَف في سَنَة وفاته هو يذكر الخلاف، فيقول مثلا: البخاري قال في "التاريخ الكبير": إنه مات سنة كذا، وذكر الواقديُّ: أنه مات سنة كذا، وذكر ابن سعد وذكر غيره. فيذكر كلام أهل العلم بالأسانيد في الوفيات، وهذا ممَّا يحتاج إلى تحرير أيضًا في "تهذيب الكمال".
سادسًا: ذكر عددًا من التراجم ولم يُعَرِّف بأحوالهم، ولم يزد على قوله: روى عن فلان، أو روى عنه فلان، أخرج له فلان. والظاهر أنه لم يعرف شيئًا من أحوالهم، وليس ذلك بغريب، فالإحاطة بأحوال آلاف من الرواة ليس بالأمر الهيّنِ، ومع ذلك فعدد من لم يُعَرِّف بأحوالهم قليل جدًّا، بالنسبة للأعداد الكثيرة جدًّا في هذا الكتاب.
معنى ذلك: أن الكلام عليه قليلٌ، وأن الراوي هذا مجهول، أو قريب من الجهالة. وأنت إذا وَسَّعْتَ دائرة البحث، لن تجد كلامًا يشفي غليلك؛ لأن المزي إنما صَنَّفَ وهو في أواسط القرن الثامن الهجري، والأمور استوت تمامًا، والمصنفات كثيرة جدًّا، والوقوف على كلام الأئمة كان سهلا ميسورًا، بخلاف أزمنتنا، فالحاصل هو أن الرواة الذين الكلام عليهم قليل في "تهذيب الكمال"، سيكون عليهم قليلا أيضًا في كتب غيره من أئمة الجرح والتعديل، فلن تجد مثلا أن هناك راويًا والمزي أغفل الكلام عليه.
وأنت ذهبت وأتيت بصفحة مليئة بالكلام عليه جرحًا وتعديلا، فهذا لن تراه، إن أتيت بسطريْن من كلام غيره، كالدارقطني، أو غيره من الزوايا المخفية، ولن تجد هذا إلا بصعوبة في البحث.
سابعًا: أطال الكتاب بإيراده كثيرًا من الأحاديث التي يُخَرِّجُهَا من مروياته العالية، من الموافقات والأبدال، وغير ذلك من أنواع العلوم.
إن المزي إمام بارع واسع الرواية جدًّا، قَلَّ أن يأتي راوٍ من المشاهير أو من الوسط، ويمرر ترجمته من غير أن يستعرض، رحمه اللَّه تعالى، فيقول: وقد وقع لي من حديثه بدلا عاليًا، وقد وافقته في كذا، ويذكر الإسناد طويلا مثلا، يعني: المزي عندما يروي بإسناده وهو في منتصف القرن الثامن، قُلْ مثلا: يعني: الحد الأدنى من الرواة المذكورين إلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر راويًا، وهذا من محفوظاته. وَتُقَدَّرُ هذه الأحاديث من حيث الحجم بنحو ثلث حجم الكتاب.
ثامنًا: رَتَّبَ أسماء التراجم على أَحرف المعجم، بما فيها أسماء الصحابة مخلوطةً مع أسماء غيرهم، خلافًا لصاحب "الكمال" الذي ترجم لأسماء الصحابة وحدهم غير
مخلوطين بغيرهم، إلا أنه ابتدأ في حرف "الهمزة" بمن اسمه أحمد، وفي حرف الميم بمن اسمه محمد.
إذن المزي رحمه اللَّه تعالى، حين تبحث عن ترجمة مثلا لعبد اللَّه بن عمرو، أو عبد اللَّه بن عباس، أو حذيفة، أو غيره، تأتي إلى حرف (الحاء) وتجده في ترتيبه الطبيعي، يعني: لم يُصَدِّر حرف (الحاء) بالصحابة، فلما انتهى منهم أتى على غيرهم. حرف الحاء مع الألف، الحاء مع الباء، مع التاء، مع الثاء، إلى أن تصل إلى حرف الحاء مع الذال، فتجد ترجمة حذيفة في موضعها الطبيعي من الكتاب.
تاسعًا: نَسَبَ بعض الأقوال في الجرح والتعديل إلى قائليها من أئمة الجرح والتعديل بالسند، وذَكَرَ بعض تلك الأقوال بدون سند، وقال: وما في كتابنا هذا ممَّا لم نذكر له إسنادًا، فما كان بصيغة الجزم، فهو ممَّا لا نعلم بإسناده إلى قائله المَحْكِيِّ عنه بأسًا، وما كان بصيغة التمريض فربَّما كان في إسناده نظر.
فحينما يذكر كلام أبي حاتم، أو كلام يحيى بن معين، أو كلام يحيى القطان، أو كلام شعبة، أو كلام الطبقة التي أنزل منها، كابن مهدي، وابن المديني، وغيره، يأتي بالإسناد، فيذكر مثلا تواريخ ابن معين كثيرة، يعني: ابن معين روى عنه تلامذته، سألوه كثيرًا مثلا "تاريخ ابن معين" برواية عباس الدوري، أربعة مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد سيف؛ رواية الدقاق، رواية ابن طهمان، رواية ابن الجنيد، هذه كلها تلامذة ابن معين، سألوه في رواة فأجاب عنهم. فيقول مثلا يأتي المزي فيقول: وقال ابن معين في رواية الدقاق، أو قال: في رواية ابن طهمان، أو في رواية الدوري؛ أو غيره، فيذكر السؤال بإسناده، وهذا يعتبر وعاءًا كبيرًا لأسانيد كُتب الجرح والتعديل.
فإذا حذف الإسناد وقال: قال أبو حاتم كذا، معناه: أن إسناده صحيح، إذا قال: ويقال: فيه كذا؛ إذًا إسناد كلام أبي حاتم فيه نظر.
عاشرًا: نَبَّهَ على ترتيبات بعض الأسماء المُبْهمة أو المَكْنِيَّة، وما أشبه ذلك، فقال: فإذا كان في أصحاب الكُنى من اسمه معروف من غير خلاف فيه، ذكرناه في الأسماء ثم نبَّهنَا عليه في الكنى، وإن كان فيهم مَنْ لا يُعرف اسمُه، أو اخْتُلِفَ فيه، ذكرناه في الكنى ونبهنا على ما في اسمه من الاختلاف، ثم النساء كذلك.
وقد ترجم لأبي هريرة رضي الله عنه في الكنى، لأنه مُخْتَلَف في اسم أبي هريرة اختلافًا كثيرًا، فيذكره في الكنى، وحين يذكره في الكنى يُنبِّه على الاختلاف الوارد
في الاسم.
وربما كان بعض الأسماء يدخل في ترجمتين فأكثر، فنذكره في أولى التراجم به، ثم ينبه عليه في الترجمة الأخرى، وبعد ذلك فصول فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جده، أو أمه أو عمه، أو نحو ذلك، وفيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة، أو بلدة، أو صناعة، وفيمن اشتهر بلقب أو نحوه، وفيمن أُبْهِمَ، مثل: فلان، عن أبيه، أو عن جده، أو أمه، أو عمه، أو خاله، أو عن رجل، أو امرأة، ونحو ذلك، مع التنبيه على اسم من عُرِفَ اسمه منهم، والنساء كذلك.
والخصيصة التي تَمَيَّزَ بها كتاب المزي على غيره، أنه استوعب شيوخ الراوي وتلاميذه. فهذه هي النقطة الأساسية أو المرحلة الأولى عند دراسة الأسانيد، هي تعيين الراوي؛ أي: تمييزه عن غيره، وهي التي تُسمَّى عند علماء الحديث بالترجمة المعرفية.
تراجم الرواة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ترجمة معرفية، وترجمة منقبية، وترجمة نقدية.
الترجمة المعرفية: هي التي تُميز الراوي بذكر اسمه، واسم أبيه، وجده، ونسبه، ولقبه، وكنيته، إلى غير ذلك من الخصائص التي تميز الراوي عن غيره، هذه تسمَّى ترجمة معرفية.
وكلمة ترجمة -على أية حالة- عربية صريحة، وليست منقولة من لغات الأخرى.
ثم هناك ترجمة أخرى، وهي الترجمة المنقبية: هي التي تذكر الصفات الخاصة بالراوي، فيما يتعلق بتزكيته وتعديله.
ثم بعد ذلك هناك تَرْجَمَة تسمَّى الترجمة النقدية: وهي التي تُعنى بكلام أهل العلم في الراوي جرحًا وتعديلا، وتمييزًا لها عن غيرها. وهذه يُستفاد بها عند الترجيح بين الروايات المتعارضة، وهذه يُراعى فيها عدَّةُ أشياء ليس هذا محل الكلام عليها.
فكتاب المزي رحمه اللَّه تعالى، اعتنى بهذه الجوانب الثلاثة في تمييز الراوي من غيره، وذكر كلام أقرانه، وشيوخه وتلاميذه، والطبقات التي بعده في بيان حسناته ومزاياه، ثم بعد ذلك كلام أهل العلم في الجرح والتعديل.
الحادي عشر؛ أي: من خصائص كتاب المزي رحمه الله، ذكر ثلاثة فصول: أحدها: في شروط الأئمة الستة، والثاني: في الحثِّ على الرواية عن الثقات، والثالث: في الترجمة النبوية.