الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرض الإجمالي
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (1). فصلاة الجمعة فرض عين على المكلفين بها، يكفر جاحدها لثبوتها بالدليل القطعي فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع وهي أفضل الصلوات، كما أنها فرض مستقل بالنسبة للمكلف بها، فليست بدلاً عن الظهر في حقه، وكما أن الجمعة فريضة في حق المكلفين بها فإن السعي إليها فريضة لأنه الوسيلة لتحقيق هذه الفريضة ويبدأ وجوب السعي إليها عند الجمهور بالأذان الذي يكون بين يدي الخطيب، وعند الحنفية بالأذان الأول عند الزوال، إلا إذا كان بعيد الدار عن المسجد فيجب عليه السعي بقدر ما يدرك الفريضة، والتبكير إليها فضيلة.
وفي يوم الجمعة ساعة يستجاب الدعاء فيها وقد ذهب بعضهم إلى أنها بعد عصر يوم الجمعة وذهب آخرون إلى أنها عند جلوس الإمام للخطبة إلى نهاية الصلاة.
قال الحنفية: ومن سعى يريد الجمعة وقضاء حوائجه وكان معظم مقصوده الجمعة نال ثواب السعي إليها ومتى وجب السعي إليها- بالأذان الأول عند الحنفية وبالأذان الثاني عند الجمهور- فقد حرم البيع وغيره من العقود وسائر الصنائع والأعمال وإذا وقع البيع وقت النداء فقد قال الحنفية البيع صحيح مكروه تحريماً وقال الشافعية البيع صحيح حرام.
وتجب الجمعة على البالغ العاقل الحر الذكر المقيم غير المسافر الخالي من الأعذار التي تسقط وجوب الجمعة والذي يكون في مكان قريب من المكان الذي تصلي به الجمعة بحيث يسمع النداء، لكن إن حضر من لم تجب عليه الجمعة إليها وصلى مع الناس أجزأه ذلك عن فرض الوقت.
ويجوز عند الحنفية والمالكية للمكلف بالجمعة السفر يوم الجمعة بعد الفجر. وقبل الزوال على أن يكون خارج عمران المصر قبل دخول وقت الظهر والصحيح من مذهب الحنفية: أنه يكره السفر بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة ولا يكره قبل الزوال، وقال الشافعية
(1) الجمعة: من 9.
والحنابلة: يحرم على من تجب عليه الجمعة السفر قبل الزوال وبعده إلا إذا أمكنه أن يصلي الجمعة في طريقه أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة أو كان السفر واجباً كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته.
وتسقط الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام عند الحنابلة.
وللجمعة ركنان: الصلاة والخطبة، والصلاة ركعتان بقراءة جهرية إجماعاً، والخطبة فرض وهي خطبتان قبل الصلاة وهي شرط في صحة الجمعة على الأصح.
ويشترط لصحة الجمعة: أن تؤدى في وقت الظهر وخالف الحنابلة في هذا الشرط فأجازوا أداءها قبل الزوال.
ومن شروط صحة الجمعة: البلد أي كونها في مصر جامع وتعريفه عند الحنفية: هو كل موضع له أمير وقاض أو هو ما لا يسع أكبر مساجدها أهلها المكلفين بالجمعة.
ومن شروط صحة الجمعة: الجماعة وأقلهم عند أبي حنيفة ومحمد في الأصح ثلاثة رجال سوى الإمام ولو كانوا مسافرين أو مرضى، وقال المالكية: لابد من حضور اثني عشر رجلاً للصلاة والخطبة على الأقل على أن يكونوا من أهل البلد وأن يستمروا مع الإمام من أول الخطبة حتى السلام من صلاتها وقال الشافعية والحنابلة: أقل عدد تجوز به صلاة الجمعة أربعون بالإمام على أن يكونوا من أهل القرية المكلفين الأحرار الذكور المستوطنين المستمرين في الإقامة.
ومن شروط صحة الجمعة عند الحنفية: أن يأذن الإمام أو نائبه أو من له حكم الإمام بصلاة الجمعة وأن يكون هناك إذن عام يستطيع به كل من أراد صلاة الجمعة أن يدخل إلى الجامع ولم يشترط غير الحنفية هذين الشرطين، واشترط المالكية لصحة الجمعة أن تكون في مسجد جامع يجمع فيه على الدوام فلا تصح في البيوت ولا في رحبة دار ولا في خان ولا في ساحة من الأرض، كما اشترطوا أن تصلى بإمام مقيم وأن يكون هو الخطيب إلا لعذر يبيح الاستخلاف وتصح الجمعة عندهم في رحال المسجد، واشترط الشافعية لصحة الجمعة: عدم تعدد الجمع في المكان الواحد إلا إذا كان التعدد لحاجة، فإذا كان التعدد لحاجة سن عندهم صلاة الظهر احتياطاً، والفتوى عند الحنفية أنه يجوز تعدد الجمعة في العصر الواحد رفعاً للحرج.
ومن شروط صحة الجمعة الخطبة قبلها وهي خطبتان قبل الصلاة اتفاقاً.
ويدرك صلاة الجمعة من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته، فيصلي معه ما أدرك ويكمل الجمعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال الجمهور: من أدرك الركعة الثانية مع الإمام أدرك الجمعة وأتمها جمعة وإن لم يدرك الركعة الثانية أتمها ظهراً.
والترقية بين يدي الخطيب من مثل قراءة الفاتحة بعد أن يصعد الخطيب إلى المنبر مكروهة تحريماً عند أبي حنيفة وجائزة عند الصاحبين وبدعة حسنة عند الشافعية.
ومن سنن الجمعة: الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة، والتبكير للجمعة ماشياً بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام والاشتغال في طريقه بتلاوة أو ذكر، ومن سنن الجمعة تقليم الأظافر والشارب ونتف الإبط وحلق العانة وإزالة الرائحة الكريهة من الفم بالسواك وغيره وكذلك إزالة مواطن الرائحة الكريهة من الجسم، ويسن للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء.
ومن سنن الجمعة: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها والإكثار من الدعاء يومها وليلتها والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وليلتها ويسن للإمام أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية سورة المنافقون، أو سبح اسم ربك الأعلى في الأولى وهل أتاك حديث الغاشية في الثانية.
وتسن قراءة ألم السجدة وهل أتى على الإنسان في صلاة صبح الجمعة، ولا تستحب المداومة عليهما خشية أن يظن افتراضهما ويسن صلاة أربع ركعات قبل الجمعة وأربع بعدها وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان، وقال الحنفية: إذا دخل الإنسان المسجد فوجد الإمام قد خرج إلى مكان الخطبة فإنه يجلس ولا يصلي شيئاً وأجاز بعض العلماء أن يصلي الداخل ركعتين خفيفتين ولو خرج الإمام للخطبة، وتتأكد تلاوة أذكار الصلاة بعد الجمعة ويستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه.
قال الحنفية: يكره تحريماً صلاة الظهر يوم الجمعة بجماعة في مكان إقامة الجمعة، وهو المصر للسجناء والمعذورين وقال الجمهور غير الحنفية: يجوز لمن فاتتهم الجمعة لعذر أو لمن لا تجب
عليهم أن يصلوها ظهراً في جماعة، ولا يجوز لأحد أن يقيم إنساناً من مكانه ويجلس فيه لأن من سبق إلى مكان فهو أحق به وإذا وجد مكاناً مفروشاً خاصاً فليس لغير صاحبه عند الحنابلة أن يرفعه لما فيه من الافتيات على صاحبه وذلك ما لم تحضر الصلاة ويبقى صاحب المكان غائباً فلغيره حينئذ رفعه والصلاة مكانه، ومن كلام المالكية: يكره ترك العمل يوم الجمعة لأجله ويحرم السلام من داخل أو جالس على أحد ويحرم رد السلام ولو بالإشارة وتشميت عاطس والرد عليه ونهي لاغ أو إشارة له بأن ينكف عن اللغو متى خرج الخطيب للخطبة وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: إذا كثر الزحام جاز سجود الإنسان على ظهر إنسان أمامه أو قدمه وقال المالكية: لا يجوز ذلك ولا تصح به الصلاة. ومن مفسدات الجمعة خروج وقت الظهر أثناء الصلاة عند الجمهور وقال المالكية: لا تفسد وكذلك الفتوى عند الصاحبين وقال الحنفية: من صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له حرم ذلك وجازت صلاته فإن بدا له أن يتوجه إلى الجمعة فبمجرد سعيه إليها ما دامت لم تقم بعد بطلت صلاة الظهر وصارت نفلاً وإن لم يدركها، وهذا مذهب أبي حنيفة وقال الصاحبان: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام، والجمهور على أن صلاة الظهر قبل الجمعة لا تصح وتجب عليه الجمعة والسعي إليها، فإن كانت صلاة الجمعة قد انقضت يصلي الظهر ويجزئه ذلك على عصيانه وأكثر أهل العلم قالوا: إن من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد والمرأة، له أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام يوم الجمعة وإذا خرج وقت الظهر يوم الجمعة ولم تصل الجمعة أو ضاق وقتها عن أدائها صلى أصحاب ذلك الظهر قضاء، وإذا لم يتوافر شرط من شرائط صحة الجمعة صلى الناس الظهر بدلاً عنها.
وقد رأينا أن الخطبة قبل الصلاة ركن من أركان الجمعة وشرط من شروط صحتها وهي خطبتان قبل الصلاة اتفاقاً، بينهما جلسة خفيفة، قال الحنفية: وتكون الخطبتان بعد الزوال قبل الصلاة وتكون خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل يفصل بينهما بقعدة قدر قراءة ثلاث آيات ويخطب قائماً مستقبل الناس، ولو اختصر الخطيب على تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة جاز عند أبي حنيفة مع الكراهة وقال الصاحبان: لابد من ذكر طويل يسمى خطبة أقله قدر التشهد ويشترط ألاي فصل فاصل كثير أجنبي بين الخطبة والصلاة كطعام
مثلاً، ولا يشترط اتحاد الإمام والخطيب ولكن لا يصلي غير الخطيب إلا لعذر وأجازوا الخطبة بغير العربية، وكمال كل من الخطبتين أن يتعوذ سراً ثم يجهر بحمد الله ويثني عليه ويأتي بالشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر ويعظ، ويندب في الخطبة الثانية ذكر الخلفاء الراشدين والعمين حمزة والعباس وذكر الحسن والحسين وذكر الصحابة بالخير إظهاراً لعقائد أهل السنة والجماعة، ومن شروط صحة الخطبة عند المالكية: أن تكون داخل المسجد فلو خطبهما خارجه لم يصحا، وللخطبة عند الشافعية خمسة أركان: حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى وتجب هذه الثلاثة في كل من الخطبتين وقراءة آية مفهمة في إحدى الخطبتين والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأمر أخروي في الخطبة الأخيرة، واشترط الكثير من الفقهاء أن تكون الخطبة بالعربية، ومن سنن الخطبة كونها على منبر وأن يكون المنبر على يمين المحراب فإن لم يتيسر المنبر فعلى موضع مرتفع والجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة واستقبال القوم بوجهه دون الالتفات يميناً وشمالاً سنة بالاتفاق ولا يسن للخطيب أن يسلم على القوم عند الحنفية ويسن له ذلك عند الشافعية والحنابلة إذا صعد المنبر وواجه الناس قبل الجلوس، أما المالكية فقد قالوا يسلم حال خروجه للخطبة ومن السنة أن يؤذن مؤذن واحد بين يدي الخطيب إذا جلس على المنبر وقال الشافعية يسن أن يختم الخطبة الثانية بقوله: أستغفر الله لي ولكم ويسن أن يرفع صوته في الخطبة لإسماع الناس وأن يعتمد الخطيب بيساره على شيء أثناء الخطبة وأن يقصر الخطبتين وأن تكون الثانية أقصر من الأولى ويسن أن تكون الخطبة بليغة مفهومة واعظة وأن يكون الخطيب عاملاً بما يدعو إليه ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة عند المالكية والحنابلة وبمجرد صعود الإمام المنبر عند الحنفية ويحرم الكلام عند المالكية والحنابلة من غير الخطيب وقال الشافعية: إن الإنصات أثناء الخطبة سنة، وذكر الشافعية والحنابلة أنه يجوز أثناء الخطبة إنذار أعمى من الوقوع في خطر كما ذكروا أنه تستحب تحية المسجد للداخل بركعتين خفيفتين، وأجازوا تشميت العاطس، وأجازوا رد السلام وإن كان البدء به للداخل مكروهاً وأجازوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره ولا يحرم الكلام على الخطيب ولا على من سأله الخطيب ويسن عند الشافعية أن يبادر الخطيب بالنزول عن المنبر ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الإقامة،
ويستحب للخطيب أن يصعد المنبر على تؤدة وأن يسرع في النزول من غير عجلة.
ومن مكروهات الخطبة: تطويلها ويكره باتفاق العلماء تخطي الرقاب أثناء الخطبة لغير الإمام ولغير فرجة، وأجاز المالكية المشي بين الصفوف ولو حال الخطبة لأنه ليس من التخطي، ومن مكروهات الخطبة أن يشير الخطيب بيده أو غيرها وأن يدق درج المنبر ويكره الاحتباء للحاضرين في الخطبة ولا ينبغي للسامع ولا للإمام تغميض عينيه من غير حاجة حال الخطبة ومن المكروه عند الحنابلة استدبار الخطيب القوم أثناء الخطبة من أجل الدعاء ورفع يديه لدعاء الخطبة ووافقهم على ذلك المالكية والشافعية، وأجاز الحنابلة الاحتباء مع ستر العورة، ويكره عند الحنابلة والشافعية التشبك في المساجد ومن حين يخرج المصلي من بيته قاصداً المسجد، ويكره العبث حال الخطبة كما يكره الشرب ما لم يشتد عطشه ويكره عند الحنفية والحنابلة وغيرهم التخطي للسؤال بكل حال وأجاز بعض الفقهاء السؤال والإعطاء إن كان السائل لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى الرقاب ولا يسأل إلحافاً ولا يتصدق على سائل وقت الخطبة وأجاز الحنابلة الصدقة حال الخطبة على من يسأل وعلى من سألها الإمام له والصدقة على دار المسجد عند الدخول والخروج لا حرج فيهما (1).
…
(1) انظر رد المحتار على الدر المختار 1/ 535 فما بعدها والشرح الصغير 1/ 493 - 516 والمهذب 1/ 109 - 118 والمغني 2/ 295 فما بعدها والفقه الإسلامي 2/ 259 فما بعدها والفقه على المذاهب الأربعة 1/ 374 - 402.